د. كمال اصلان – الشرق القطرية
يعتمد النهوض والازدهار للأمم والدول بشكل كبير على قدرة هذه الدول على تحقيق الاعتماد على الذات، سواء كان ذلك في المجالات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، أو الثقافية. ويجب أن تعتمد الدول التي تسعى للنهضة المستدامة على استراتيجيات، وسياسات تضمن استقرارها، وازدهارها بعيدًا عن التأثرات الخارجية، والاعتماد المفرط على دول أخرى، ومن هذه الاستراتيجيات:
1. تحقيق الاستقلال الاقتصادي؛ وهو أهم مظاهر الاعتماد على الذات، فعندما تعتمد الدول على نفسها في إنتاج السلع والخدمات الأساسية، يقل تعرضها للصدمات الخارجية التي قد تنجم عن الأزمات الاقتصادية العالمية، أو تقلبات السوق، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في الموارد الأساسية يقلل من الحاجة إلى استيرادها بأسعار مرتفعة من الخارج، مما يعزز الاقتصاد الوطني.
2. تعزيز الأمن القومي والسياسي؛ فعندما تعتمد الدول على نفسها، فإنها تعزز استقلالها السياسي والأمني، وهذا يمنحها قدرة على حماية سيادتها، وعدم الخضوع لضغوط خارجية قد تؤثر على سياساتها الوطنية، فالدول المستقلة سياسيًا واقتصاديًا يمكنها اتخاذ قرارات تتناسب مع مصلحة شعبها، وأولوياتها الوطنية دون النظر إلى رغبات دول أخرى. على سبيل المثال، إذا كانت دولة ما تعتمد على دولة أخرى في استيراد السلاح، فإنها قد تجد نفسها مجبرة على اتخاذ مواقف سياسية معينة لا تتماشى مع مصالحها من أجل الحفاظ على تلك العلاقات التجارية.
3. خلق فرص عمل وتعزيز الكفاءة المحلية؛ فعندما تتبنى الدول سياسة الاعتماد على الإنتاج المحلي، فإنها توفر فرص عمل لمواطنيها وتساهم في تقليل معدلات البطالة، على سبيل المثال، الدول التي تعتمد على نفسها في الصناعات الحيوية مثل الزراعة، والطاقة، والتكنولوجيا، تخلق فرصًا لتوظيف عمالة محلية في هذه القطاعات، مما يسهم في تحسين الاقتصاد الوطني، ومستويات المعيشة، علاوة على ذلك، فإن الاعتماد على الذات يحفز الأفراد على تطوير مهاراتهم وقدراتهم المهنية، ويصبح المواطنون أكثر إبداعًا وابتكارًا، حيث يتم تشجيعهم على إيجاد حلول للتحديات التي تواجهها البلاد من أجل تحقيق الاعتماد الكامل على الموارد المحلية.
4. تطوير البنية التحتية وتعزيز الابتكار؛ ولتحقيق ذلك، تحتاج الدول إلى الاستثمار في التعليم، والأبحاث، والصناعات الحيوية، تلك الاستثمارات تؤدي إلى تنمية رأس المال البشري، وتعزيز الابتكار، مما يسهم في تحقيق تقدم تقني واقتصادي، ومن ثمّ تتحرر من الحاجة إلى استيراد التكنولوجيا الأجنبية، ويساعد هذا التقدم في تعزيز تنافسية الدول على الساحة الدولية، وفتح أبواب جديدة للتعاون التجاري، والاقتصادي مع دول أخرى على أسس متكافئة.
5. الحفاظ على الهوية الثقافية؛ فعندما تكون الدول قادرة على تلبية احتياجاتها محليًا، فإنها تكون أقل عرضة للتأثر بالثقافات الأجنبية بشكل سلبي، هذا لا يعني الانغلاق، ولكن يمكن للدول أن تتبنى الانفتاح المدروس الذي يحافظ على قيمها وعاداتها الأصيلة، مع الاستفادة من التجارب الخارجية دون التأثر بشكل كامل.
6. مواجهة الأزمات بثقة واستقرار؛ في حالات الطوارئ والكوارث، تكون الدول المعتمدة على نفسها أكثر قدرة على الاستجابة السريعة والفعالة، فعندما تعتمد الدولة على قدراتها الذاتية في توفير الغذاء، والدواء، الطاقة، والموارد الحيوية الأخرى، يمكنها مواجهة الكوارث الطبيعية، أو الأزمات العالمية بثقة كبيرة، واستقرار أكبر.
7. تحسين سمعة الدولة وتعزيز علاقاتها الدولية؛ فالدول التي تعتمد على نفسها تصبح أكثر احترامًا، وتقديرًا في المجتمع الدولي، هذه الدول غالبًا ما تكون أكثر قدرة على تقديم العون لدول أخرى محتاجة، مما يعزز سمعتها على المستوى الدولي، ويزيد من قوتها الدبلوماسية.
وفي النهاية، يمكن القول إن الاعتماد على الذات يمثل ركيزة أساسية لنهضة الدول واستقرارها، ويعزز هذا المبدأ قدرة الدول على التصدي للتحديات العالمية، وتحقيق التنمية المستدامة، إلى جانب تحسين مستوى معيشة المواطنين، والحفاظ على الهوية الوطنية، فالدول التي تتبنى سياسات الاعتماد على الذات تصبح أكثر قوة واستقلالية، وأكثر قدرة على التأقلم مع التغيرات العالمية، كما أنها تسهم في بناء نظام عالمي أكثر توازنًا، واحترامًا للسيادة.