لقد ابتليت الأمة الإسلامية بالعديد من المنافقين في الميادين المختلفة، وهم أشد على الأمة من أعدائها، وأخطرهم عليها، فهم يتلوَّنون حسب البيئة، يظهرون بمظهر الأخ المشفق، بينما هم ذئاب في جلد بني الإنسان، ويظهر ذلك في مجال السياسة بشكل واضح، كما نشاهد بعض علماء السلطان، الذين يتقربون من الأنظمة المستبدة الظالمة، وإعلاميون مأجورون فسدة يقلبون الحقائق، ويزورون التاريخ، يتصفون بهذه الصفات.
وقد ورد ذكرهم في القرآن الكريم في مواطن كثيرة، كما جاء عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قوله: (إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكُم بعدي كلُّ مُنافقٍ عليمِ اللِّسانِ).
لقد خسر أهل النفاق، وضيّعوا أنفسهم، وضلّوا عن سواء السبيل، واستحقّوا بأفعالهم المشينة، وعقيدتهم الخبيثة، عداوة أهل الإيمان لهم.
ويمكن أن نجمل صفات المنافقين في النقاط التالية:
- فتنة الناس:
فهم إذا خالطوا الناس فتنوهم وأثاروهم، ووسوسوا في صدورهم بما يوهن العزائم، ويوغر الصدور، ويثير الأحقاد، قال تعالى: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ لَقَدِ ٱبۡتَغَوُا۟ ٱلۡفِتۡنَةَ مِن قَبۡلُ وَقَلَّبُوا۟ لَكَ ٱلۡأُمُورَ حَتَّىٰ جَاۤءَ ٱلۡحَقُّ وَظَهَرَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَهُمۡ كَـٰرِهُونَ) (التوبة: 47 – 48).
يقول ابن كثير: “وَلَأَسْرَعُوا السَّيْرَ وَالْمَشْيَ بَيْنَكُمْ بِالنَّمِيمَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَالْفِتْنَةِ، (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) أَيْ: مُطِيعُونَ لَهُمْ وَمُسْتَحْسِنُونَ لِحَدِيثِهِمْ وَكَلَامِهِمْ، يَسْتَنْصِحُونَهُمْ وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْلَمُونَ حَالَهُمْ، فَيُؤَدِّي هَذَا إِلَى وُقُوعِ شَرٍّ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَفَسَادٍ كَبِيرٍ”.
- الخداع والمكر:
فالمنافق يمتلك من صفات الخسة والخداع الكثير، فهم متآمرون وماكرون مكر السوء، يتصرفون بخبث حسب الظروف التي يقعون فيها، فهم يتسترون بالإيمان أمام المسلمين للنيل منهم والتحريض عليهم وإلحاق الأذى بهم، بينما يظهرون على حقيقتهم أمام أصدقائهم من الكافرين.
يقول الله تعالى: (وَمِنۡهُم مَّن یَقُولُ ٱئۡذَن لِّی وَلَا تَفۡتِنِّیۤ أَلَا فِی ٱلۡفِتۡنَةِ سَقَطُوا۟ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِیطَةُۢ بِٱلۡكَـٰفِرِینَ) (التوبة: 49).
- كره الخير للآخرين:
فالمنافق لا يحب إلا منفعته ولا يهمه غير ذاته الأمّارة بالسوء، فهو يريد لها النجاة وحدها، والعلو عن غيرها، ولا يبغي أن يصيب الخير غيره، لأنه لا يحب غير نفسه، ولا يود الخير لأحد، ويفرح لما يصيب غيره من مصيبة، ويحزن لما يناله من خير.
يقول الله تعالى: (إِن تُصِبۡكَ حَسَنَةٌ تَسُؤۡهُمۡۖ وَإِن تُصِبۡكَ مُصِیبَةٌ یَقُولُوا۟ قَدۡ أَخَذۡنَاۤ أَمۡرَنَا مِن قَبۡلُ وَیَتَوَلَّوا۟ وَّهُمۡ فَرِحُونَ) (التوبة: 50).
- الحلف بالكذب:
فلا يتورع المنافقون أن يبذلوا الأيمان المغلظة يحلفون بها ليصدقهم الناس، لأن كلمة الله وعهده لا يساوي عندهم ما يبتغون من عرض الدنيا، ومن متاعها القليل، يقول الله تعالى: (وَیَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمۡ لَمِنكُمۡ وَمَا هُم مِّنكُمۡ وَلَـٰكِنَّهُمۡ قَوۡمٌ یَفۡرَقُونَ) (التوبة: 56).
- الهمز واللمز للآخرين:
الهمز هو ذكر الناس بالعيب في غيبتهم، واللمز الطعن على الشخص في وجهه أو مطلقًا، والمنافق يهمز ويلمز لسببين:
الأول: أنه لا يحب الناس بل يمقتهم ويزدريهم، ولا تعرف نفسه المودة للآخرين، ويحب أن يتعالى على الآخرين، ويظن أنه وحده خير من جميع الناس وأجدر منهم بكل الخير.
الثاني: أنه أسير المنفعة، فإن حصل على ما يبتغيه فذلك همه، وإن لم يحصل على مراده ثار وغضب، وعاب من حرمه، حتى ولو كان عادلًا.
- الطمع فيما لا يحق لهم:
لا يعرف المنافق الحق، وليس من خلقه التسليم به، بل مصلحته هي الحق، ومنفعته الذاتية هي العدل، ولهذا نرى المنافقين في كل عصر أكثر الناس في التفنن والتحايل للحصول على ما يشتهون من غير وجه حق، بعيدًا عن السبيل المشروع، ففي الوظائف يصل إلى الترقية بالكذب والمداهنة والرياء، وفي التجارة يحقق أرباحه الوفيرة بالحلف والكذب والغش والخداع، وفي السياسة والحكم يصل إلى ما يريد بالأساليب الملتوية، والسبل المعوجة.
وفي عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، كان المنافقون يسعون للحصول على أموال الصدقات بما لا يستحقون، يقول تعالى: (وَمِنۡهُم مَّن یَلۡمِزُكَ فِی ٱلصَّدَقَـٰتِ فَإِنۡ أُعۡطُوا۟ مِنۡهَا رَضُوا۟ وَإِن لَّمۡ یُعۡطَوۡا۟ مِنۡهَاۤ إِذَا هُمۡ یَسۡخَطُونَ) (التوبة: 58).
- عدم الرضى بما قسم الله:
فالمنافق يرى أنه أحق من غيره بالخير والفضل، وأنه يستحق من الجاه والأموال أكثر مما يمنح الله لغيره، وما دام المنافق لا يؤمن بالله، لأن النفاق والإيمان نقيضان لا يلتقيان، فأنى له أن يؤمن بقضاء الله وقدره، وقسمته العادلة بين خلقه.
- الإفساد في الأرض:
فالمنافقون يدّعون الإصلاح في الأرض بينما هم المفسدون الذين يثيرون في الأرض فسادًا وظلمًا، ويعملون على تخريب كل خير، وكل طيبة موجودة في الأرض.
يقول الله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُون أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُون) (البقرة: 11 – 12).
- الغدر ونقض العهد:
فهم أناس لا عهد لهم ولا وعد، يعاهدون الله على فعل الخير، وفي ذات الوقت يبيّتون في القلب الكفر والفساد، قال تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ) (التوبة: 75 – 77).
- يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام:
فهم في معاملاتهم وحلاوة ألسنتهم في الكلام تحسبهم مؤمنين، والله يكشف حالهم ويفضحهم إلى الأبد، بقوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ) (البقرة: 8)، فهم يظهرون ما لا يبطنون، ولذلك خصص الله لهم سورة باسمهم في القرآن الكريم، واصفًا إياهم، وفاضحًا لحالهم، بقوله: (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) (المنافقون: 1).
وخلاصة القول: إن عاقبة المنافقين وخيمة، فما أقبح النفاق وما أسوأ نتائجه وعواقبه، إنه سبيل إلى الندامة والخُسْرَان، والهلاك والعذاب، ولا خلاص ولا نجاة إلا لمن تاب وأناب.
قال تعالى مُحَذرًا من عاقبة المنافقين: (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (الحديد: 13 – 15).
وقال سبحانه: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) (التوبة: 68).
وقال عز وجل: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) (النساء: 145 – 146).
فاحَذروا النفاقَ، وجنّبوا أنفسكم خصالَ المنافقين.. اصدُقوا إذا حدّثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدّوا إذا ائتُمِنتُم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم، واعلموا أن الله مُطّلع على ظواهركم وبواطنكم، عليم بسرائركم وهواجسكم، ما من غائبة في السماء ولا في الأرض إلا يعلمها، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.