في المصائب، والملمات، والأزمات، وانتشار الأوبئة؛ يجب أن تتوحد الجهود على مستوى القطر الواحد، بل على مستوى العالم لمواجهة انتشار البلاء، والفيروسات، والأمراض، والأسقام.
وفي ذات الوقت على القوى والأحزاب السياسية، والمذاهب الفكرية المختلفة، والمثقفين، والأفراد والجماعات، الابتعاد عن الاختلافات، وتنحية الخصومة السياسية جانبًا، والمساهمة بشكل أو بآخر في حل المُعضلة التي حلّت بالعالم؛ وهي الانتشار الرهيب لوباء كورونا.
وأظن أن ذلك من الأبجديات لكل ذي عقل أو فهم.
قال الشاعر:
إذا المرءُ لم يصبرْ على مِرّةِ الدوا * سيصبرُ مضطرًا على طولِ علّةِ
ومن يكُ ذا صبرٍ على شربِ جرعةٍ * سيحمدُ عقبى الصبرِ في كلِّ صحّةِ
ومن يرضَ بالعيش الدنيِّ فإنه * سيغرقُ في كلِّ الأمورِ الدنيّةِ
دور السيسي ونظامه في مواجهة الأزمة
للأسف نظام السيسي الذي انقلب على كل حقوق الشعب المصري، وقتل الآلاف، وسجن عشرات الألوف، وكمم الأفواه، وفرّط في أهم مقدرات الدولة المصرية، من مياه النيل، والغاز، وتيران وصنافير، وأفقر المصريين، وأضر ضررًا بالغًا بالأمن القومي المصري لصالح أعداء مصر، وأمّم كل أجهزة الدولة لصالحه، وشلّ حركة الجمعيات الخيرية، وأغلق الآلاف منها، وجمّد كل نشاط وعمل نقابي في مصر، كل هذا فعله السيسي، وغيره كثير، وفي ذات الوقت لا يعبأ بالنتائج الكارثية التي تظهر من حين لآخر.
فالوضع في مصر يزداد قتامة، وكارثية في طريقة التعامل مع وباء كورونا في ظل التكتيم والتعتيم على الأعداد الحقيقية التي وصلت إلى الآلاف، حسب تقرير كندي، مع عدم اتخاذ الإجراءات المناسبة لمواجهة تلك الكارثة، ناهيكم عن الوضع المزري للخدمات الطبية، والعلمية في مصر.
وبعد انقطاع السيسي لفترة عن الخروج للشعب كما اعتاد سابقًا في مؤتمراته للشباب، أو عبر الندوات التثقيفية للقوات المسلحة أو .. أو ..؛ خرج أخيرًا بقرارات باهتة لا تصب بشكل مباشر في حماية المواطن البسيط، والوطن ككل من انتشار الجائحة، واكتفى بالتأكيد على أن الأعداد ربما تصل للآلاف والشعب هو السبب.
والسؤال هنا أين الحلول وأين التخطيط والإدارة، وما هي الإجراءات المتخذة لإطعام الشعب، ورفع عن كاهله ارتفاع الأسعار، وقلة الدخل، والظروف الصعبة التي لا تنفك عنه؟!
وبعد ذلك يخرج رئيس حكومة السيسي ليعلن بعض القرارات المتعلقة بأوقات الحظر في الفترة من السابعة مساء حتى السادسة صباحًا، ويترك فترة طويلة يمكن أن تساعد على انتشار المرض بين الناس، وخصوصًا مع حالة اللامبالاة التي ذرعها العسكر في الشعب المصري منذ عشرات السنين!
شيطنة الإخوان ليس حلًا
للأسف الآلة الإعلامية الجهنمية التي تديرها المخابرات؛ مشغولة بالنفي والرد على كل من يخالف سياسة، وأداء السيسي في إدارة الدولة والتعامل مع الأزمات، والشماعة المُستهلكة التي يعلّق عليها دائمًا السيسي، ونظامه في الفشل الذريع الذي وصلوا إليه، هو تآمر الإخوان ومن معهم ضد الدولة المصرية، على أساس أن مصر بكل ما فيها هي السيسي ومن يؤيده، ومن يخالفه، أو يختلف معه فهو ضد الدولة المصرية!
أقول هذا الكلام بمناسبة بعض التصريحات التي صدرت عن بعض المسؤولين المصريين، وبعض الصحفيين المحسوبين على النظام، فقد صرّح وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، حسب ما ورد في صحيفة اليوم السابع الناطقة باسم نظام السيسي، يوم الثلاثاء الموافق (10-3-2020)، “أن جماعة الإخوان اختل توازنها العقلي، وفاق إجرامها كل التصورات الإنسانية، وصارت خطرًا يهدد العالم بأسره، وندعو العالم كله للتعرف على حقيقتها الضالة، فبعض عناصرها المجرمة تدعو لنشر فيروس كورونا بين الأبرياء”.
ثم قال: “إن ما تقوم به جماعة الإخوان الإرهابية من فُجر وفُحش فاق أى تصور للإجرام وانعدام الحس الإنسانى، حيث دعا بعض أعضاء الجماعة الضالة المصابين من عناصر الجماعة بفيروس كورونا؛ لنشره بين رجال الجيش، والشرطة، والقضاء، والإعلام، وغيرهم من أبناء المجتمع الأبرياء، بما ينم عن أقصى درجات اختلال توازن الجماعة العقلي والنفسي والإنساني، ويجعلنا ندعو عقلاء العالم كله للتعرف على طبيعة هذه الجماعة المجرمة وخطورتها على الإنسانية جمعاء”. انتهى كلام مختار جمعة.
وفي يوم الاثنين بتاريخ (16-3-2020) كتب الصحفي القريب من نظام السيسي، والخادم له على تويتر يقول: “كل ساعة تمر على مصر نكتشف فيها أن جماعة الإخوان المسلمين بكراهيتها وحقدها ووضاعتها وخيانتها فيروس أسوأ ألف مرة من فيروس كورونا”!
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد من الاستهتار والاستخفاف بعقول الناس؛ إذ يخرج الصحفي القريب من المخابرات العسكرية مصطفى بكري، ويقول في تغريدة له يوم السبت (21-3-2020) “بعد زيارة الصين وزيرة الصحة تسافر الي إيطاليا، المرض يتراجع في الصين، غدًا سيتحدث العالم عن هذا القائد العظيم عبدالفتاح السيسي والأيام بيننا، بارك الله فيه وفي جهده لإنقاذ البشرية ومتابعة أحوال الدول المنكوبة، إنه القائد الإنسان بمعني الكلمة، تحيا مصر ويحيا القائد الجسور”.
هل هذا كلام يُعقل، فبدلًا من أن ينصرف اهتمام السيسي وحكومته إلى الانشغال بمشاكل الناس المنكوبة ورعايتها، والسعي لحلها، يذهب لحل مشاكل الآخرين، تاركًا الأوضاع الصحية في مصر يندى لها الجبين، مع إهمال واضح للبحث العلمي، والعلماء!
حلول ممكنة للخروج من الأزمة
أظن أن استدعاء الإخوان في كل الأزمات التي تمر بها مصر؛ مزايدة رخيصة سواء اتفقنا مع الإخوان أو اختلفنا معهم، فالمسألة الآن تتعلق بشعب بأكمله ينهار من جرّاء الممارسات غير المسؤولة.
فهل من العقل والحكمة أن تُنفق أموال الشعب المصري في التبرع والدعم لدول أخرى أكثر تضررًا؛ ونحن في حاجة ماسة لكل هذه الأموال والمعدات الطبية، أم الأولى أن تتوحد كل الجهود الحكومية، والشعبية، لدعم المنظومة لصحية، ونجدة المتضررين، والفقراء، والمحتاجين؟!
وهل من الأولى أن يتم اعتقال العشرات في هذا الظرف العصيب، وعدم اتخاذ أي إجراء بشكل ملحوظ تجاه آلاف المعتقلين السياسيين، أو غيرهم لإنقاذهم من هذه الجائحة التي تطالهم، وتطال كل السجّانين في ظروف معيشية قاسية داخل السجون؟!
أعتقد أن المسارعة بالإفراج عن جميع المعتقلين سياسيًا هو واجب الوقت الآن، وخصوصًا أن من بينهم العشرات من الأطباء من ذوي الكفاءات العالية، منهم على سبيل المثال: الأستاذ الدكتور وليد مرسي السنوسي أستاذ الفيروسات الذي توصل في عام 2014 إلى علاج لفيروس سي، وكورونا (NL63)، هذا العالم معتقل في سجن طرة منذ يوليو 2018، ومعه الآلاف من الأطباء، والعلماء المصريين.
يا من لديه بعض المعاني الإنسانية، وفي قلبه ذرة من ضمير؛ الوباء يطال الجميع، بمن فيهم العسكريين، والأخبار تتوالى لنقل موت العديد من القيادات العسكرية، ألا تتعظون وتتحركون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أم أن الخلافات السياسية، والانتقام هو الذي يتحكم في العقول قبل القلوب؟!
أقول: وقفْ الظلم، ونشر العدل، والتمسك بالدين والقيم الإنسانية، وإخراج المظلومين من السجون، وإيقاف منظومة الفساد، والإهمال واللامبالاه، وإعطاء كل ذي حق حقه؛ ورفع التأميم عن النقابات المهنية، والجمعيات الخيرية، كل هذا وغيره كثير، هو المخرج من النكبة، وإيذانًا من الله برفع البلاء والكرب عن الجميع، فليس لها من دون الله كاشفة.
فالله تبارك تعالى يقول: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) (الإسراء: 4)، ويقول عز وجل: (وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا) (الحشر: 2)، ويقول أيضًا: (وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر) (المدثر: 31).
أتمنى السلامة للجميع، وأن يحفظ البلاد والعباد من كل سوء. اللهم بلّغت اللهم فاشهد.