د. كمال أصلان – الشرق القطرية
يظن البعض أنه باستشهاد قائد، أو موته تنقضي حركة المقاومة، أو تنهار، وهذا خلل في التفكير، واعوجاج في الفهم، لأن الحركات الجهادية المقاوِمة تَبني حساباتها على أن يكون كل فرد فيها مؤهل لكي يستلم الراية. ولنا في سيرة الصحب الكرام خير مثال ونموذج.
ففي غزوة أُحد استُشهد مصعب بن عمير، على يد عمرو بن قميئة الليثي الذي هاجمه، وهو يحمل اللواء، وضرب يد مصعب اليمنى فقطعها؛ فأخذ اللواء باليسرى فقطعها ابن قميئة؛ فضمّ مصعب اللواء بعضديه إلى صدره فطعنه ابن قميئة برمح في صدره فقتله.
فأعطى النبي، صلى الله عليه وسلم، اللواء لعلي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، وهكذا بعد جهاد الصحابي، وثباته تنتقل القيادة لغيره بطريقة سلسة، لأن الجميع يريدون أن يحظوا بنيل هذا الشرف الكبير.
تاريخ من التضحية والنضال
تاريخ حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مثال بارز للتضحية والفداء من أجل تحرير المسجد الأقصى من براثن اليهود، أو إن شئت قلت تحرير الأمة من كيد الأعداء، ومكر الكائدين.
فمنذ تأسيس الحركة في ديسمبر/كانون الأول 1987 كانت قياداتها السياسية والعسكرية هدفًا لاغتيالات نفذها الاحتلال الإسرائيلي داخل وخارج فلسطين، وكان على رأس قيادات حماس التي اغتالتها إسرائيل مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين (2004)، والقياديون فيها عبد العزيز الرنتيسي (2004)، وصلاح شحادة (2002)، وإبراهيم المقادمة (2003)، وسعيد صيام (2009)، ونزار ريان (2009)، ونائب رئيس الحركة صالح العاروري (2024).
واغتالت قوات الاحتلال الإسرائيلي يوم 21 أغسطس/آب 2003 المهندس إسماعيل أبو شنب، أحد القادة البارزين في حركة حماس، مع اثنين من مساعديه.
واغتيل القيادي في حماس محمود المبحوح يوم 19 يناير/كانون الثاني 2010 في أحد فنادق دبي بدولة الإمارات، كما اغتيل محمد الزواري، وهو مهندس طيران ومخترع تونسي، وأحد القادة الذين أشرفوا على مشروع “طائرات الأبابيل القسّامية”، في 15 ديسمبر/كانون الأول 2016.
وفي 31 من يوليو تمّ استهداف رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية أثناء تواجده في إيران للمشاركة في تنصيب الرئيس الجديد مسعود بزشكيان.
وتعرّض هنيّة لمحاولات اغتيال سابقة، إذ جُرحت يده يوم 6 سبتمبر/أيلول 2003 إثر غارة إسرائيلية استهدفت بعض قياديي حماس من بينهم الشيخ ياسين، كما قصفت إسرائيل منزله في قطاع غزة عدة مرات في حربها على القطاع المحاصر سعيًا لاغتياله.
وقد فشلت محاولات اغتيال قادة آخرين، منهم رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل (1997)، وعضو مكتبها السياسي محمود الزهار، والقيادي في فرع حماس بلبنان محمد برهوم.
وحاول الكيان الإسرائيلي اغتيال القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف 7 مرات أعوام 2001 و2002 و2003 و2006 و2014 و2023 و2024، وباءت جميعها بالفشل.
أقول: مع كل هذه التضحيات إلا أننا نجد أن الحركة لا تزال عصيّة على أعدائها، على الرغم من كل المؤامرات والمكائد التي تحاك لها من القريب قبل الغريب، فقد اجتمع عليها الغرب بكل إمكانياته وترسانته العسكرية، داعمين للكيان الصهيوني، وتآمرت عليها بعض الدول العربية، وتمنّت لو تخلصت منها اليوم قبل الغد.
وهناك بعض الملاحظات والأسئلة الأولية على طريقة استشهاد إسماعيل هنية يجب الإشارة إليها، منها:
أولًا: الترتيبات الأمنية التي رافقت إسماعيل هنية في هذا التنصيب المهم للرئيس الإيراني كانت دون المستوى بالمقارنة بالمرات السابقة، وهذا يحتاج إلى تفسير، فهل هذا مقصود ومُرتب له؟!
ثانيًا: ما ورد في صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أن رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية، قُتل جراء انفجار قنبلة وضعت سرًا قبل نحو شهرين في المقر الذي أقام فيه ليلة الاغتيال، ماذا يعني ذلك؟!
ثالثًا: هل المنطقة العربية ستشهد تحولات جذرية باستشهاد هنية، يكون منها تحولات في المشهد السياسي لصالح الشعوب، أم أن إسرائيل ستتحكم في المنطقة أكثر بمعاونة، ودعم بعض الأنظمة العربية التي شاركت، وتشارك في تثبيت أركان هذا الكيان؟!
لعل الأيام القادمة تُظهر لنا الحقائق، لتزداد الصورة وضوحًا، وتعرف الأنظمة المُغيّبة أنه لا أمل إلا في الشعوب، وأن التعويل على المنظومة الغربية لن يكون في صالحهم.
رحم الله القائد الفذ، والمجاهد الكبير أبا العبد (إسماعيل هنية)، وكتب كل جهاده في ميزان حسناته، وأسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.