د. جمال نصار – عربي21
بدعوة كريمة من اللجنة المنظمة للمؤتمر التأسيسي لمنتدى الأكاديميين الدولي لقضايا بيت المقدس؛ شَرُفت بحضور بعض فعاليات تدشين هذا المنتدى المهم، يومي الأربعاء والخميس في الفترة من (31 أغسطس/ آب إلى 1 سبتمبر/ أيلول 2022)، والذي جاء في وقته، بمشاركة العديد من المؤسسات والاتحادات العلمائية، والهيئات الخيرية من بلدان مختلفة، وبعض الشخصيات المقدسية التي تدافع عن المسجد الأقصى الشريف، وتواجه العدو الصهيوني بشكل مباشر.
وتميز المنتدى ببرنامجه المتنوع بين المحاضرات، وورش العمل، وطرح الأفكار والرؤى الجديدة التي تخدم مشروع الأمة فلسطين والقدس والمسجد الأقصى.
وفكرة تأسيس المنتدى، حسب المدير التنفيذي السيد عادل عيساوي، جاءت للمساهمة في صناعة حراك أكاديمي معرفي مستديم لصالح القضية، وإشاعة روح التعاون والتنسيق بين كل مكوناته العلمية والفكرية والمؤسساتية لأجل تعزيز مكانة القدس ونصرة المقدسيين، والدفاع عن قضيتهم العادلة في المنابر الأكاديمية المحلية، والإقليمية، والدولية.
طرح مهم يحتاج إلى تطبيق
من اللافت في محاضرات المؤتمر، محاضرة الدكتور سامي العريان، مدير مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية بجامعة إسطنبول صباح الدين زعيم بعنوان: “حضور القضية الفلسطينية في المجتمع الأكاديمي الغربي”، وذلك لأننا في غالب الأحيان نتحدث مع أنفسنا، ونخاطب ذواتنا، ونكرر أنفسنا أحيانًا، وهذه هي المشكلة الكبرى التي تعاني منها مثل هذه التجمعات التي لا تقوم على استراتيجية واضحة في غالب الأحيان.
ومن ثمّ كان طرح الدكتور العريان في الطريق الصحيح لبناء قاعدة معرفية صحيحة عن القضية الفلسطينية لدى الغرب، وهذا ما نحتاجه في هذه المرحلة، مع عدم التقليل من كل الجهود التي تبذل لتحرير كل فلسطين من المحتل في الداخل، بكل الوسائل المختلفة، وما يقوم به العديد من المراكز والهيئات والمؤسسات العاملة في الخارج.
وتقوم فكرتها الأساسية على بناء رؤية لتفكيك المشروع الصهيوني في فلسطين، فكل المحاولات التي تقوم بها الصهيونية العالمية بمساعدة الغرب، وكل الممارسات التي تقع على أرض فلسطين، لا بد من وضع استراتيجية طويلة الأمد لتفكيكها، ومنها:
أولًا: العودة الكاملة لحقوق الشعب الفلسطيني في داخل الأرض المحتلة وخارجها، وأن هذا الصراع أكبر من قدرة الشعب الفلسطيني على حسمه بإمكانياته وقدراته المحدودة، مع أهميتها، فلولا صمود الشعب الفلسطيني ونضاله وجهاده لأكثر من مئة عام، واستعصائه على الاستئصال، أو الاستسلام لانتهى هذا الصراع منذ زمن.
ثانيًا: مع تعظيم دور الداخل في المقاومة المباشرة الشاملة بكل أشكالها المتاحة، يتعاظم أيضًا دور فلسطيني الخارج، والذين يمثلون أكثر من نصف الشعب الفلسطيني، وتكون مهمته قائمة على أمرين: الأول: دعم صمود الشعب الفلسطيني في الداخل، وفي أماكن تواجده في الشتات، خصوصًا في دول الطوق، ومساندته للحصول على حقوقه الكاملة. المهمة الثانية: في الاشتباك مع الحركة الصهيونية العالمية على كافة المستويات، وإضعاف قوتها، وكشف زيفها.
ثالثًا: أن تكون المهمة الاستراتيجية للمشروع الوطني الفلسطيني هي تحديد العوامل والمحددات التي يقوم عليها الكيان الصهيوني، والعمل على تقويضها، وإضعافها، وإنهائها بكافة السبل والوسائل، وهذا يستدعي وجود حركة تضامن عالمية يدخل في دائرتها دول وحكومات، ومؤسسات، وحركات، وأحزاب، وشخصيات، والفعل الشعبي والجماهيري المباشر. وتعمل من خلال خطط استراتيجية ومنظومات متكاملة، وعمل دؤوب.
رابعًا: التأكيد على الدور الكبير للشعوب العربية والإسلامية، وغيرها، وليس النخب فقط، في مواجهة المشروع الصهيوني، والاشتباك معه، لإضعافه وحصاره في كافة المجالات، وتكون المقاومة ضد المشروع الصهيوني، والنضال ضد توسعه، وتمدده، وعنصريته، العنوان الأكبر لحركات التحرر العالمي ضد العدوان، والاستغلال، والعنصرية، والاستكبار الذي يمارسه هذا الكيان في كل مكان.
خامسًا: عندما تصبح القضية الفلسطينية هي مركز الصراع ضد الظلم والاحتلال، والقمع والعنصرية سيصبح إنهاء الصراع عالمي الوجهة إنساني المآل، يتجاوز الصراعات الأخرى، ويفرغها من سلبياتها، وستصبح القضية الفلسطينية، هي الميزان والبوصلة، ليس لأن شعبها مظلوم فحسب، ويعاني، فهناك شعوب كثيرة تعاني أيضًا، ولكن لطبيعة الصراع والعدو الذي يستهدف الجغرافيا والتاريخ والمستقبل.
سادسًا: مشروع التحرر الفلسطيني بعد أن تكتمل خطته الاستراتيجية، وتُبنى مؤسساته، وتُفعّل خطته العملية، والتي كثير منها قائم بالفعل، ولكنها بحاجة إلى تفعيل أكثر وتشبيك أوسع، سيمثل جوهر الفعل والحركة ضد الكيان الصهيوني، وامتداداته وأدواته الإقليمية والعالمية لدعم صمود الشعب الفلسطيني. ومن ثم ستأتي اللحظة التاريخية التي يحدث فيها التغيير الاستراتيجي الذي تتغير فيه موازين القوى، ويتفكك الكيان، ويضعف بعد انهيار عوامل بقائه ومحددات استمراره.
التركيز على الجهد الأكاديمي له مبرراته.. وجهة نظر
في كثيرٍ من الأحيان يتم التعامل والتفاعل مع القضية الفلسطينية بشكل عاطفي، وهذا مطلوب، ولا يجب أن ينفك عن كل المهتمين والفاعلين للقضية، لأنها في الأساس قضية عقدية مرتبطة بإيمان الأشخاص، وليست قضية عادلة، فحسب، وخصوصًا أن كل المبررات التي يسوقها العدو الصهيوني التاريخية والجغرافية متهافتة، ويوجد الردود عليها بشكل وثائقي معروف. ولكنهم في الغالب يعتمدون على جهل الشعوب من جانب، وتغييبهم من خلال أنظمة مستبدة من جانب آخر.
بالإضافة إلى ذلك يجب إعطاء الجانب المعرفي والأكاديمي حقه المطلوب لمواجهة العنجهية الصهيونية العالمية، وإبراز زيفها، والرد عليها بشكل علمي ومنهجي، يدحض كل الافتراءات التي يروّج لها الكيان الصهيوني في أحقيته بالأرض.
وهذا في الحقيقة يتطلب جهود متراكمة ومتراصّة ومتشابكة بين كل الجهات العاملة في هذا الحقل، مع توفير كافة الإمكانيات اللازمة للوصول إلى الاستراتيجية المأمولة، والتي تساهم في نشر الفكرة في الأوساط الأكاديمية الغربية.
أعلم أن الأمر ليس سهلًا والتحديات كبيرة في الداخل والخارج، وأعلم أيضًا أن الكيان لديه الدعم الكبير من دول ومنظمات غربية قوية، وللأسف دعم من بعض الدول العربية والإسلامية، وهذا ربما يُصعّب المسألة بشكل كبير، ولكن مع الإيمان بحق الفلسطينيين في أرضهم، والسعي بكل الوسائل لانتزاع هذا الحق ستكون هناك نتائج مبهرة. فما ضاع حق وراءه مطالب.
وأولى هذه الآليات والجهود هو حصر المؤسسات والمراكز والجامعات المهتمة بالشأن الفلسطيني في الغرب، والعمل على تصنيفها من حيث قربها أو بعدها من الصهيونية العالمية، لوضع استراتيجية مناسبة في التعامل معها. ثانيًا: وهذا أمر في غاية الأهمية، وهو التشبيك مع كل الكيانات والمؤسسات العلمية الداعمة للقضية الفلسطينية، والسعي لوضع رؤية استراتيجية موحدة يتفق عليها الجميع، مع التنسيق فيما بينهم لتفعيلها على أرض الواقع، حتى لا يكون هناك تكرار للجهود أو إهدارها، مع الاستفادة من الأعمال والمنتجات العلمية السابقة والتي تتميز بالرصانة والتأثير.
والخلاصة: أنه يجب على العاملين للقضية الفلسطينية على كافة المستويات النظر في المحددات التي وضعها الكيان الصهيوني لبقائه، والتعامل معها وفقًا لذلك من خلال إعادة تنشيط النضال بكل أشكاله، وجعله خيارًا استراتيجيًا. هذا بطبيعة الحال سيجبر الكيان الصهيوني لتقديم تنازلات هائلة عبر إلغاء، أو الحد من أيدولوجيته العنصرية المتأصلة.
أقول: إن التحولات في موازين القوى في العالم لا تتحقق إلا برؤية استراتيجية، وإرادة صلبة، وعمل دؤوب، وذلك من خلال إنشاء حركة تضامن عالمية من كافة الجنسيات التي تتبنى حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وذلك لإنهاء نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، ومن ثمّ عزل دولة (إسرائيل)، وإجبارها على التفكك والانهيار.
ولا بد أن تكون هذه الرؤية مستدامة، ويتحقق فيها عمق المؤثر الاستراتيجي، مع ارتفاع منسوب الإبهار الذي يكون له التأثير الفاعل على المستوى العالمي، وهذا بطبيعة الحال يحتاج إلى قيادة واعية تؤمن بهذه الاستراتيجية، وتسعى لتحقيقها بكل الوسائل الممكنة، مع الإبداع في التنفيذ، وبذل الجهد في التقارب بين كل المكونات والحركات والمنظمات التي تصب في خدمة المشروع الوطني الفلسطيني.