في مثل هذه الأيام في 14 أغسطس من عام 2013 يمُر على فض اعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة ثلاثة أعوام، لتؤكد على الجريمة التي ارتكبها وزير الدفاع وقتئذ، عبد الفتاح السيسي ومن معه، عقب الانقلاب العسكري الذي أطاح بأول رئيس مدني منتخب، ولتُعلن عن بداية فصل من الظلم والبطش النظامي الذي لم يتوقف على مدار ثلاثة أعوام.
ففي هذه المجزرة صبّ فيها الجيش المصري النار على آلاف المعتصمين في ميدان رابعة العدوية، من النساء والأطفال والشيوخ، فأثخن قتلاً وحرقًا وعاث فسادًا ودمارًا حتى ضج الميدان واختلط الأموات بالأحياء، وحُرّقت الجثث وتطايرت الأشلاء وضاعت الهويات، وغصّت المستشفيات والمشارح.
وقد وصفتها منظمة هيومن رايتس ووتش بأنها “إحدى أكبر وقائع القتل الجماعي لمتظاهرين سلميين في يوم واحد في تاريخ العالم الحديث”.
لقد كشفت رابعة كل المتآمرين على الدولة المصرية، من الداخل والخارج، كشفت مُدَّعي الوطنية والثورية أصحاب الوجوه المتلونة، وعرّتهم من الزيف الذي عاشوا فيه لفترة طويلة، وكشفت حجم المؤمرات التي تُحاك لمصر من الخارج باستخدام عناصر من الداخل، كشفت رابعة الوجه القبيح للقوات المسلحة والشرطة، الذين تعاملوا بوحشية مع جزء أصيل من الشعب المصري أراد أن يحافظ على حقه وكرامته، كل ذلك من أجل السيطرة على الحكم، والاستيلاء عليه، لقد كشفت رابعة الضمير العالمي الذي ابتعد كل البعد عن الإنسانية، واعتبروا أن الذين ماتوا أو أُصيبوا فيها ليسوا من جنس البشر، لقد عرّت رابعة النظام الدولي الذي أثبت أنه يعمل بوجهين، ولا يعمل إلا لمصالحه، ولا يعرف معنى للديمقراطية إلا في داخله.
ومع كل الآلام التي مرّت ولا زالت؛ إلا أن رابعة باتت تمثل العزة والكرامة للشعوب التي تريد أن تتحرر من القهر والاستعباد، تحت سلطة العسكر الذي اغتصب السلطة، ومحى كل الاستحقاقات التي خرج من أجلها الشعب المصري لكي يعبّر عن إرادته، ومن جانب آخر تمثل رابعة أبشع جريمة يرتكبها الجيش المصري في التاريخ الحديث، ولم يحدث هذا القتل والحرق والتدمير مع العدو الرئيس للأمة، وهم الصهاينة، بل كان ذلك خدمة لهم لتمرير مشروعهم في المنطقة.
إن رابعة تعنى الثبات والصمود ثبات أهل الحق على حقهم وصمودهم أمام الظلم والطغيان، هذا الثبات ليس أمرًا هينًا ولا سهلاً، فلا يصحو الإنسان من نومه يجد نفسه ثابتًا صامدًا، بل هي مِنّة من الله عز وجل يمنها على من يشاء من عباده، فضل يؤتيه الله من يشاء من خلقه. وهذا الثبات تجلى في أبهى صوره في صور التضحيات التي ضحى بها أهل رابعة بأنفسهم.
فتحية إلى الشهداء الذين قضوا نحبهم، بسبب تآمر العسكر ومن ساعده ووقف معه وفوضه، تحية إلى الذين باعوا أنفسهم لله وفى سبيل الله لينعموا بالحياة الكريمة عند ربهم أمثال: أسماء البلتاجي، وعمّار بديع، وحبيبة أحمد عبد العزيز، وكل صادق وصادقة استشهدوا في رابعة، تحية إليهم جميعًا فلم يولوا الأدبار، وما هربوا ورأوا الموت يقترب منهم فما وهنوا وما استكانوا بل قدّموا أرواحهم ثمنًا للجنة وريحها.
لقد كتب هؤلاء الشهداء بدمائهم تاريخ مصر من جديد، كتبوا ملحمة جديدة من ملاحم الثبات والصمود قد لا تتكرر على مدار سنين قادمة.
وتحية إلى الآباء والأمهات الذين ربّوا هؤلاء الشهداء على التضحية بالنفس مهما كانت الظروف والملابسات ربّوا أبنائهم ألا يخافوا ولا يحزنوا.
هؤلاء الآباء والأمهات هم أيقونة الثورة الجديدة إن شاء الله، لأنهم لم يهنوا ولم يستكينوا حين رأوا فلذات أكبادهم يقتلون ولا يستطيعون حتى أن يُقرّوا أعينهم برؤيتهم، وإلقاء النظرة الأخيرة عليهم بل ولا يستطيعون حتى الصلاة عليهم.
إن رابعة وأخواتها أثبتت للعالم أن الثبات على المواقف والتضحية من أجله، لا ينالها إلا الصادقون الذين يقدمون مصلحة الوطن على مصالحهم الشخصية. فلتكن رابعة أيقونة الحرية والكرامة والتغيير في العالم.
وسوف تكون رابعة وأخواتها، عار على كل المجرمين الذين استحلوا دماء المصريين، وسلبوا حقوقهم، وستطاردهم لعناتها في كل مكان سواء في الدنيا، أو في الآخرة عند العزيز الجبّار.