د. كمال أصلان – الشرق القطرية
الرفق هو التلطف في الأمور، والبعد عن العنف والشدة والغلظة، وهو لين الجانب في أخذ الأمر بأحسن الوجوه وأيسرها. وهو رأس الحكمة، ودليل كمال العقل، وقوّة الشخصية، والقدرة القادرة على ضبط التصرّفات والإرادات واعتدال النظر، ومظهر عجيب من مظاهر الرشد، بل هو ثمرة كبرى من ثمار التدين الصحيح.
فيه سلامة العرض، وصفاء الصدر، وراحة البدن، واستجلاب الفوائد، وجميل العوائد، ووسيلة التواصل، والتواد، وبلوغ المراد. قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ، فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ، فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ، إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران: 159).
وعن عائشة، رضي الله عنها، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال لها: (يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، ، وما لا يُعطي على ما سِواه).
وقال عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه: (أحب الأمور إلىّ الله ثلاثة: العفو في القدرة، والقصد في الجدة، والرفق في العبادة، وما رَفَق أحد بأحد في الدنيا إلا رفق الله به يوم القيامة).
ومن صور الرفق:
أولًا: الرفق بالنفس في أداء ما فُرض عليه:
فالمسلم لا يحمل نفسه من العبادة ما لا تطيقه؛ فالإسلام دين يسر وسهولة؛ قال، صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة، والروحة، وشيء من الدلجة).
ثانيًا: الرفق مع الناس عامة:
ويكون بلين الجانب وعدم الغلظة والجفاء، والتعامل بالسماحة واللطف؛ قال، صلى الله عليه وسلم: (وكونوا عباد الله إخوانًا).
ثالثًا: الرفق بالرعية:
الراعي سواء كان حاكمًا أو رئيسًا أو مسؤولًا، عليه أن يرفق برعيته، فيقضي حاجتهم، ويؤدي مصالحهم برفق؛ قال، صلى الله عليه وسلم: (إن شر الرعاء الحطمة).
رابعًا: الرفق في الدعوة والنصح والموعظة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
قال سفيان الثوري: (لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر إلا من كان فيه ثلاث خصال: رفيق بما يأمر رفيق بما ينهى، عدل بما يأمر عدل بما ينهى، عالم بما يأمر، عالم بما ينهى).
خامسًا: الرفق بالمستفتي:
قال النووي في آداب الفتوى: (إذا كان المستفتي بعيد الفهم فليرفق به، ويصبر على تفهم سؤاله، وتفهيم جوابه؛ فإن ثوابه جزيل).
سادسًا: الرفق بالخادم والمملوك:
عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول لله، صلى الله عليه وسلم: (للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق).
سابعًا: الرفق في طلب الحقوق ودفعها:
عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: (رحم الله رجلا سمحًا إذا قضى، وإذا اقتضى).
ثامنًا: الرفق بالغريم:
فعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: سمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صوت خصوم بالباب عالية أصواتهما، وإذا أحدهما يستوضع الآخر، ويسترفقه في شيء، وهو يقول: والله لا أفعل، فخرج عليهما رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: أين المتألي على الله لا يفعل المعروف؟! فقال: أنا يا رسول الله، وله أي ذلك أحب.
تاسعًا: الرفق بالميت:
قال عطاء: (حضرنا مع ابن عباس، رضي الله عنهما، جنازة ميمونة بسرف، فقال ابن عباس: هذه زوجة النبي صلى الله عليه وسلم: فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوها، ولا تزلزلوها، وارفقوا …).
عاشرًا: الرفق بالحيوان:
فمن الرفق بالحيوان أن تدفع عنه أنواع الأذى، كالعطش، والجوع، والمرض، والحمل الثقيل، وهذا من عظمة الإسلام، وتميزه على الأديان، والملل الأخرى.
ومن ثمّ الرفق في الحقيقة هو الطريق لنيل كل محبوب، ودفع كل مكروه، فارفقوا في حياتكم تنالوا رضا ربكم.