د.جمال نصار – الشرق القطرية
لا يمكن أن يحيا أي إنسان بشكل طبيعي دون أن يكون لدية قيم وأخلاق، ولا يمكن أن تستقر المجتمعات دون أخلاق. فالأخلاق هي عماد قيام الأمم والحضارات، وبغيابها تنهار الدول، وتتهدّم الحضارات، حتى ولو بعد حين، فلا يجب أن ننخدع بالمظاهر الكاذبة، أو بالبروباجندا الطاغية، لأن القيم والأخلاق هي التي تستمر وتبقى.
وهذا ما تحدّث عنه قديمًا الفلاسفة وأصحاب الفكر، حتى أنه أُلفت كُتب وصُنفت مؤلفات لدعوة الملوك والرؤساء إلى ترجيح الجانب الأخلاقي في الحياة والحكم، وهذا ما فعله أرسطو المتوفي (322 ق.م)، بتأليفه كتاب للملك وقتئذ بعنوان “الأخلاق إلى نيقوماخوس”، وكان هذا ملكًا في اليونان في عهد أرسطو، وكذلك الماوردي المتوفي (450ه) في كتابه الأحكام السلطانية، الذي وضع فيه ما يجب أن يقوم به الأمير أو الخليفة في الدولة الإسلامية.
ومن ثمَّ إذا أرادت أي أمة أن تتقدم؛ فلا بد أن يتحصن أبناؤها بالقيم والأخلاق الحميدة في كل حياتهم، بداية من الملك أو الرئيس أو الأمير، حتى أصغر عامل في الدولة.
ولذلك قال أمير الشعراء أحمد شوقي:
وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا
والإسلام هو الدين الوحيد الذي ثمَّن الأخلاق، وجعلها هدفًا ساميًا لرسالته، ولبعثة النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال خير البشر: (إنما بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صالِحَ الأخلاقِ)، وأثنى الله، تبارك وتعالى، على نبيه، صلى الله عليه وسلم بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِیمٍ﴾ (القلم: 4).
لذا وجب على كل مؤسسات الدول التعليمية، والتربوية، والإعلامية، ومواقع التأثير أن تهتم اهتمامًا لائقًا بالأخلاق، وليكن ذلك من الأساسيات في كل مناهج التعليم بكل أشكالها النظرية والعملية، وليكن تدريس مادة أخلاق المهنة ضمن المقررات والمناهج الأصيلة وليست الاختيارية، لأنه بقدر اهتمام المسؤولين بنشر الأخلاق، وتوعية المجتمعات بالقيم بقدر ما تخرج الأجيال واعية بهذه القيم، وتُطبّقها في حياتها.
أما إذا أصبحت الأخلاق والقيم من الأمور الهامشية، فلا تسألوا بعد ذلك لماذا ينحرف الشباب، أو لماذا تنهار المؤسسات، ولكم أن تتخيلوا لو غابت الأخلاق في جميع المجالات، ماذا سيحدث؟!
ففي الجانب الاجتماعي: ستنتشر ظواهر التفكُّكِ الأُسَري، والانحراف، والجفوة الاجتماعية بين أفراد المجتمع، وفي الجانب الاقتصادي: سنجد انتشار ظاهرة الغشِّ، والرِّبا، والاحتكار، والاستغلال، وفي الجانب السياسي: سينتشر الفساد السياسي، والرِّشوة، والنفاق، والخداع، وفي الجانب الفكري: ستكون الحصيلة قرصنة المجهوداتِ الفكرية وتبَنيها، مع سياسات التجهيل، وترويج النَّماذجِ الفكرية الفاسدة، وفي الجانب الإعلامي: سينتشر الانحرافُ الأخلاقي، والمشَاهِد الخادشة للحَيَاء، والتَّضليل الإعلامي، والترويج للكذب، وغير ذلك، وفي الجانب التربوي: سنجد في الغالب أن مؤسسات التكوين مثل المدارس والكليات؛ تُسلِّم لخريجيها شهادات فارغة من المحتوى الأخلاقي.
ومن ثمَّ وجب علينا أن نعيد حساباتنا ونراجع أنفسنا في أخلاقنا ومعاملاتنا، وننظر بعين الناقد لتصرفاتنا، ونسأل أنفسنا هل غياب الأخلاق سيحقق لنا ما نريد، وهل علمنا النظري بتلك الأخلاق دون تطبيقها يفيدنا، أم أنه من الواجب علينا أن نعيش بأخلاقنا ونتواصل ونتعايش بها؟
فالأخلاق هي رافعة المجتمع، فحين تكون الأخلاق موجودة في سلوكيّات أيّ مجتمع من المجتمعات، فهذا يعني أنّ هذا المجتمع متحضّر متمدّن يسعى للتّقدم والرِّفعة بين الأمم، كما أن الأخلاق تُرسي دعائم قيام المجتمع الإنساني، كما يريد خالق البشر، ويشعر الإنسان من خلالها أنه خليفة الله في الأرض بما ناله من تكريم إلهي، يحيا من خلاله حياة آدمية كما ينبغي أن تكون.
إن خيريّة الرجل لا تقاس بصلاته، وصيامه، وتعبّده فحسب، بل لا بد من النظر في أخلاقه وشيمه، فعن عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما، قال: لم يكن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فاحشًا ولا مُتفحِشًا، وكان يقول: (خياركم أحاسنكم أخلاقًا).