د. جمال نصار – اليوم السابع
بعد ثورات الربيع العربى نحتاج إلى نهضة حقيقية فى جميع المجالات والميادين المختلفة لنسترد مكانتنا التى قزَّمتها الأنظمة العربية المستبدة هذا جانب، ومن جانب آخر إذا كُنا فى عصر العولمة، والعالم كله أصبح قرية صغيرة، فلابد أن نجيد آليات التعامل مع الآخرين، فلابد أن نتعامل مع غيرنا بمنطقهم لا بمنطقنا فقط، منطق القوة والعلم والتكنولوجيا، ومن ثمَّ فإننا لكى نحقق اليوم الاستجابة الصحيحة للأمر الإلهى بالإعداد (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)، علينا إذن أن نقرأ فكر غيرنا، وما عنده من إمكانات علمية وتكنولوجية غير عادية تحقق له أهدافه، ويشمل الإعداد لمسايرة تحديات العصر فى جميع ميادين الحياة، ويمكن أن نجمل تلك الميادين فى نقاط محددة، وهى:
ميدان العلم، والمراد الإعداد العلمى والتكنولوجى، وبناء قاعدة علمية صلبة، من مدارس وجامعات ومراكز بحوث علمية، وقبل كل هذا بناء الشخصية الإنسانية العصرية المتعلمة بناء صحيحًا، لأنها هى المحرك الأساس والأول فى العملية التعليمية.
وفى ميدان الاقتصاد، فنحن نحتاج إلى نهضة اقتصادية شاملة من تجارة، وصناعة، وزراعة لتحقيق الاكتفاء الذاتى، لأن شعبًا لا يملك رغيف خبزه لن يملك صنع قرار نفسه.
أما فى ميدان الاجتماع، الذى يقوم على العدل بين أفراد المجتمع بحيث يجد كل فرد حقه الطبيعى فى حياة كريمة تجعله مواطنًا صالحًا منتجًا.
وفى ميدان السياسة، فإقامة نظام حكم إسلامى، يقوم على الشورى، ويسمح بتداول السلطة، وعدم احتكارها لفئة معينة كفيل بإفراز شعب يستطيع أن يصنع قراره، كما يستطيع أن يحدث ثورة فى شتى مجالات الحياة الأخرى، ما دام هو شعر بذاته ومكانته.
وفى الميدان العسكرى، يعنى الحصول على أحدث الأسلحة وتصنيعها محليا، وإقامة قواعد عسكرية تتمكن من حماية بلدنا من اعتداء الآخرين، وحماية أمننا القومى من كل اختلاق خارجى.
أما الميدان المعنوى، الذى يقوم على تأهيل أفراد الأمة نفسيا، وإشعارهم بخطر المواجهة، والدور الملقى على عاتقهم، ومناط تحقيق هذا الإعداد هو: الإعلام، والعلم، والمسجد والكنيسة، فهذه العناصر هى المنوط بها تحقيق ما يسمى بالإعداد المعنوى والنفسى.
وأخيرا المعلومات، فالجيل القادم يحتاج إلى إعداد معلوماتى متكامل، فالمعلومات الآن ثروة لمن يحصل عليها، ونحن نعيش بحق فى عصر المعلومات، وأصبحت المعرفة قوة، والقوة أيضا معرفة، وصارت المعرفة رأس مال لمن يُحسن استخدامها.
نريد – إذًا – بناءً حضاريًا يُؤَسَّسُ على المنهج العلمى السليم، بهذا الفهم فى الإعداد، وبفهم صحيح فى استقبال كلام ربنا وكلام نبينا، وبوضعهما موضع التطبيق، والبناء الحضارى ومظاهر التقدم ما هما إلا محصلة تفاعل الأمة والمجتمع مع البيئة بجميع ما فيها من قيم ومبادئ، وسنن وقوى، وموارد مادية وبشرية، ورسوخ البناء الحضارى ما هو إلا تعبير أصيل عن قيم الأمة، وتجسيد حى لكيانها العقدى والنفسى، والفكرى والسلوكى.
فالأمم تزدهر بقيمها وأخلاقها، وتنحط وتنهار بفسادها وسوء أخلاقها، وقديمًا قال شاعرهم:
وإنما الأمم الأخلاق ما صلحت فإن همو فسدت أخلاقهم فسدوا
وأخذ هذا المعنى أحمد شوقى وبلوره فى بيته الشهير فقال:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا