يقول تعالى في سورة طه: “وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا”، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره:
إن الله سيؤدي كل حق إلى صاحبه حتى يقتص للشاة الجمّاء من الشاة القرناء وفي الحديث: يقول الله عز وجل: “وعزتي وجلالي لا يجاوزني اليوم ظلم ظالم”، وفي الصحيح: “إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة”، والخيبة كل الخيبة من لقي الله وهو به مشرك فإن الله تعالى يقول: “إن الشرك لظلم عظيم”.
وأصل الظلم: الجور ومجاوزة الحد، ووضع الشيء في غير موضعه، إمَّا بنقصان أو بزيادة؛ وإما بعدول عن وقته أو مكانه. وقيل: هو عبارة عن التعدِّي عن الحق إلى الباطل وهو الجور. وقيل: هو التصرُّف في ملك الغير، ومجاوزة الحد.
والظلم ثلاثة أنواع: ظلم لا يُغفر وهو الشرك بـالله، وظلم لا يُترك وهو ظلم العباد، وظلم إلى مشيئة الله وهو حقوق الله، وشر الظلم ما كان عامًا كالإفساد في الأرض الذي يتعدى ضرره للأجيال اللاحقة، وأشد الناس تعرضًا لهذا النوع من الظلم هم الحكام.
والظلم مرتعه وخيم، وشؤمه جسيم، وقد توعّد الله سبحانه وتعالى أهله بالنكال والعذاب الأليم فقال: “وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا”. وبيَّن سبحانه وتعالى أن الظالم محروم من الفلاح في الدنيا والآخرة، ومصروف عن الهداية في دينه ودنياه، فقال: “إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ”، وقال: “إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ”، وهدد الله جل جلاله الظالمين بسوء العاقبة وشؤم المنقلب فقال: “وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ”، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم “اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة”.
والظلم ما شاع في أمة إلا أهلكها ولا انتشر في بلدة إلا خربها ولا حل في قرية إلا دمّرها قال تعالى: “وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا”.
يقول ابنُ القيّم رحمه الله: “أصلُ كلِّ خيرٍ هو العلم والعَدل، وأصلُ كلِّ شرٍّ هو الظلم والجهل والظالم من أحرى الناس بلعنة الله تعالى وناره وغضبه، يقول الله سبحانه وتعالى: “يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ”.
ومن آثار الظلم ومضاره أنه يجلب غضب الرب سبحانه، ويتسلط على الظالم بشتى أنواع العذاب، وهو يخرب الديار، وبسببه تنهار الدول، والظالم يُحْرَمُ شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميع أنواعها، وعدم الأخذ على يده يفسد الأمة، والظلم دليل على ظلمة القلب وقسوته، ويؤدي إلى صغار الظالم عند الله وذلته، وما ضاعت نعمة صاحب الجنتين إلا بظلمه، يقول تعالى: “وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أبدًا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا”، وما دُمّرت الممالك إلا بسبب الظلم، قال تعالى: “فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ”، وقال تعالى عن فرعون: “فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ”، وقال عن قوم لوط: “فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ”، وأهلك سبحانه قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الأيكة، وقال: “فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ”، وندم الظالم وتحسره بعد فوات الأوان لا ينفع، قال تعالى: “وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا”.
والظلم من المعاصي التي تعجل عقوبتها في الدنيا، فهو متعدٍ للغير، وكيف تقوم للظالم قائمة إذا ارتفعت أكف الضراعة من المظلوم، فقال الله عزَّ وجلَّ: “وعزَّتي وجلالي لأنصُرنَّكِ ولو بعد حين”.
فاتق الله وأنصف من نفسك، وسارع برد المظالم لأصحابها، من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله.
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرًا.. فالظلم ترجع عقباه إلى الندمِ
تنام عيناك والمظلوم منتبه.. يدعو عليك، وعينُ الله لم تنمِ