د. كمال أصلان – الشرق القطرية
شُرعت الأعياد لكي يفرح الناس ويبتهجون، وللأعياد عند المسلمين بهجة خاصة، حيث تأتي بعد طاعة وعبادة؛ فعيد الفطر يأتي بعد صوم رمضان، وعيد الأضحى يأتي بعد فريضة الحج. وهكذا تقترن الأعياد بركنين عظيمين من أركان الإسلام، وهذا يعني أن الفرائض التي فرضها الله علينا تؤسس لمقصد شرعي عظيم يقضي بإحداث تحول في حياتنا، وعليه يكون الابتهاج والفرح.
وقد عرف المسلمون الأوائل الأعياد بكل ما هو مشروع في إدخال السرور على الجميع، بداية من الأسرة، وانتهاءً بالمجتمع، حتى تسري في ربوعه الترفيه، والفرح المبهجين طبقًا لما جاء به النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، دون إفراط ولا تفريط، في أجواء يحفُّها التلاقي والتآزر الاجتماعي، وكان رائد المسلمين في هذ السلوك البهيج هو ما علمنا إياه الرسول، صلى الله عليه وسلم، الذي أرشد أمته إلى طرائق البهجة والسرور، وكان يحرص على أن يكون هو، ومن حوله أشدَّ الناس فرحًا بالأعياد.
فالعيد إذن عبادة ونُسُك، ومظهر من مظاهر الفرح التي أكرمنا الله بها، وفرصة عظيمة لصفاء النفوس، وإدخال السرور على الأهل، والأولاد، والأصحاب، وهو لا يعني، بطبيعة الحال، الانفلات من التكاليف، والتحلل من الأخلاق والآداب، بل لا بد فيه من الانضباط بالضوابط، والآداب التي شرعها لنا الإسلام.
ومن مظاهر العيد صلة الأرحام التي يجب أن تكون في العيد وغيره، لكنها في العيد ألزم؛ لأن النبي، صلى الله عليه وسلم حثّ على صلة الأرحام في هذه الأيام العظيمة خاصة العيدين لما فيهما من إدخال السرور على الأقارب، وذوي الأرحام، ولما لصلة الرحم من أثر عظيم على الإنسان، لأنها من علامات الإيمان، كما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخـر فليـكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا، أو ليصمت)، كذلك صلة الأرحام تُوسّع في الرزق، وتزيد في العمر، لقول النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره ، فليصل رحمه).
كل هذه المظاهر مهمة في أعيادنا، وتميّز المسلمين عن غيرهم. ومما يزيد المسلمين سعادة حينما يشعرون بأن الأعياد تأتي، وقد تخلصت الأوطان من الفساد والمحسوبية، والاستبداد السياسي، ونهضت أمتنا من كبوتها، وتحررت فلسطين المباركة أرضُ الرباط، من دنس اليهود الصهاينة.
عيدنا الأكبر؛ عندما يفرح المظلومون في كل مكان برفع الظلم عن كاهلهم، ورد الحقوق إلى أصحابها، عيدنا الحقيقي حينما تفيق الأنظمة في عالمنا العربي والإسلامي لحقيقة ما يحاك لأمتنا، ويسعون بكل السبل لتحريرها من كل مغتصب.
عيدنا الأكبر؛ حينما تتحرر أوطاننا تحررًا حقيقيًّا من كل سلطانٍ أجنبي ظاهر، أو خفي، تحت أي مسمى، وأي عنوان وأي لافتة، وحين تكون كلمةُ الأمة بيدها، وقراراتها نابعة من إرادتها، ومحققة لمصالحها، وحين تتخلص من معاهدات الذل، والعار التي قيدتها ومزقتها.
عيدنا الحقيقي؛ حينما تتوقف الدماء في غزة، وتتوحد الأمة لنصرة قضاياها، وتحقيق الوحدة الشاملة التي تجمع شتاتها، وتلم شعثها، وهذا ما أكد عليه النبي، صلى الله عليه وسلم، يوم الحج الأكبر، حيث قال: (فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا).
عيدنا الأكبر؛ حينما تحرر أنفسنا من الاستعباد لغير الله، والسعي التمكين لديننا، والنصر على الأعداء الذين سلبوا مقدراتنا، ونهبوا ثرواتنا. يومها يحق لنا أن نفرح الفرح الكبير، الذي تنشرح له الصدور، هذا هو عيدنا الأكبر.
(قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس: 58)
وكل عام وأنتم بخير، وتقبل الله طاعتكم.