تحدثت في المقال السابق عن رصيد السيسي على مدار سبع سنوات من بيع الوهم للمصريين بالوعود المتكررة الكاذبة التي لا تلامس الواقع، بل تصل في كثير من الأحيان إلى إهدار مقدرات مصر، والخيانة العظمى بالتفريط في أهم مورد لحياة المصريين، وهو حصتها من نهر النيل؛ بتوقيعه على اتفاقية المبادئ في مارس/أذار 2015.
التفريط في تيران وصنافير
واستكمالًا لهذا الرصيد أقول إن السيسي سعى بكل قوة للتفريط في جزيرتي تيران وصنافير، على الرغم من إصدار المحكمة الإدارية العليا حكمها ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، وبأن جزيرتي تيران وصنافير مصريتان جغرافيًا وتاريخيًا، إلا أن الحكومة المصرية جاهدت في إثبات أحقية السعودية للجزيرتين، متجاوزة الحكم القضائي، وقامت بدفعها للبرلمان المشكوك في شرعيته الذي أقر اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، وساهم في تمرير الاتفاقية بعد إبطالها من المحكمة الإدارية العليا.
ومن ثمّ فإن التفريط في أرض الوطن لأي دولة أو جهة أجنبية هو عمل باطل يحظره الدستور، وجريمة يعاقب عليها القانون، ووصمة عار لن يغفرها التاريخ، خاصة بعد أن صدر حكم نهائي، وباتّ من المحكمة الإدارية العليا يقضى ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية.
التنازل عن حقوق مصر في المتوسط
وفي عام 2014 بدأ السيسي بتوقيع الاتفاقية الإطارية لترسيم الحدود البحرية المصرية مع كل من قبرص واليونان (برغم رفض الحكومة المصرية توقيعها منذ 2006)، وأسفر الترسيم عن تنازل مصر لمساحة تعادل ضعف مساحة دلتا النيل في مصر، كما صرح الدكتور نايل الشافعي المحاضر في معهد ماساتشوستس للتقنية وأحد المهتمين بقضايا الغاز، حيث أوضح أن حقول ليفياثان الإسرائيلي وإفروديت القبرصي يقعان ضمن المياه الاقتصادية المصرية الخالصة، وبتوقيع السيسي على الاتفاق مع قبرص يكون قد اعترف بالتنازل عن حقوق مصر في تلك الثروات، كما أسفر ذلك التنازل عن منح اليونان منطقة اقتصادية خالصة لجزيرة كاستلوريزو (المتنازع عليها مع تركيا)، فيتحقق بذلك تلامس حدود اليونان مع قبرص، ويؤدي هذا الإجراء لتلاصق الحدود البحرية لكل من إسرائيل وقبرص واليونان، بما يسمح بتمرير أنبوب للغاز الإسرائيلي، والقبرصي لأوروبا دون أن تدفع إسرائيل وقبرص أي رسوم لمصر.
تكبيل مصر بالديون
لقد أضحى شبح الإفلاس يلاحق البلاد، في ظل المخاوف المتصاعدة من عدم القدرة على سداد أقساط الديون والفوائد المترتبة عليها، بينما أقدم النظام على طباعة مئات المليارات من الجنيهات لتوفير السيولة المالية في حالة غير مسبوقة بهذا الحجم.
وقفز الدين المحلي، منذ وصول السيسي للحكم بنسبة 147 في المائة، حيث استدان من البنوك المحلية أكثر من ضعف ما استدانه خمسة رؤساء سابقين تعاقبوا على حكم مصر منذ أكثر من 60 عامًا.
ويُتوقع أن يصل الدين الخارجي بنهاية العام المالي الجاري 2020 إلى نحو 113 مليار دولار، في ظل برنامج الحكومة نحو جلب المزيد من القروض لسداد ديون مستحقة.
واقع حرية التعبير وحقوق الإنسان في عهد السيسي
اعتمد نظام السيسي سياسة تكميم الأفواه، وأعاد الإعلام إلى سابق عهده من الصوت الواحد الذي لا يطيق أن يسمع أي انتقاد أو صوت مخالف، مطلقًا حملات من التخوين والإقصاء لكل من يحاول لعب دور المعارضة السياسية في الداخل أو الخارج، مع منع كل أشكال المظاهرات للتعبير عن الرأي، سواء بتصريح أو بدون تصريح.
وفي مجال حقوق الإنسان حدثت، ولا تزال انتهاكات صارخة رصدتها منظمات حقوقية، مما يُكرس لدولة البطش والقتل خارج القانون، وعدم المساءلة أو المحاسبة، وأبرز هذه الانتهاكات هي قتل الرئيس محمد مرسي، بدم بارد، واعتماد سياسة تصفية الخصوم السياسيين في السجون، وتصعيد سياسة الاعتقال العشوائي، وجريمة الإخفاء القسري، والتعذيب في سلخانات الأمن الوطني، والسجون العسكرية وأقسام الشرطة، وتلفيق التهم جزافًا لكل الخصوم السياسيين، وقتل العديد من الشباب تحت زعم تبادل إطلاق النار، والقتل العمدي من قبل الشرطة، أو تحت التعذيب الممنهج لهؤلاء الشباب، بالإضافة لقتل المعتقلين بشكل شبه يومي بسبب الإهمال الطبي الممنهج، ومنع الزيارات والغذاء الصحي والدواء عنهم.
وهناك حالة من القمع غير المسبوق لحرية الإعلام في البلاد بحجب أكثر من خمسمائة موقع، واعتقال نحو مئة صحفي، وحسب الاتحاد الدولي للصحفيين، تقع مصر بالمرتبة 163 من 180 دولة في حرية الصحافة، وتقع بالمنطقة الداكنة على الخريطة العالمية، وضمن عشرين دولة بالقائمة السوداء التي تشير إلى سوء أوضاع الصحافة! ولعل ظروف وفاة الصحفي محمد منير خير دليل على ذلك.
فشل في التعامل مع أزمة كورونا
ذكرت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية أن “أزمة انتشار فيروس كورونا تعمّقت في مصر لأن الحكومة لم تمنح الأولوية للإنفاق على الخدمات الصحية، وإذا استمر تفشي الفيروس بنسق سريع فلن يطول الأمر حتى تنفجر الأزمة الصحية الحالية، وتتحول إلى أزمة سياسية، وأشار التقرير إلى أن سبب ذلك هو الوضع المزري لنظام الرعاية الصحي في مصر، حيث تعاني البلاد من نقص في عدد الأطباء والممرضين والأدوية والإمدادات الطبية والأسرَّة، مما يجعل نظام الرعاية الصحي عاجزًا عن التعامل مع وباء سريع الانتشار وفتّاك إلى حد كبير، وأن نحو 13% من إجمالي المصابين بفيروس كورونا في مصر هم من الأطباء والممرضين والمسعفين، وهي نفس النسبة المسجلة تقريبًا في كل من إيطاليا وإسبانيا.
ولعل تعامل رئيس وزراء حكومة السيسي مصطفى مدبولي في إلقاء التبعة والتقصير على الأطباء، هو خير دليل على المنظومة الفاشلة التي تسير عليها الحكومة في مواجهة هذا الفيروس الفتّاك.
كل هذه السياسات التي يمارسها السيسي في مصر ستقضي على البقية الباقية من مقدراتها، وسيزداد الناس فقرًا، وستتحمل الأجيال القادمة كل هذه الأعباء والديون، ومن ثمَّ وجب على كل المخلصين لمصر التحرك من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإلا سيندم الجميع يوم لا ينفع الندم.
مقولات السيسي والواقع الأليم
أختم ببعض الأقوال التي صدرت عن السيسي في مناسبات مختلفة، ليقارنها كل منصف، بواقع المصريين الآن: “الجيش أسد والأسد لا يأكل أولاده”، “مصر أم الدنيا وحتبقى أد الدنيا”، “أنتوا متعرفوش إنكم نور عنينا ولا إيه لا سحيح”، “أن يقف المصريون طوابير في الانتخابات 15 ساعة خير من أن يتدخل الجيش في السياسة فتتخلف مصر من 30 إلى 40 سنة”، “كلامي بيعدّي على فلاتر”، “أنا مش هحلف .. بس أقسم بالله”، “احنا عندنا انجازات كتييير بس مش هنقولها علشان الأشرار”، “في نصوص ومعتقدات خاطئة علي مر السنين احنا محتاجين ثورة دينية، مش معقول 1.6 مليار مسلم هيموتوا العالم كله عشان يعيشوا”، “انتو مين؟”، “الشعب يجوع عشان نبني البلد”، “صبح على مصر بجنيه”، “والله العظيم أنا لو ينفع أتباع… أتباع… علشان مصر”، “ما يصحش كده”، “أنا مش قادر أديك”، “أوعوا تكونوا فاكرين إني هسيبها لا والله لا والله”، “مفيش زيادة في أسعار السلع الأساسية”، “إن شاء الله مش هيحصل حاجة للدولار”، “أمي قالت لي ما تخدش حاجة بتاعت حد”، “قعدت خمس سنين أبحث للتأكد من صحة ديني”، “أنا عايز الفكة إزاي معرفش”، “بقى كل همنا شوية الرز وشوية السكر”، “قعدت عشر سنين ثلاجتي مفيهاش غير المية ومحدش سمع صوتي”، “لا خنا ولا هنخون لا قتلنا ولا هنقتل لا تآمرنا ولا هنتآمر”، “اللي يقدر على ربنا يقدر علينا”، “أنا عمري ما كذبت، حتى في السياسة”، “أنا صادق أوي وأمين أوي”، “مصر وقفت جنبك وطبطبت عليه ولا لأ”، “أي إجراء قاسٍ الهدف منه هو مصلحة الناس، وليس الهدف أن نضايق الناس أو ننكد عليهم”!
ومن ثمّ أدعو كل المؤيدين للسيسي أن يقارنوا أقواله بالواقع الذي يعيشونه، ويعيشه كل المصريين، ليعرفوا الحقيقة إن أرادوا، وسيكتشفون أن من يسير في هذا الطريق، ويدور في فلكه؛ لا يريد الخير لمصر وأهلها، بل همه الأكبر يدور بين محاربته لتيار سياسي معين، أو الحرص على مصالحه الخاصة، وخدمة أعداء الوطن.
القصة يا سادة ليست بالكلام المعسول المزين، ولكن بالفعل المفيد للموطن البسيط، وليست ببناء العمران فقط، بل ببناء الإنسان، وعدم قهره وإذلاله وظلمه. فقيام الدول برفع الظلم عن الناس، حتى يطمئنوا على أنفسهم، وحقوقهم، وممتلكاتهم، وذلك لن يستقيم إلا بالعدل.
كما قال ابن خلدون: الظلم مؤذن بخراب العمران، وهذا معناه كما ذكر أن: “جباة الأموال بغير حقها ظلمة، والمعتدون عليها ظلمة، والمنتهبون لها ظلمة، والمانعون لحقوق الناس ظلمة، وخصاب الأملاك على العموم ظلمة، ووبال ذلك كله عائد على الدولة بخراب العمران الذي هو مادتها لإذهابه الآمال من أهله، واعلم أن هذه هي الحكمة المقصودة للشارع في تحريم الظلم، وهو ما ينشأ عنه من فساد العمران وخرابه، وذلك مؤذن بانقطاع النوع البشري، وهي الحكمة العامة المراعية للشرع في جميع مقاصده الضرورية الخمسة من حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال”.