مرت سبع سنوات على الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الفتاح السيسي، وأطاح بآمال وطموحات الشعب المصري، بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011، التي شهد العالم كله بسلميتها وحضارتها وعظمتها.
مرت سبع سنوات على قتل الحلم الذي سعى إليه المصريون، بانتخاب أول رئيس مدني بإرادة شعبية خالصة، بسبب تواطؤ العسكر مع بعض القوى المدنية، مما أدى إلى إجهاض الحلم قبل اكتماله.
انقضت هذه الأعوام وهي حبلى، ولا تزال، بالعديد من المؤامرات على الشعب المصري الذي صبر كثيرًا، وأراد أن يخرج من عنق الزجاجة، ولكن جبروت وتآمر العسكر أرجعه للقاع مرة أخرى.
لقد مرت على السيسي ست سنوات في حكم مصر، منذ أن تسلم مقاليد الرئاسة في مصر رسميًا في 3 يونيو/حزيران 2014 شهدت جميعها تكرار الوعود منه ومن إعلامه، بتغيير يجعل مصر “أدّ الدنيا”، ويجعل شعبها في أحسن حال، فبعد أن كان عام 2015 هو عام الرخاء الموعود، تأخر الوعد إلى 2016 مع مطالبات بالصبر، ثم تأجّل إلى 2017، وبعده إلى 2018 ثمّ 2019، حتى جاء الوعد الأخير قبل شهور بأن تصبح مصر بنهاية يونيو/حزيران 2020 “حاجة تانية خالص”!.
كشف حساب السيسي
بدأت سلسلة الوعود الذي أطلقها السيسي منذ ترشحه للرئاسة للمرة الأولى، فلم يقدم خطة انتخابية، لكنه ظهر في لقاء تلفزيوني مع الإعلاميين إبراهيم عيسى ولميس الحديدي على قناة (CBC) المصرية، في 6 مايو/ أيار 2014، ليقول إن “المواطن سوف يشعر بتحسن خلال عامين، تحسن في الاقتصاد والتعليم والصحة في حياته عامة”.
و في 23 مايو/أيار 2015 أطلق السيسي وعدًا آخر قال فيه، إنه سيطلق شبكة طرق خلال عام تربط أنحاء البلاد، إلا أن هذه المشروعات ورغم تأخر تدشينها عن المدة التي أعلنها السيسي، إنهار بعضها بعد عام واحد من افتتاحها، مثل مشروع الطريق الدائري الإقليمي الذي افتتح في 9 سبتمبر/أيلول 2018، وبعد عام واحد في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2019، حدث هبوط أرضي كبير فيه، وتوقف العمل به بسبب أمطار دامت لمدة ساعة واحدة.
وجدد السيسي وعد العامين، في 19 سبتمبر /أيلول 2014، وأكد عليه مرة أخرى، بعد توليه منصب الرئاسة بشهرين، في كلمته بمناسبة عيد الفلاح، لكن يبدو أن مهلة العامين لم تبدأ مثلما توقع الجميع مع توليه مهام الرئاسة في شهر يوليو/تموز 2014، إذ استمر يجدد وعد العامين حتى بعد مرور قرابة الستة أشهر على توليه المنصب، ففي افتتاح مشروعي مطار الغردقة الدولي والميناء البحري ردد مرة أخرى وعد العامين، دون حساب المدة المقتطعة قائلاً: “أيها المصريون البسطاء! اطمئنوا يا مصريين؛ خلال عامين سترون النتائج”.
وعود متوالية ولا أمل في التغيير
و في 13 إبريل/نيسان 2016 وعد السيسي بأن أسعار السلع لن ترتفع، حتى ولو ارتفع سعر الدولار، ولم يكن هذا هو الوعد الأول الذي يخص الأسعار، فمنذ تولي السيسي الرئاسة يؤكد ويكرر ويعد أن السلع الأساسية لن تمس، رغم أن أسعارها ازدادت بنسب وصلت إلى 140٪ لبعض السلع.
وبعد عامين من وعده الأول إبان فترة ترشحه، وفي 28 ديسمبر/كانون الأول 2016، لم يحن موعد الوفاء بالوعد مثلما توقع مؤيدوه، إنما حان موعد وعد جديد بخطة زمنية جديدة. جاء الوعد الثاني خلال كلمة ألقاها السيسي في مؤتمر في مدينة الإسماعيلية، وكانت تلك المرة المهلة المحددة ستة أشهر، أي في منتصف شهر يناير/كانون الثاني من 2017 كان موعدنا مع “الأمور الأفضل كثيرًا” على حد قوله في تلك المرة.
وبعد انقضاء الستة أشهر، جدد السيسي في 24 يوليو/تموز 2018، الطلب للمصريين بالصبر، قائلاً: “اصبروا وسترون العجب العجاب في مصر”، لكنه هذه المرة لم يحدد نوع العجب ولا مدة تحقيقه.
وفي 1 يناير/كانون الثاني 2019، بدأ السيسي العام الجديد بالدعوة لمبادرة “حياة كريمة”، التي تنضم لقطار الوعود بتوفير حياة كريمة للمواطن، وبرغم مرور أكثر من نصف عام إلا أنه – كالعادة- لم تتحقق بعد أية نتائج ظاهرة لتلك المبادرة في توفير حياة كريمة.
إهدار حقوق مصر المائية في نهر النيل
لم تجن مصر خلال السنوات السبع العجاف سوى الاستمرار في مفاوضات عبثية، حيث أضاع السيسي حقوق مصر في مياه النيل بالتوقيع على اتفاق الخرطوم- في استئناف المفاوضات حول سد النهضة الإثيوبي في 2015، رغم تأكيد المتحدث أن الدعوة تأتي في ذات اليوم الذي أعادت فيه السلطات الإثيوبية تأكيد اعتزامها السير قدمًا في ملء خزان سد النهضة دون التوصل إلى اتفاق، وهو الأمر الذي يتنافى مع التزامات إثيوبيا القانونية الواردة بإعلان المبادئ، ويلقي بالضرورة بظلاله على المسار التفاوضي.
ومن أعظم المشاهد العبثية الكوميدية في هذا السياق، كان مشهد السيسي الهُمام وهو يُملي القسَم على آبي أحمد رئيس وزراء أثيوبيا بألّا يضر مصر، ويقسم على ذلك ثلاث مرات!
وإذا كانت مصر، على حد تعبير الدكتور عبد الله الأشعل، أفرطت في حسن الظن بأثيوبيا، وتجاهلت النذر وظلت حتى الآن تتصور أن المجاهرة بحسن النية يحرج إثيوبيا دوليًا، فهي سذاجة سياسية.
ومع فشل جميع جولات التفاوض خلال السنوات الماضية، تقول إثيوبيا إنها ماضية بخطتها لملء سد النهضة بحلول يوليو/تموز المقبل، معتبرة أنه “لا حاجة لإخطار السودان ومصر بذلك”، وفي المقابل نجد فشلًا ذريعًا من الدبلوماسية المصرية في التعامل مع الملف، والوصول إلى طريق مسدود، مما يؤدي لا محالة لتعطيش المصريين، وتبوير الأراضي الزراعية.
مصير الفشل في ملف سد النهضة
تشير كل التقارير أن النتيجة ستكون وخيمة على مصر، من ذلك بوار وتصحّر قرابة مليوني فدان، أي نحو 18% من مساحة مصر الزراعية وهو ما يعني فقدان 6%، من إجمالي القوى العاملة وارتفاع معدلات البطالة بنسبة 17% إضافية من 11% حاليًا.
أما إذا انخفضت المدة إلى سبع سنوات فسيزيد العجز المائي في مصر بمعدل 12 مليار متر مكعب سنويًا، أي نحو 22% من إجمالي موازنة مصر الإجمالية السنوية من المياه، وبالتالي فقدان نحو 3 ملايين فدان، أي نحو 30% من المساحة الزراعية لمصر.
وسيؤدي ذلك إلى فقدان 9% من إجمالي القوى العاملة كحد أدنى، وارتفاع معدلات البطالة بنسبة 20% إضافية، وسيتسبب ذلك في مضاعفات اقتصادية واجتماعية خطيرة.
لكن السيناريو الأخطر بالنسبة لمصر هو ملء السد خلال ثلاث سنوات، إذ ستكون هناك عواقب وخيمة لملء السد خلال هذه المدة القصيرة، إذ ستفقد مصر نحو 27 مليار متر مكعب من المياه، أي نحو 50% من إجمالي موازنتها المائية السنوية، وستفقد تبعًا لذلك نحو 6.75 ملايين فدان، أي 67% من مساحتها الزراعية تقريبًا.
وسيتسبب ذلك في فقدان 21% من إجمالي القوى العاملة على أقل تقدير، وارتفاع معدلات البطالة في البلاد بنسبة 34% كحد أدنى، وستكون من تبعات ذلك مخاطر اجتماعية واقتصادية خطيرة مثل ارتفاع معدلات الجريمة، وزيادة احتمالات النزوح والهجرة غير النظامية.
وللحديث بقية إن كنا من أهل البرية