د. كمال أصلان – الشرق القطرية
كظم الغيظ؛ هو احتمال الغيظ بالصبر عليه، وحبسه إذا كاد أن يخرج من كثرته، وضبطه بعدم إظهاره، مع القدرة على الإيقاع بالمسيء. قال اللهُ تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) (آل عمران: 133 – 134).
والشرع المطّهر قد أجاز لنا أن نعاقب بمثل ما عوقبنا به، لكنه مع ذلك بيَّن أن العفو، وكظم الغيظ أفضل، وأحسن: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (النحل:126). وعن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ما من جرعة أعظم أجرًا عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله).
ومن فوائد كظم الغيظ:
أولًا: نيل مغفرة الله وجنته: قال الله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) (آل عمران: 133 – 134).
ثانيًا: عظم الأجر به وتوفيره: فعن ابن عمر قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ما من جرعة أعظم أجرًا عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله).
ثالثًا: خضوع العدو وتعظيمه للذي يكظم غيظه: فعن ابن عباس، رضي الله عنهما، في قوله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (المؤمنون: 96)، قال: الصبر عند الغضب، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا عظّمهم عدوهم، وخضع لهم.
رابعًا: دلالة قهر الغضب به على الشدة النافعة: فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).
خامسًا: التغلب على الشيطان: عن أنس، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، مرَّ بقوم يصطرعون، فقال: (ما هذا؟ فقالوا: يا رسول الله، فلان الصريع، لا ينتدب له أحد إلا صرعه! فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ألا أدلكم على من هو أشد منه؟ رجل ظلمه رجل، فكظم غيظه فغلبه، وغلب شيطانه، وغلب شيطان صاحبه).
سادسًا: سبب في دفع الإساءة بالإحسان، والمكروه بالمعروف، والقهر باللطف: قال اللهُ تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت: 34 – 35).
ومن الوسائل المعينة على كظم الغيظ: معرفة الأجر المترتب على كظم الغيظ، وما ينتج عنه من فوائد، والتمسك بخلق الرحمة والشفقة مما يعين على كظم الغيظ، وإخماد نار الغضب، وأن يربي المؤمن نفسه على سعة الصدر؛ فإن سعة الصدر تحمل على الصبر في حال الغضب، والعفو عند المقدرة، وشرف نفس المرء واتصافه بعلو الهمة من الأسباب المؤدية إلى كظم الغيظ؛ فهو يترفع عن التلفظ بما ينزل نفسه، ويحط من قدرها، والحياء من التلبس بأخطاء المخطئ، ومقابلته فيما يفعل؛ قال بعض الحكماء: (احتمال السفيه خير من التحلي بصورته، والإغضاء عن الجاهل خير من مشاكلته).
وتعويد النفس، وتدريبها على خلق الصبر؛ فهو خير مُعين عند الغضب، وأن يقطع المرء الملاحاة، والجدل في مواقف الخصومة، وأن يمسك عن السباب والشتائم؛ فقد حكي أن رجلًا قال لضرار بن القعقاع: (والله لو قلت واحدة لسمعت عشرًا! فقال له ضرار: والله لو قلت عشرًا لم تسمع واحدة)، وأن يُقدم المرء مصلحة الاجتماع والألفة على الانتقام للنفس؛ فإن ذلك يحمله على كظم غيظه، والتنازل عن حقه؛ ولهذا أثنى النبي، صلى الله عليه وسلم، على الحسن، رضي الله عنه، بقوله: (ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)، وتذكير النفس بما في الانتقام من نفرة القلوب عن المتشفي، ومن نسبته إلى الخفة والطيش، وأشد من ذلك على الرؤساء إعمال الحيلة عليهم في طلب الخلاص منهم متى عرفوا بسرعة البطش، ومعالجة الانتقام.
فهيا نعوّد أنفسنا كظم الغيظ، والتحلي بالحلم عسى أن يملأ الله قلوبنا إيمانًا وحكمة، ويزيدنا يوم القيامة رفعة.