تمر جماعة “الإخوان المسلمين” في مصر بأزمة حقيقة تتجاوز حدود الخلافات والانقسامات التنظيمية التي تحدث داخل أي تنظيم أو حزب، والتي وصلت إلى مستوى غير مسبوق وأصبحت مثار حديث الكثير من وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة. هذه الأزمة – في تقديري- ليست لها مناسبة، لا في التوقيت ولا في الظروف التي تمر بها الأمة، فالمرحلة التي تعيشها الأمة الآن بكل تحدياتها ومشاكلها تحتاج إلى جهود المخلصين للقيام بالدور المنوط بهم، لإنقاذ الأمة والذود عنها. وأحسب أن هذه الأزمة لم تتوقف عند حدود مصر بل تكاد تكون قاسمًا مشتركًا بين عدد من التنظيمات الفرعية للإخوان المسلمين، في العديد من البلدان، كما هو الحال في الأردن ولبنان والجزائر. وفي الوقت نفسه نجد أن الجماعة، ولأول مرة، أصبحت تحت ضغط إقليمي ودولي كبيرين يسعيان لإعلانها جماعة إرهابية وإلحاقها بغيرها من الجماعات المتطرفة.
ودون الدخول في تفاصيل هذه الأزمة أود التركيز على البيان الذي أصدره فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي بهذا الخصوص، حيث تناول في بيانه نقاطا جامعة غاية في الأهمية تحتاج من كل الأطراف الوقوف عندها والسعي لرأب الصدع ولمّ الصف، والبعد كل البعد عن التشتت، وتفتيت الجماعة.
يقول القرضاوي: في ضوء ما اتضح لي بعد هذه اللقاءات والمداولات، والوقوف على وجهات النظر المختلفة، ورؤية كل فريق للخروج من الأزمة، وتحقيقًا لمصلحة الدعوة ومستقبل الجماعة، فإنني أدعو قادة الجماعة وأبناءها إلى ما يلي:
أولاً: التمسك بوحدة الصف، واجتماع الكلمة، والعمل من أجل تحقيق أهداف الجماعة وتعزيز أدائها، ورأب الصدع الواقع بين أبنائها، بما يمكّنها من مواجهة التحديات الكبيرة التي تشهدها مصر والمنطقة من حولها.
ثانيًا: المحافظة على مؤسسات الجماعة، في ضوء تطوير لوائحها، واستكمال مكوناتها، وحسن استثمار طاقات أبنائها وإمكاناتهم، مع التأكيد على مزيد من العناية والاهتمام بمشاركة الشباب والمرأة.
ثالثًا: الالتزام بالمسار الثوري السلمي المقرر والمعتمد من قبل مؤسسات الجماعة وقيادتها، وعلى رأسها فضيلة المرشد ومجلس الشورى العام، متعاونين مع شركائنا من القوى المصرية المخلصة.
رابعًا: الإعداد لانتخابات شاملة لمؤسسات الجماعة في الداخل والخارج، وإجراؤها بأسرع وقت ممكن، وفق لائحة تنظيمية يجري التوافق عليها في مؤسسات الجماعة؛ لتعزيز ثقة الجماعة والتفافها حول قيادتها، وتطوير رؤيتها، وتفعيل أدائها.
خامسًا: وخلال هذه الفترة، وإلى حين إجراء الانتخابات، فإني أدعو جميع أبنائي وإخواني من قيادات الجماعة إلى العمل والتعاون فيما بينهم في إطار المؤسسات القائمة للجماعة، والصبر على بعضهم البعض، وإلى التوقف عن التراشق الإعلامي، وعدم إصدار بيانات وقرارات من شأنها تأجيج المشاعر وتعميق الانقسام، وأن يكونوا على قدر المسؤولية في نصرة إخوانهم، ومدافعة عدوهم.
وذكر فضيلته أنه عرض هذه الرؤية على عدد من أهل العلم، وقادة الفكر، فاستحسنوها. انتهى كلام القرضاوي
أقول إن لم يأخذ المعنيين داخل الجماعة بهذه النصائح، أتصور أن الأزمة ستزداد ويكون لها انعكاسات كبيرة على مستقبل التيار الإسلامي بشكل عام وعلى مصر بشكل خاص. وإذا كانت هذه الأزمة التي تمر بها الجماعة في مصر كاشفة لحجم المشاكل والتكلس التنظيمي الذي أصاب الحركة طيلة العقدين الماضيين، فإنها أيضًا تعد دليلاً واضحًا على حاجة الجماعة للتجديد في خطابها ومقولاتها واستراتيجيتها، وطريقة تعاطيها مع الواقع المعقّد الذي تعيش فيه الآن. فالجماعة تخوض معركتين في الوقت نفسه: معركة البقاء في ظل حملة قمع ممنهجة تستهدف استئصالها، ومعركة التجديد والتغيير. فقد ولّت الأيام الخوالي التي كانت تتمتع فيه الجماعة بحرية واسعة من الحركة والنشاط والديمومة التنظيمية وباتت على مفترق طرق حقيقي يتطلب تغييرات جذرية في الفكر والتنظيم والقيادة والاستراتيجية.
ولا تعدو الأزمة التنظيمية الراهنة سوى أن تكون عرضًا لمرض أكبر أصاب المشروع الإخواني، والذي بدا واضحًا بعد أن وصل الإخوان المسلمون للسلطة في مصر، فضلاً عن فشلهم في إدارة أزمة انقلاب الثالث من يوليو وحتى الآن. ويظهر للعيان أن الانقلاب نجح في تحويل الإخوان من “حركة إصلاحية تقود الأمة” إلى جماعة “تنفيس عن الغضب” وتسعى للانتقام السياسي من دون رؤية أو استراتيجية واضحة.
ومن ثمَّ لابد من مراعاة بعض الأمور للعودة إلى توحيد الصف الوطني لمواجهة غطرسة النظام القائم منها:
أولاً: الوعي بأن الشخصية المصرية بحاجة إلى إعادة نظر في تكوينها لكي تكون مؤهلة للفصل في سلوكها بين الاعتبارات الإنسانية والخلافات الأيديولوجية والسياسية، فالمسألة تحتاج إلى جهد كبير من كل المخلصين للوطن.
ثانيًا: على تيار الإسلام السياسي وفي القلب منه الإخوان تطوير نفسه فكريًا وتنظيميًا، حتى لا يؤثر سلبًا على أدائه وعلاقاته ويهدد وجوده حاضرًا، ويلقى بظلال من الشك في وجوده مستقبلاً.
ثالثًا: إن ما يحرك الشعب المصري المطالب المعيشية الآنية، ولا يعنيه بدرجة كبيرة المطالب المتعلقة بالتغيير السياسي والانتقال الديمقراطي، وهو ما ينبغي على الطبقة السياسية أخذه بعين الاعتبار على مستوى الخطاب والأداء.
رابعًا: بناء الدولة على أسس ديمقراطية وتقوية مؤسساتها الحكومية والأهلية ينبغي أن يكون أولوية على ما عداه من خيارات أخرى تشتت الجهود، وتدفع إلى التناحر السياسي.
خامسًا: الوعي بأن الدور الإقليمي لم يعد ثانويًا في الداخل المصري، بل أصبح فاعلاً ومؤثرًا، وقد أصبح له رجاله ومؤسساته المتحمسة له والمدافعة عنه نظرًا لارتباط المصالح الوثيق بينهما.