مقدمة:
لقد اهتم الإسلام اهتمامًا بالغًا بالجانب الأخلاق، فنجد أن رسالة الإسلام تقوم على أساس الأخلاق، والهدف من بعثة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن يتمم مكارم الأخلاق، وينشر مبادئ الحق والعدل والخير بين الناس؛ حتى ينالوا السعادة في الدنيا والآخرة، ويلخص الرسول الهدف من رسالته فيقول في إيجاز بليغ: (بعثت لأتمم حُسن الأخلاق)[1] . وتتميم الأخلاق يعني ناحيتين: الحضّ عليها، ثم الارتفاع بها، وربطها بالمثل الأعلى؛ حتى تكون خالصة لله لا تشوبها شائبة من رياء أو مباهاة أو سمعة. كما أثنى القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم في أبلغ وأرفع وصف من قوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[2].
وإذا عدنا إلى ما قبل الإسلام؛ سنجد أن الأخلاق كانت في نظر الفلاسفة اليونان وغيرهم، آراء نظرية، بمعنى، أنها كانت في حيز الحوارات، والنقد، بين الخطأ والصواب، ومعرفة الخير، من الشر.
وفي الجزيرة العربية لم تكن الأخلاق هي الحاكمة، وإنما كان لكل قبيلة شيخها الذي هو بمثابة الحاكم، والأب والقائد الحاني على أفراد قبيلته، يسوسها ويرعاها، ويدافع عنها، ويجلب لها ما ينفعها، ويجنبها ما يضرها.
وكان في العرب عادات سيئة كشرب الخمر ووأد البنات، ولعب الميسر، ولكن كان إلى جانب هذه العادات الرديئة، عادات كريمة، كالصدق والشجاعة وحماية الجار، وإكرام الضيف والكرم والشرف والدفاع عن العرض وإغاثة الملهوف، فلما جاء الإسلام، أبطل العادات الذميمة، وعزّز العادات الكريمة.
والأخلاق في الإسلام، علم ومعرفة وتطبيق وثواب وعقاب في الدنيا وفي الآخرة يوم القيامة قال تعالى: (إِنَّ الأبْرَارَ لَفِى نَعِيم وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِى جحِيم)[3] ، وقال صلى الله عليه وسلم (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)[4] ، والسبب في اهتمام الإسلام بالأخلاق هذا الاهتمام كله، هو أن الأخلاق الإسلامية، محور الحياة وعمودها الفقري، وهي أمر لا بد منه لدوام الحياة الاجتماعية وتقدمها من الناحية المادية والمعنوية.
وقد برز الجانب الأخلاقي في فقه الإمام أبي حنيفة، وكان ذلك واضحًا في معالجته لمعظم القضايا الفقهية، وفي هذه الورقة البحثية أحاول جاهدًا إلقاء الضوء على اهتمام الإمام أبي حنيفة بهذا الجانب، من خلال أربع مباحث هي:
المبحث الأول: مكانة الأخلاق في الإسلام
المبحث الثاني: مراعاة الجانب الأخلاقي عند الفقهاء
المبحث الثالث: اهتمام الإمام أبي حنيفة بالجانب الأخلاقي
المبحث الرابع: نماذج فقهية في الجانب الأخلاقي عند أبي حنيفة
المبحث الأول
مكانة الأخلاق في الإسلام
لقد جاء دين الإسلام منهج هداية للبشرية؛ لتصحيح عقائدها، وتهذيب نفوسها، وتقويم أخلاقها، وإصلاح مجتمعاتها، وتنظيم علاقاتها، ونشر الخير والفضيلة بين أفرادها، ومحاربة الشر والرذيلة، وإقصائها عن بيئاتها، وسد منافذ الفساد أن يتسلل إلى صفوفها؛ لذا فقد كانت مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب، ومعالي القيم، وفضائل الشيم، وكريم الصفات والسجايا؛ من أسمى ما دعا إليه الإسلام، وقد تميز بنظام أخلاقي فريد، لم ولن يصل إليه نظام بشري.
وقد سبق الإسلام بذلك نظم البشر كلها؛ ذلك لأن الروح الأخلاقية في هذا الدين منبثقة من جوهر العقيدة الصافية؛ لرفع الإنسان الذي كرمه الله، وكلفه بحمل الرسالة، وتحقيق العبادة من درك الشر والانحراف، وبؤر الرذائل والفساد إلى قمم الخير والصلاح، وأوج الاستقامة والفلاح؛ ليسود المجتمعَ السلامُ والمحبةُ والوئام، رائده نشر الخير والمعروف، ودرء الشر والمنكر والفساد.
والأخلاق في كل أمة عنوان مجدها، ورمز سعادتها، وتاج كرامتها، وشعار عزها وسيادتها، وسر نصرها وقوتها، فصلاح الأفراد والأمم؛ مرده إلى الإيمان والأخلاق، وضعف الخلق؛ أمارةٌ على ضعف الإيمان، وإذا أصيبت الأمة في أخلاقها فقل: عليها السلام، فقد آذنت بتصدع أركانها، وزعزعة أمورها، وخراب شؤونها، وفساد أبنائها، وإذا حصل ذلك فبطن الأرض خير من ظهرها.
لقد بلغ من عِظَم مكانة الأخلاق في الإسلام أن حصر رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم مهمة بعثته، وغاية دعوته، بكلمة عظيمة جامعة، فقال: (إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق)[5].
وقد حدد القرآن الكريم أن من أهم مقاصد بعثة النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – للناس تزكية النفوس بالأخلاق الحميدة: قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ)[6]، فيمتن الله على المؤمنين بأنه أرسل رسوله لتعليمهم القرآن وتزكيتهم، والتزكية بمعنى تطهير القلب من الشرك والأخلاق الرديئة كالغل والحسد وتطهير الأقوال والأفعال من الأخلاق والعادات السيئة. فأحد أهم أسباب البعثة هو الرقي والسمو بأخلاق الفرد والمجتمع.
وحسبنا في ذلك ثناء ربه عليه في قوله سبحانه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[7]، فكان عليه الصلاة والسلام أحسن الناس خلقًا، وقد وصفت أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها خُلُقَه بوصف جامع، فقالت: (كان خُلُقه القرآن)[8].
وكما كانت سيرته العملية، وسنته الفعلية نبراسًا في الأخلاق، فقد زخرت سنته القولية بالإشادة بمكارم الأخلاق، ومكانة أهلها، وعظيم ثوابها، وهي مبثوثة في الصحاح والسنن وغيرها، منها:
قولـه صلى الله عليه وسلم: (البر حُسن الخلق)[9]، و(إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا)[10]، و(ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق)[11].
وكان صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم يتمثلون الأخلاق الحميدة منذ الأيام الأولى لدخولهم تحت راية الإسلام، فلم تغب عن عقولهم سمات الإسلان الخلقية التي أودعها الله تعالى عقائد هذا الدين وشرائعه ومعاملاته، بل إنهم كانوا يدركون نعمة الله عليهم فيما تضمنه هذا الدين من مكارم الأخلاق[12]، وأبرز مثال على ذلك، حديث جعفر بن أبي طالب – رضي الله عنه – حين قام يشرح للنجاشي ملك الحبشة خصائص هذا الدين، الذي من أجله حاربهم مشركو مكة حتى اضطروهم إلى ترك ديارهم وأوطانهم، قال: “كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات …”[13] إلى آخر حديثه الذي وضّح فيه شعائر الإسلام.
وقد كان اهتمام سلف الأمة بالأخلاق الإسلامية السمة البارزة لهم، فأولوها اهتمامهم قولاً وعملاً وسلوكًا.
يقول الحسن رحمه الله: “حسن الخلق بش الوجه، وبذل الندى، وكف الأذى”[14].
ويقول عبد الله بن المبارك رحمه الله: “حسن الخلق في ثلاث خصال: اجتناب المحارم، وطلب الحلال، والتوسعة على العيال”[15].
حتى قال بعضهم: لأن يصحبني عاصٍ حسن الخلق، أحب إلي من عابد سيء الخلق.
وقالوا في علامة ذي الخلق الحسن: أن يكون كثير الحياء، قليل الأذى، كثير الصلاح، صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمل، قليل الزلل، قليل الفضول، برًا، وَصولاً، وقورًا، صبورًا، شكورًا، رضيًا، حليمًا، وفيًا، عفيفًا، مؤْثِرًا، لا لعانًا، ولا طعانًا، لا منانًا، ولا مغتابًا، لا كذابًا، ولا غاشًا، ولا خائنًا، ولا عجولاً، ولا حقودًا، ولا حسودًا، ولا بخيلاً، ولا متكبرًا، هاشًا، باشًا، يحب في الله، ويبغض في الله، حكيمًا في الأمور، قويًا في الحق[16].
والأخلاق تسري في كيان الإسلام كله، وفي تعاليمه كلها، في العقائد، والعبادات، والمعاملات، وتدخل في السياسة والاقتصاد، وفي جميع مناحي الحياة.
الإيمان وارتباطه بالأخلاق:
العقائد الإسلامية أساسها التوحيد، وضده الشرك، وهنا نجد الإسلام يضفي على التوحيد صفة خلقية، فيعتبره من باب العدل، وهو فضيلة خلقية، كما يعتبر الشرك من باب الظلم، وهو رذيلة خلقية، يقول تعالى: (إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[17]، وذلك لأنه وضع للعبادة في غير موضعها، وتوجه بها إلى من لا يستحقها.
واعتبر القرآن الكفر بكل أنواعه ظلمًا‘ كما قال تعالى: (والْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[18]
والإيمان الإسلامي حين يتكامل ويؤتى أكله، يتجسد في فضائل أخلاقية، فاضت بها آيات القرآن الكريم، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم[19].
وقد سمى الله الإيمان برًا، فقال تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)[20]، والبر اسم جامع لأنواع الخير من الأخلاق والأقوال والأفعال، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (البر حسن الخلق)[21].
العبادات والأخلاق:
لقد ارتبطت الأخلاق بكل أنواع العبادات التي شرعها الله عز وجل على عباده، فلا تجد الله يأمر بعبادة إلا وينبه إلى مقصدها الأخلاقي أو أثرها على النفس والمجتمع، وأمثلة هذا كثيرة، منها:
الصلاة: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[22]، فالإبعاد عن الرذائل والتطهير من سوء العمل، هو حقيقة الصلاة[23].
الزكاة: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)[24]، فمع أن حقيقة الزكاة إحسان للناس ومواساتهم فهي كذلك تهذب النفس وتزكيها من الأخلاق السيئة.
الصيام: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[25] (البقرة: 183) فالمقصد هو تقوى الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)[26]، فمن لم يؤثر صيامه في نفسه وأخلاقِه مع الناس لم يحقق هدف الصوم.
والحج: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ)[27]، فهو تدريب للمسلم على التطهر والتجرد والترفع عن زخارف الحياة وترفها، وخضامها وصراعها؛ ولذا يفرض في الإسلام الإحرام ليدخل المسلم حياة قوامها البساطة والتواضع والسلام والجدية والزهد في مظاهر الحياة الدنيا.
وحين تفقد هذه العبادات الإسلامية هذه المعاني ولا تحقق هذه الأهداف، تفقد بذلك معناها وجوهر مهمتها، وتصبح جثة بلا روح.
ولم تكن المعاملات الإسلامية بشتى أنواعها بعيدة عن الجانب الأخلاقي، فـ”الإسلام ليس عقيدة قلبية فحسب، ولكنه نظام يتضمن جميع قوانين المجتمع إنه عقيدة وعبادة وأخلاق، كما أنه تشريع ونظام للمجتمع، ومبادئ عن الاتجاه العام للدولة بحيث تكون في إطار الوحي”[28].
المبحث الثاني
مراعاة الجانب الأخلاقي عند الفقهاء
كتب الفقه تحوي بين جنباتها العديد من البواعث الأخلاقية، وما قامت الشريعة إلا من أجل هذا الباعث، حيث إن صناعة الفقه، كما قال ابن رشد، “تقتضي بالذات الفضيلة العملية”[29]، فنجد على سبيل المثال، القاعدة الشرعية التي جرى الاعتداد بها عند الفقهاء التي لها مغزى أخلاقي، أنه “لا ضرر ولا ضرار“، وهذه قاعدة مشهورة في الشريعة الإسلامية، يقصد بها مراعاة الأخلاق في التعامل مع الآخرين؛ حتى لا يؤدي إلى الإضرار بهم.
ومن مظاهر اهتمام الفقهاء بالأخلاق، اتفاق جمهورهم على تحريم الحيل التي يتبعها بعض الناس للتهرب من آداء بعض الفرائض الشرعية؛ وذلك لما يترتب على العمل بها من فساد وإفساد.
كذلك من القضايا المهمة في الشريعة الإسلامية التي تناولها الفقهاء “المصالح المرسلة“؛ حيث استطاع الفقهاء من خلالها مواكبة الأحداث والمتغيرات، مع الاستنباط والقياس على الأصول الشرعية الثابتة.
أولا: قاعدة لا ضرر ولا ضرار:
تشتمل هذه القاعدة على حكمين:
الأول: لا يجوز الإضرار ابتداء؛ أي لا يجوز للإنسان أن يضر شخصًا آخر في نفسه أو ماله، لأن الضرر ظلم، والظلم محرم في جميع الشرائع.
والضرر الممنوع هو الضرر الفاحش مطلقًا؛ أي حتى لو نشأ من قيام الإنسان بالأفعال المباحة، كمن يحفر في داره بئرًا أو بالوعة ملاصقة لجدار جاره، أو يبني جدارًا يمنع النور عن جاره، وكذلك يمنع الضرر الناشيء من فعل غير مشروع كمن يحفر حفرة في الطريق العام.
أما الضرر غير الفاحش، إذا نشأ من مشروع فليس بممنوع، كما لو بنى شخص جدارًا في داره سد نافذة من نوافذ غرفة جاره.
والثاني: لا يجوز مقابلة الضرر بالضرر، وهذا معنى “ولا ضرار”؛ إذ على المتضرر أن يراجع القضاء لتعويض ضرره، وعلى هذا فمن أتلف مال غيره لا يجوز للغير أن يتلف مال المتلف، بل عليه مراجعة المحكمة لتعويضه عن الضرر. ويلاحظ أن مقابلة الضرر بالضرر قد تكون مباحة أو واجبة، كما في العقوبات التي يوقعها أولي الأمر بالمجرمين، فإن العقاب ضرر لا شك فيه يقابل ضرر إجرامهم، ولكن الشريعة أباحته لزجر المجرمين، وتأديبهم من الاعتداء على الناس[30].
ويبني الفقهاء على هذه القاعدة كثيرًا من أبواب الفقه، منها: الرد بالعيب، وجميع أنواع الخيارات من اختلاف الوصف المشروط والتعزير وإفلاس المشتري والحجر بأنواعه، والشفعة؛ لأنها شرعت لدفع ضرر القسمة، والقصاص والحدود والكفارات، وضمان المتلف والقسمة، ونصب الأئمة والقضاة، ودفع الصائل وقتال المشركين والبغاة، وفسخ النكاح بالعيوب أو الإفساد أو غير ذلك[31].
وعلى ذلك نجد أن القصد الأصلي للشريعة الإسلامية تحقيق مصالح العباد، وحفظ هذه المصالح، ودفع الضرر عنهم، إلا أن هذه المصالح ليست هي ما يراه الإنسان مصلحة له ونفعًا حسب هواه؛ وإنما المصلحة ما كانت مصلحة في ميزان الشرع.
ولا يخفى على أحد أن مقصود هذه القاعدة باعث أخلاقي، فحواه عدم الفساد في الأرض والإضرار بالآخرين[32].
ثانيًا: الحيل في الدين:
قسّم الفقهاء الحيل إلى: حيل محرّمة، وحيل جائزة، والحيلة هي: نوع مخصوص من التصرف والعمل الذي يتحول به فاعله من حال إلى حال، ثم غلب عليها بالعرف استعمالها في سلوك الطرق الخفية التي يتوصل بها الرجل إلى حصول غرضه، بحيث لا يتفطن له إلا بنوع من الذكاء والفطنة[33].
وذكر ابن تيمية أن أول ظهور للحيل كان في أواخر عصر التابعين وأوائل عصر من بعدهم وفي ذلك يقول: “الأدلة على لزوم طريقة الصحابة والتابعين لهم ومجانبة ما أحدث بعدهم مما يخالف طريقهم من الكتاب والسنة والآثار كثيرة جدًا، وإذا كان كذلك، فهذه الحيل من الأمور المحدثة ومن البدع الطارئة أما الإفتاء بها وتعليمها للناس وإنفاذها في الحكم واعتقاد جوازها فأول ما حدث في الإسلام في أواخر عصر صغار التابعين بعد المائة الأولى بسنين كثيرة وليس فيها والحمد حيلة واحدة تؤثر عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل المستفيض عن الصحابة أنهم كانوا إذا سُئلوا عن فعل شيء من ذلك أعظموه وزجروا عنه”[34]
- الحيل المحرَّمة:
غلب استعمال الحيل في عرف الفقهاء على النوع المذموم[35]، وقد تحدث القرآن الكريم والسنة النبوية عن حيل بعض المنافقين والمخادعين، ففي القرآن الكريم يقول تعالى واصفًا المنافقين: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ، يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)[36].
يقول الشاطبي: “وحقيقة أمرهم أنهم أظهروا كلمة الإسلام إحرازًا لدمائهم وأموالهم، لا لما قصد له في الشرع من الدخول تحت طاعة الله على اختيار وتصديق قلبي، وبهذا المعنى كانوا في الدرك الأسفل من النار”[37].
ومن الأحاديث التي تناولت الحيل المذمومة قوله – صلى الله عليه وسلم -: (لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع؛ خشية الصدقة)[38]، وهذا نص في تحريم الحيلة المفضية إلى إسقاط الزكاة أو تنقيصها بسبب الجمع والتفريق، فإذا باع بعض النصاب قبل تمام الحول تحيلا على إسقاط الزكاة، فقد فرق بين المجتمع، فلا تسقط الزكاة عنه بالفرار منها[39].
ومما يدل على بطلان الحيل وتحريمها أن الله تعالى أوجب الواجبات وحرم المحرمات لما تتضمن من مصالح عباده في معاشهم ومعادهم، فالشريعة لقلوبهم بمنزلة الغذاء الذي لابد لهم منه، والدواء الذي لا يندفع الداء إلا به، فإذا احتال العبد على تحليل ما حرم الله، وإسقاط ما فرض الله، وتعطيل ما شرع الله، كان ساعيًا في دين الله بالفساد[40].
نماذج من الحيل المحرّمة:
- من الحيل الباطلة الحيلة على التخلص من الحنث بالخلع، ثم يفعل المحلوف عليه في حال البينونة، ثم يعود إلى النكاح، وهذه الحيلة باطلة شرعًا؛ لأن هذا الخلع لم يشرعه الله ولا رسوله، وهو تعالى لم يمكِّن الزوج من نسخ النكاح متى شاء فإنه لازم؛ وإنما مكنه من الطلاق، ولم يجعل له فسخه إلا عند التشاجر والتباغض إذا خافا أن لا يقيما حدود الله فشرع لهم التخلص بالافتداء[41].
- ومن الحيل الباطلة المحرمة أن يكون له على رجل مال، وقد أفلس غريمه، وأيس من أخذه منه، وأراد أن يحبسه من الزكاة، فالحيلة أن يعطيه من الزكاة بقدر ما عليه، فيصير مالك للوفاء، فيطالبه حينئذ بالوفاء، فإذا أوفاه برئ وسقطت الزكاة عن الدافع. وهذه حيلة باطلة؛ سواء شرط عليه الوفاء، أو منعه من التصرف فيما دفعه إليه، أو ملكه إياه بنية أن يستوفيه من دينه، فكل هذا لا يسقط عليه الزكاة، ولا يعد مخرجًا لها، لا شرعًا ولا عرفًا، كما لو أسقط دينه وحسبه من الزكاة[42].
- الحيل الشرعية المباحة:
الحيل المشروعة هي الحيل التي تفضي إلى أمر مشروع، وقد وضعت الوسيلة فيها للغرض المقصود منها ظاهرًا، وهي تشمل الأسباب الشرعية التي وضعها الشارع، وجعلها سبيلا إلى مقتضياتها الشرعية، والحيلة في هذه الدائرة تكون باتخاذ الأسباب الشرعية وسيلة إلى الكسب الحلال بأقصى درجاته، وأبعد غاياته، وهي من التدبر الحسن الذي يحمد فاعله ولا يذم، ومن أفتى بشيء فيها بما هو حلال خالص الحل[43].
نماذج من الحيل الشرعية:
هناك أمثلة عديدة للحيل الشرعية المباحة، ذكر منها ابن القيم حوالي مائة وستة عشر مسألة[44] تدل جميعها على سعة الشريعة الإسلامية، وأنها دائمًا تبغي عدم الإضرار بالغير، ومصالح الناس، ومن تلك الأمثلة:
- إذا خاصمت امرأة رجلًا، وقالت: قُل كل جارية اشتريتها فهي حرة، وكل امرأة أتزوجها فهي طالق. فالحيلة في خَلاصه أن يقول ذلك، ويعني بالجارية السفينة لقوله تعالى: (إنَّا لَمَّا طَغَا المَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الجَارِيَةِ)[45]، ويمسك بيده حصاة أو خرقة، ويقول فهي طالق فيرد الكناية إليها، فإن تفقهت عليه الزوجة وقالت: قُل كل رقيقة أو أمة، فليقل ذلك وليعني فهي حرة الخصال غير فاجرة، فإنه لو قال ذلك لم تعتق كما لو قال له: غلامك فاجر زان، فقال ما أعرفه إلاحرًا عفيفًا، ولم يرد العتق لم يعتق[46].
- إذا كان لأحد الورثة دين على الموروث وأحب أن يوفيه إياه ولا بينة له به، فإن أقر له به أبطلنا إقراره، وإن أعطاه عوضه كان تبرعًا في الظاهر، فلباقي الورثة رده. فالحيلة في خلاصه من دينه أن يقبض الوارث ما له عليه في السر ثم يبيعه سلعة، أو دارًا، أو عبدًا بذلك الثمن فيسترد منه المال، ويدفع إليه تلك السلعة التي هي بقدر دينه، فإن قيل: وأي حاجة له إلى ذلك إذا أمكنه أن يعطيه ما له عليه في السر، قيل: بل في ذلك خلاص الوارث من دعوى بقية الورثة واتهامهم له وشكواهم إياه أنه استولى على مال موروثنا أو صار إليه بغير الحق، فإذا لم يخرج المال الذي عاينوه عند الموروث عن التركة سلم من تطرق التهمة والأذى والشكوى[47].
ثالثًا: المصالح المرسلة:
استطاع كثير من أئمة الفقه الإسلامي، وعلى رأسهم الإمام مالك (179ه) – رضي الله عنه – أن يحلوا كثيرًا من المشاكل الأخلاقية باستخدامهم لأحد المصادر الشرعية المستخدمة في أصول الفقه، وهو أصل المصلحة المرسلة.
والمصلحة المرسلة: هي “المصلحة التي لم يشرع الشارع حكمًا لتحقيقها، ولم يدل دليل شرعي على اعتبارها أو إلغائها، وسميت مطلقة لأنها لم تقيد بدليل اعتبار أو دليل إلغاء”[48].
وهذه المصلحة اعتبرها الشارع، وشهدت لها نصوصه، وأُخذت من مجموع أدلته؛ فهي مصلحة لا تعدم الأصول الشرعية، ولا فرق بينها وبين القياس، إلا أن القياس شهد فيه النص لعين المصلحة، والمصلحة المرسلة شهدت النصوص الكثيرة لجنسها، والأصول الكثيرة إذا اجتمعت على معنى واحد وأفادت فيها القطع، فإن هذا المعنى لا يقل قوة عن المعنى الذي شهد نص واحد لعينه، إذا أريد إرجاع مصلحة جزئية إلى هذا المعنى[49].
ومن الأمثلة التي توضح الباعث الأخلاقي في المصلحة المرسلة:
- هل يجوز في حال الحرب أن نضرب في اتجاه جنودنا الذين أسرهم العدو، واستتر خلفهم ليضربنا ويحتل أرضنا؟ أو أن الواجب – على عكس ذلك – أن نمسك عن الضرب رعاية للشرع الصريح الذي يمنعنا أن نستبيح دم بريء؟ والله يقول: (ولا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[50].
يجيب الإمام مالك عن هذا السؤال مرجحًا الأخذ بأخف الضررين، ويعلل لذلك بأننا لو بقينا دون عمل؛ احترامًا لهذا العدد القليل من جنودنا، الذين جعلهم سوء الحظ درعًا للعدو، فإن بقية الجيش – وهي الكثرة الكاثرة منه – قد تتعرض للهلاك، ثم لن ينجو – أيضًا – أسرانا من نفس المصير بعد ذلك. ولا ريب إذن في أن الشرع الإسلامي يقدم دائمًا إنقاذ الجماعة، ومصلحتها المشتركة والدائمة، على حياة الأفراد ومصالحهم العاجلة. ويختم حديثه بقوله: “إننا مع احتياطنا للحفاظ على رجالنا، لا ينبغي أن نوقف الحرب، بل يجب أن نواصلها، ولو أصيبوا من جرائها”[51].
- أنه لو طبق الحرام الأرض، أو ناحية من الأرض يعسر الانتقال منها وانسدت طرق المكاسب الطيبة، ومست الحاجة إلى الزيادة على سد الرمق، فإن ذلك سائغ أن يزيد على قدر الضرورة، ويرتقي إلى قدر الحاجة في القوت والملبس والمسكن؛ إذ لو اقتصر على سد الرمق لتعطلت المكاسب والأشغال، ولم يزل الناس في مقاسات ذلك إلى أن يهلكوا، وفي ذلك خراب الدين، لكنه لا ينتهي إلى الترفه والتنعم، كما لو يقتصر على مقدار الضرورة.
وهذا ملائم لتصرفات الشرع، وإن لم ينص على عينه، فإنه قد أجاز أكل الميتة للمضطر، والدم ولحم الخنزير، وغير ذلك من الخبائث المحرمات[52].
والمصلحة المرسلة أصل عظيم ومصدر خصب للفقه الإسلامي، وعلى أساسه يمكن لولي الأمر (الحكومة) أن توجد النظم الضرورية للدولة التي تحقق الخير والمصلحة للناس، وإن لم يرد بهذه النظم نص صريح في الشريعة ما دامت لا تخالف ما نطق به الشرع؛ لأن السياسة العادلة وتحقيق العدل والمصلحة يعتبر من الشريعة، لا خارجًا عنها[53].
المبحث الثالث
اهتمام الإمام أبي حنيفة بالجانب الأخلاقي
يُعد الإمام أبو حنيفة تابعيًا من التابعين، حيث يروي في كتب السير والتراجم أنه التقى بسبعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هم: أنس بن مالك، وعبد الله بن جزء الزبيدي، وجابر بن عبد الله، ومعقل بن يسار، وواثلة بن الأسقع، وعائشة بنت عمر، وعبد الله بن أنيس، رضي الله عنهم.
من صفاته الأخلاقية:
قال عنه تلميذه أبو يوسف (182ه): “كانوا يقولون: أبو حنيفة زينه الله بالفقه والعلم، والسخاء والبذل، وأخلاق القرآن التي كانت فيه”[54].
وقد جمع الشيخ محمد أبو زهرة أهم صفاته الأخلاقية في أربعة عناصر:
- كان ثري النفس لم يستول عليه الطمع، الذي يفقر النفوس، ولعل منشأ ذلك أنه نشأ في أسرة ذات يسار، فلم يذق ذل الحاجة.
- وكان شديد الأمانة حريصًا على نفسه، في كل ما يتصل بها.
- وكان سمحًا قد وقاه الله شح نفسه.
- وكان بالغ التدين شديد التنسك، عظيم العبادة يصوم النهار، ويقوم الليل[55]
ولقد كان أبو حنيفة مع شخصيته، وعمق تأثيره، وبعد نفوذه، صاحب طريقة جديدة في الإفتاء والتخريج، وفهم الحديث واستنباط الأحكام منه، وقد أخذ يبث طريقته في تلاميذه ومن يتصل بهم نحوًا من ثلاثين عامًا أو يزيد[56].
حرص الإمام أبي حنيفة على طلب العلم:
حرص الإمام أبي حنيفة منذ نعومة أظفاره على طلب العلم، بعد أن عمل بالتجارة لفترة من الزمن، وخاض في علم الكلام، ورد على المخالفين، ولكنه انتهى به المطاف إلى الفقه.
“روى أبو يوسف تلميذ الإمام أبو حنيفة أنه سُئل كيف وفقت إلى الفقه؟ فقال أخبرك: أما التوفيق فكان من الله، وله الحمد كما هو أهله ومستحقه، إني لما أردت العلم جعلت العلوم كلها نصب عيني، فقرأت فنًا فنًا منها، وتفكرت عاقبته، وموضع نفعه. فقلت آخذ في الكلام، ثم نظرت فإذا عاقبته عاقبة سوء، ونفعه قليل، وإذا كمل الإنسان فيه، لا يستطيع أن يتكلم جهارًا، ورمي بكل سوء، ويقال صاحب هوى، ثم تتبعت أمر الأدب والنحو..” وعدد علوم عديدة إلى أن قال: “ورأيت الجلوس مع العلماء والفقهاء والمشايخ والبصراء، والتخلق بأخلاقهم، ورأيت أنه لا يستقيم أداء الفرائض وإقامة الدين والتعبد إلا بمعرفته، وطلب الدنيا والآخرة إلا به”[57].
لقد كان أبو حنيفة مخلصًا في طلب الحق، وتلك هي صفة الكمال التي رفعته، ونورت قلبه، وأضاءت بصيرته بالمعرفة، فإن القلب المخلص الذي يخلو من الغرض ودرن النفس والهوى في بحث الأمور وفهم المسائل، يقذف الله فيه بنور المعرفة فتزكو مداركه، ويستقيم فكره.
حلم الإمام وصبره:
روى الموفق بسنده إلى وكيع -شيخ الشافعي والبخاري رحمهم الله تعالى – قال: إنه كان عند زفر، فذكر عنده سفيان وأبو حنيفة، فقال زفر: كان أبو حنيفة إذا تكلم في الحلال والحرام همت سفيان نفسه، ومن كان أنبل من أبي حنيفة ؟! وكان حمولا صبورا، رحمه الله تعالى.
وقال محمد بن سليم عن وكيع أخبرنا يزيد بن كميت، سمعت أبا حنيفة -وشتمه رجل واستطال عليه وقال له : يا كافر يا زنديق – فقال أبو حنيفة : غفر الله لك ، هو يعلم مني خلاف ما تقول[58]
وكان أبو حنيفة واسع الحلم لا يستفزه الجهال ولا يستثيرونه بمواقفهم المثيرة:
قال عبد الرزاق رحمه الله: “شهدت أبا حنيفة في مسجد الخيف فسأله رجل عن شيء فأجابه، فقال رجل: إن الحسن يقول كذا وكذا. قال أبو حنيفة: أخطأ الحسن. قال: فجاء رجل مغطى الوجه قد عصب على وجهه فقال: أنت تقول أخطأ الحسن يا ابن الـ .. (وقذف أمه)! ثم مضى فما تغير وجهه ولا تلون. ثم قال: إي والله! أخطأ الحسن وأصاب ابن مسعود”[59].
وقال يزيد بن كميت: “قال رجل لأبي حنيفة: اتق الله! فانتفض واصفر وأطرق وقال: جزاك الله خيرًا ما أحوج الناس كل وقت إلى من يقول لهم مثل هذا”[60].
أمانة أبي حنيفة:
قال معاصره مليح بن وكيع: كان – والله – أبو حنيفة عظيم الأمانة، وكان – والله – جليلاً كبيرًا عظيمًا، وكان يوثر رضى ربه على كل شيء، ولو أخذته السيوف في الله لاحتمل، رضي الله عنه رضى الأبرار، فقد كان منهم[61].
وقد ورد في العديد من كتب السير نماذج لأمانة أبي حنيفة في البيع، حيث جاءته امرأة تبيع له ثوبًا من الحرير وطلبت ثمنًا له مائة .. وعندما فحص الثوب قال: لها هو خير من ذلك، فزادت مائة.. ثم زادت حتى طلبت أربعمائة فقال لها هو خير من ذلك، فقالت: أتهزأ بي؟ فقال هاتي رجلا يقومه، فجاءت برجل فقومه بخمسمائة..
ورع الإمام أبي حنيفة:
روى الموفق بسنده إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: ذُكر أبو حنيفة عند أحمد بن حنبل، فقال: رحمه الله ، كان ورعًا، ضرب على القضاء إحدى وعشرين سوطًا فأبى[62].
لقد كان أبو حنيفة شديد الحرج في كل ما تخالطه شبهة الإثم حتى لو كانت بعيدة، فإن ظن إثمًا أو توهمه في مال، خرج منه، وتصدق به على الفقراء والمحتاجين، يروى أنه بعث شريكه حفص بن عبد الرحمن بمتاع، وأعلمه أن في ثوب عيبًا، وأوجب عليه أن يبين العيب عند بيعه، فباع حفص المتاع، ونسي أن يبين، ولم يعلم من الذي اشتراه، فلما علم أبو حنيفة تصدق بثمن المتاع كله[63].
وقال حفص بن عبد الرحمن: جالست أنواع الناس من العلماء والفقهاء والزهاد والنساك وأهل الورع، فلم أر أحدًا فيهم أجمع لهذه الخصال من أبي حنيفة. وقال أيضا – وقد سبق أنه كان شريكه في التجارة -: في طول ما صحبت أبا حنيفة وخالطته لم أره يعلن بخلاف ما يسر، ولم أر أحدًا يتوقى مما لا خطر له مثل ما كان يتوقاه، وكان إذا دخلت عليه شبهة من أي شيء أخرج من قلبه ذلك ولو بجميع ماله[64].
اتصافه بالرحمة مع الآخرين:
كان الإمام أبي حنيفة رحيمًا بالآخرين إذا باع وإذا اشترى، فكان يترك الربح إذا كان المشتري ضعيفًا أو صديقًا أو أعطاه من فضل ربحه، جاءته امرأة، فقالت إني ضعيفة، وإنها أمانة، فبعني هذا الثوب بما يقوم عليك، فقال خذيه بأربعة دراهم، فقالت: لا تسخر بي وأنا عجوز، فقال: إني اشتريت ثوبين فبعت أحدهما برأس المال إلا أربعة دراهم فبقي هذا الثوب على أربعة دراهم[65].
وجاءه صديق له يطلب إليه ثوب خز على وصف ولون عينهما، فقال له: اصبر حتى يقع وآخذه لك، إن شاء الله تعالى، فما دارت الجمعة حتى وقع.
فمر به الصديق، فقال له قد وقعت حاجتك، وأخرج إليه الثوب، فقال كم إذن؟ قال درهمًا. قال: ما أظنك تهزأ بي، قال ما هزأت إني اشتريت ثوبين بعشرين دينارًا أو درهمًا، وقد بعت أحدهما بعشرين دينارًا، وبقي هذا بدرهم[66].
كل ذلك يدل على أمانة أبي حنيفة ورحمته بالآخرين في تعاملاته، دون أن يتكسب من حرام، أو يرفع السعر على المشتري، أو لا يراعي ظروفه.
جوده وسخاؤه مع شيوخه وطلابه:
ذكر الإمام الحلبي وأحمد العسكري والصيمري عن مسعر قال: كان أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا اشترى لعياله شيئًا، أو جاءت له الباكورة من الفواكه؛ اشترى لشيوخ المحدثين أجود مما اشترى لعياله ولنفسه، وأنفق عليهم أكثر مما أنفق على عياله، وكان يسامح في المبايعة والمعاملة[67].
وروى الكردري بسنده إلى عبد الله بن الدوسي قال: كان الإمام رحمه الله تعالى يأمر حمادًا أن يشتري له كل يوم بعشرة دراهم خبزًا، ويتصدق به على جيرانه الفقراء وكل من يختلف إلى الباب.
وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى قال: ما رأيت أجود من أبي حنيفة، فكنت أقول له: ما رأيت
أجود منك، فيقول: كيف لو رأيت حمادا؟! قال: وكان أبو حنيفة يعولني وعيالي عشر سنين، وما رأيت أحدًا أجمع للخصال المحمودة منه.
وروى الموفق بسنده إلى الحسن بن سليمان قال: كان جوادًا ما رأيت مثله، كان أجرى على أصحابه وظيفة كل شهر، ومع ذلك كان يواسيهم في عامة الأيام[68].
نصحه للناس وبره بهم:
كانت حياة الإمام رحمه الله كلها نصحًا، وإرادة خير لعامة الناس وخاصتهم.
روى الموفق بسنده إلى زفر بن الهذيل رحمه الله تعالى قال: جالست أبا حنيفة أكثر من عشرين سنة؟ فلم أر أحدًا أنصح للناس منه، ولا أشفق عليهم منه، وكان يذل نفسه لله تعالى، أما عامة النهار فهو مشتغل في العلم وفي المسائل وتعليمها، وفيما يسأل من النوازل وجواباتها، وإذا قام من المجلس عاد مريضًا، أو شيع جنازة، أو واسى فقيرًا، أو وصل له رحمًا أو سعى في حاجة، فإذا كان الليل خلا للعبادة
والصلاة وقراءة القران، فكان هذا سبيله حتى توفي رحمه الله[69].
وروى الموفق بسنده إلى بكير بن معروف قال: ما رأيت أحسن سيرة في أمة محمد من أبي حنيفة، وقال: قلت لأبي حنيفة: الناس يتكلمون فيك ولا تتكلم أنت في أحد؟! فقال: هو فضل الله يؤتيه من يشاء[70].
وروى بسنده إلى يحيى بن آدم قال : اجتهد أبو حنيفة في الفقه اجتهادًا لم يسبقه إليه أحد، فهداه الله سبيله وسهل له طريقه، وانتفع الخاص والعام بعلمه[71].
وأختم بوصية الإمام أبي حنيفة لتلميذه يوسف بن خالد السمتي، حيث قال له:
“اعلم أنك متى أسأت عشرة الناس صاروا لك أعداء، ولو كانوا لك أمهات وآباء، وإنك متى أحسنت عشرة قوم ليسوا لك بأقرباء صاروا لك أمهات وآباء، كأني بك وقد دخلت البصرة، وأقبلت على المخالفة بها، ورفعت نفسك عليهم، وتطاولت بعلمك لديهم، وانقبضت عن معاشرتهم ومخالطتهم، وهجرتهم وهجروك، وشتمتهم وشتموك، وضللتهم وضللوك وبدعوك، واتصل ذلك الشين بنا وبك، واحتجت إلى الهرب والانتقال عنهم، وليس هذا برأي، إنه ليس بعاقل من لم يدار من ليس له من مداراته بد، حتى يجعل الله مخرجًا .. إذا دخلت البصرة استقبلك الناس وزاروك وعرفوا حقك، فأنزل كل رجل منزلته، وأكرم أهل الشرف، وعظم أهل العلم، ووقر الشيوخ، ولاطف الأحداث، وتقرب من العامو ودار الفجار، واصحب الأخيار، ولا تتهاون بسلطان، ولا تحقرن أحدًا، ولا تقصرن في مروءتك، ولا تخرجن سرك إلى أحد، ولا تثق بصحبة أحد، حتى تمتحنه، ولا تخادن خسيسًا ولا وضيعًا، ولا تألفن ما ينكر عليك في ظاهره، وإياك والانبساط إلى السفهاء… وعليك بالمداراة والصبر والاحتمال وحسن الخلق، وسعة الصدر… واعمل في زيارة من يزورك، والإحسان إلى من يحسن إليك أو يسيء، وخذ العفو وامر بالمعروف، وتغافل عما لا يعنيك، واترك كل ما يؤذيك، وبادر في إقامة الحقوق… وأظهر توددًا للناس ما استطعت، وأفش السلام ولو على قوم لئام… ولا تكلف الناس مالا يطيقون، وارض لهم ما رضوا لأنفسهم، وقدم لهم حسن النية، واستعمل الصدق، واطرح الكبر جانبًا، وإياك والغدر، وإن غدروا بك، وأد الأمانة وإن خانوك، وتمسك بالوفاء، واعتصم بالتقوى، وعاشر أهل الأديان، وأحسن معاشرتهم[72].
كانت هذه مقططفات من وصية أبي حنيفة لتلميذه حيث جمع له فيها كل الخصال الحميدة وحثّه على فعلها، ووضع له المنهاج الأخلاقي الذي يسير عليه في معاملة الآخرين، ورعاية حقوق الله.
المبحث الرابع
نماذج فقهية في الجانب الأخلاقي عند أبي حنيفة
لم يُعرف لأبي حنيفة كتاب في الفقه، رتب أبوابه وعقد نظامه، كما ذكر الشيخ محمد أبو زهرة[73]، وما ذكر من كتب منسوبة إليه هو في العقيدة، وما حولها، وهي الفقه الأكبر، ورسالة العالم والمتعلم، ورسالة إلى عثمان البتى، وكتاب الرد على القدرية، والعلم شرقًا وغربًا، بعدًا وقربًا[74].
ولقد قيل إن كتاب الفقه الأكبر هو كتاب في الفقه لا في العقائد، وأنه يحتوى على ستين ألف مسألة، وقيل أكثر، ولكن لم يوجد هذا، ولا يمكن الكلام في شيء ليس تحت العيان، حتى يتأتى لنا اختباره وفحصه ومقدار الصحة فيه، على أي حال فالمشهور أن كتاب الفقه الأكبر في العقائد[75].
وكان طبيعة العصر الذي عاش فيه الإمام أبي حنيفة، أنه لم يذخر بالتأليف، بل كان الاهتمام الأكبر بدروس العلم والتعلم، إذ إن تأليف الكتب لم يشع وينتشر إلا بعد وفاته، أو في آخر حياته.
والإمام أبي حنيفة كان يملي مسائل الفقه – المقررة مع أصحابه- وكان يكتبها تلميذه الإمام أبو يوسف وسواه، وقد بلغت تلك المسائل المدونة على قول خمسمائة ألف مسألة، وقال الإمام الكوثري: وأقل ما يقال في مسائله أنها تبلغ ثمانين ألفًا[76].
فقه الإمام أبي حنيفة:
كان أبو حنيفة رحمه الله حافظًا لكتاب الله تعالى، يقوم به أناء الليل وأطراف النهار، كما كان حافظًا لحديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أخذه من حفّاظ العراق والحجاز، وكان حافظًا لأقوال الصحابة رضوان الله عليهم؟ ما اجتمعوا عليه وما اختلفت فيه آراؤهم.
واستقى فقهه رضي الله عنه، من المصادر الشرعية المختلفة، القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع الصحابة، والقياس، والاستحسان، وما استقر لدى الناس من العرف والعادة بشرط عدم مخالفة الشرع.
هذه هي الأدلة المعتبرة التي أقام عليها أبو حنيفة استنباطه الفقهي، وهذا ما نقله ابن عبد البر بسنده إلى محمد بن الحسن رحمه الله تعالى قال: العلم على أربعة أوجه: ما كان في كتاب الله الناطق وما أشبهه، وما كان في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المأثورة وما أشبهها، وما كان فيما أجمع عليه الصحابة وما أشبهه، وكذلك ما اختلفوا فيه، لا تخرج على جميعهم، فإن وقع الاختيار فيه على قول فهو علم نقيس عليه ما أشبهه، وما استحسنه فقهاء المسلمين وما أشبهه وكان نظيرًا له، ولا يخرج العلم عن هذه الوجوه الأربعة[77].
كما ورث أبو حنيفة رحمه الله تعالى علم عمر، وعلي، وعبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عباس رضي الله عنهم، أخذه عنهم بواسطة شيوخه البالغين أربعة آلاف رجل، وبواسطة فقهاء الكوفة خاصة، وكان شيخه حماد الذي اختص به ثماني عشرة عامًا دون انقطاع يلازمه ليل نهار، هو الصلة الوثقى لعلمه بعلمهم رضي الله عنهم[78].
وأبو حنيفة يعتبر أول من رتب مسائل الفقه ودونها في سجلات، يقوم بذلك تلميذه الإمام أبو يوسف في غالب الأحيان، وغيره أحيانًا أخرى.
وكان يعتمد في طرح المسائل الفقهية على منهج الشورى بين تلاميذه، فلم يستبد بنفسه دونهم اجتهادًا منهم في الدين، ومبالغة في النصيحة لله ورسوله والمؤمنين، فكان يلقي مسألة مسألة، يقبلها ويسمع ما عندهم، ويقول ما عنده ويناظرهم، حتى يستقر أحد الأقوال فيها، ثم يثبتها أبو يوسف في الأصول، حتى أثبت الأصول كلها[79].
ويقول ابن البزاز الكردري (صاحب الفتاوى البزازية المتوفي 827 هـ): “وكان أصحابه يكثرون الكلام في مسألة من المسائل ويأخذون في كل فن وهو ساكت فإذا أخذ في شرح ما تكلموا فيه كان كأنه ليس في المجلس أحد غيره”[80].
بهذه الطريقة من التحرير دوّن الإمام أبو حنيفة مذهبه الفقهي، وجاء أصحابه من بعده فنشروا كتبه مبوبة ومرتبة ومنظمة.
بعض النماذج الفقهية التي راعى فيها الإمام أبو حنيفة الجانب الاجتماعي والأخلاقي:
اهتم الإمام أبو حنيفة بالأخذ بما يبرىء الذمة بيقين عند اختلاف الروايات، وسعى جهده في عدم إهدار تصرف العاقل بقدر ما يمكن، وراعى جانب الفقراء، وسائر الضعفاء في الأحكام المختلف فيها، وفسّر الأدلة المحتملة بما هو في مصلحة من توقع عليه العقوبات، أخذًا بقاعدة درء الحدود بالشبهات، ومن هذه النماذج:
- التيسير في العبادات والمعاملات:
وذلك من أسس الشريعة الإسلامية ، طبقًا للقاعدة القرآنية : (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)[81]، ومن تلك المسائل: في باب الطهارة من قسم العبادات، يرى أبو حنيفة أنه إذا أصاب البدن أو الثوب نجاسة جاز غسله بكل مائع طاهر يزيلها، ولا يتعين في ذلك الماء وحده، ويقول: ومما احتج به أبو حنيفة في هذا قوله تعالى: (وثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)[82]، وهذا نص مطلق لا يجوز تقييده من غير دليل، وكذلك أمر الرسول، صلى الله عليه وسلم، بغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب، والغسل غير مختص بالماء، ثم إن المطلوب إزالة ما يعلق بالجسم أو الثوب من نجاسة، وهذا كما يكون بالماء يكون بغير الماء، كالخل وماء الورد ونحوه، بل قد تكون إزالة النجاسة بهذين ونحوها أبلغ وأتم على ما هو معروف[83].
- رعاية جانب الفقير والضعيف:
هذا ما يوصي به القرآن الكريم، ثم ذكر مسائل تقرر هذه القاعدة القرآنية، منها: ما يقول في باب الزكاة من قسم العبادات: اختلف الفقهاء في وجوب الزكاة أو عدم وجوبها في الحلي من الذهب أو الفضة، فذهب الإمام وأصحابه إلى الوجوب، وهو مذهب كثير من الصحابة، مثل عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وأبي موسى الأشعري، وهو أيضًا مذهب جمهور التابعين.
ويرى الشافعي في أحد قوليه عدم وجوبها، ومما استدل به أبو حنيفة ما رواه أبو داود والنسائي – وقال الإمام النووي: إن إسناده حسن – من أن امرأة أتت النبي، صلى الله عليه وسلم، وفي يد ابنتها سواران من ذهب، فقال الرسول، صلى الله عليه وسلم: (أتعطين زكاة هذا؟) قالت : لا، قال: (أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار)[84]، فخلعتهما وألقتهما إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالت: هما لله ورسوله.
وفي باب السرقة من قسم المعاملات يقول: وقد يحدث أن يسرق إنسان فتقطع يده اليمنى، ثم يعود فتقطع رجله اليسرى، ثم يعود مرة ثانية فما الحكم؟ يرى أبو حنيفة أنه لا يقطع منه شيء بل يعزر، ويظل في الحبس حتى يتوب، وأما استدلال أبي حنيفة لمذهبه، فهو بما روي عن سيدنا علي، رضي الله عنه، في مثل ذلك إذ يقول: إني لأستحي من الله أن لا أدع له يدًا يأكل بها، ويستنجي بها، ولا رجلاً يمشي عليها، وبذلك حاج بقية الصحابة، فدرأ عنه الحد كيلا تنقلب العقوبة إهلاكًا بذهاب أطرافه التي يبطش بها ويمشي عليها[85].
- تصحيح تصرفات الإنسان بقدر الإمكان:
في مسألة إسلام الصبي العاقل قبل بلوغ الرشد، هل يصح، وهل يعتبر إسلامه صحيحًا، أو لا يصح منه هذا الإسلام؟ يرى أبو حنيفة أن إسلامه يصح، على حين يرى الشافعي عدم صحته، وذلك لأنه إن صح إسلامه لكان واجبًا عليه، ولو كان واجبًا عليه لم يكن الشرع يجيز تركه، لأن ترك من وجب الإسلام عليه كفر، والشارع لا يجيز تقرير أحد على الكفر، أما أبو حنيفة فيرى أن الصبي العاقل حين يصدق بالله ورسوله وشريعته؟ يكون قد أقرّ فعلًا بحقيقة لا يمكن ردها، وإذن يكون إسلامه صحيحًا. ثم إننا نجيز تصرف الصبي المميز إذا كان التصرف نافعًا نفعًا محضًا له، مثل قبول الهدية. فبالأولى نجيز تصرفه هذا الذي يحقق له السعادة في الدنيا والأخرة، على أن من الثابت أن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أسلم وهو في سن الثامنة أو العاشرة من عمره، أي وهو صبي لم يبلغ، وقد صحح النبي، صلى الله عليه وسلم، إسلامه، وكان علي نفسه يفتخر به حتى روي أنه قال:
سبقتكم إلى الإسلام طرًّا صغيرًا ما بلغت أوان حلمي[86]
- رعاية حرية الإنسان وإنسانيته:
يحترم أبو حنيفة رحمه الله تعالى في المرأة البالغة إرادتها وحريتها في الزواج بمن ترى الخير في أن تتزوج به، فلا يجعل لوليها سلطانًا عليها، فلها أن تباشر بنفسها عقد زواجها ما دامت أهليتها كاملة، وما دام من تتزوجه كفؤًا لها ولأسرتها، وما دام المهر مهر مثلها. ويرى أن ولاية إنسان على آخر لا يصح أن تفرض إلا لضرورة، لأنها تنافي الحرية التي هي حق إنساني للناس جميعًا، ولذلك يثبت للفتى متى بلغ، وكان عاقلاً حق تزوج نفسه بنفسه، فلا معنى للتفريق بينه وبين المرأة في ذلك الحق، وخاصة أن لها مثله الولاية كاملة على مالها.
إن الإمام إذن يستعمل هنا القياس ولكنه مع ذلك يجد له سندًا من القرآن الكريم، الذي يضيف عقد الزواج إلى المرأة حين يقول في سورة البقرة: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[87]. كما يجد لرأيه سندًا من الحديث الشريف أيضًا؟ وهذا إذ يقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: (ليس للولي مع الثيب أمر)[88]، ويقول في: (الأيم أحق بنفسها من وليها)[89]. والأيم اسم امرأة لا زوج لها بكرًا كانت أو ثيبًا في الصحيح عند أهل اللغة[90].
- الخروج على الحكومة الظالمة:
هناك مسألة مهمة اختلف حولها الفقهاء، وهي: إذا كان إمام المسلمين ظالماً فاسقًا فهل تجوز الثورة عليه؟ فقالت جماعة كبيرة من أهل الحديث بجواز الاعتراض على ظلمه باللسان والنطق أمامه بالحق، ولكن لا تجوز الثورة عليه، ولو أراق الدماء بغير الحق، وتعدى على حقوق الناس وارتكب فسقًا صريحًا[91]، لكن أبا حنيفة يقول إن إمامة الظالم ليست باطلة فحسب، وإنما تجوز الثورة عليه أيضًا بل وينبغي ذلك بشرط أن تكن ثورة ناجحة مفيدة تأتي بالعادل الصالح مكان الظالم الفاسق، وبشرط أن لا تكون نتيجتها مجرد تبديد القوى وضياع الأنفس والأرواح.
ويشرح أبو بكر الجصاص مذهب أبي حنيفة في هذا القول، ويقول: “وكان مذهبه مشهورًا في قتال الظلمة وأئمة الجور ولذلك قال الأوزاعي احتملنا أبا حنيفة على كل شيء، حتى جاءنا بالسيف يعني قتال الظلمة فلم نحتمله، وكان من قوله وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض بالقول فإن لم يؤتمر له فبالسيف”[92].
- حق حرية الرأي والتعبير:
كان الإمام أبو حنيفة يدرك أهمية هذا الحق، وهذا الفرض، إدراكًا كبيرًا، إذ كان المسلمون في أيامه قد سلبوا هذا الحق وصاروا مترددين في فرضيته أيضًا. فالمرجئة كانوا يجعلون الناس يتجرأون على ارتكاب الذنوب والمعاصي، والحشوية كانوا يقولون أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وجه الحكومات فتنة، وفي الجانب الثالث حكومات بني أمية وبني العباس تقتل في المسلمين روح الاعتراض على فسق الأمراء وفجورهم وظلمهم وجورهم. لكل هذا حاول أبو حنيفة، بقوله وعمله، إحياء هذه الروح وتوضيح حدودها ويذكر الجصاص أن أبا حنيفة أجاب إبراهيم الصائغ (أحد مشاهير الفقهاء في خراسان)، حين سأله، أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض، ثم تلا الحديث النبوي الذي رواه عكرمة عن ابن عباس أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال: (أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر فقتله)، فأثّر قول أبي حنيفة في إبراهيم تأثيرًا قويًا، فلما رجع إلى خراسان نهى أبا مسلم الخراساني مؤسس الدولة العباسية (المتوفي 136هـ = 754م) جهارًا عن ظلمه وإراقته الدماء بغير الحق وظل ينهاه إلى أن قتله أبو مسلم[93].
ولما خرج إبراهيم بن عبد الله أخو النفس الزكية عام 145 هجرية، جهر أبو حنيفة بتأييده ومناصرته ضد المنصور[94].
خاتمة
في هذه الخاتمة أعرض لبعض الأقوال التي قيلت في الإمام أبي حنيفة النعمان من معاصريه وتلاميذه ومن جاؤا بعده:
- قال وكيع بن الجراح وهو شيخ الإمام الشافعي: “كان أبو حنيفة عظيم الأمانة، وكان يؤثر رضا الله تعالى على كل شيء، ولو أخذته السيوف في الله تعالى لاحتملها”[95].
- وقال الإمام الشافعي: سئل مالك بن أنس: “هل رأيت أبا حنيفة وناظرته؟”، فقال: “نعم، رأيت رجلاً لو نظر إلى هذه السارية وهي من حجارة، فقال إنها من ذهب لقام بحجته”[96].
- وقال الإمام أحمد بن حنبل: “إن أبا حنيفة من العلم والورع والزهد وإيثار الآخرة بمحل لا يدركه أحد، ولقد ضُرب بالسياط لِيَليَ للمنصور فلم يفعل، فرحمة الله عليه ورضوانه”[97].
- وقال عبد الله بن المبارك: “رأيت أعبد الناس، ورأيت أورع الناس، ورأيت أعلم الناس، ورأيت أفقه الناس، فأما أعبد الناس فعبد العزيز بن أبي روّاد، وأما أورع الناس فالفضيل بن عياض، وأما أعلم الناس فسفيان الثوري، وأما أفقه الناس فأبو حنيفة”، ثم قال: “ما رأيت في الفقه مثله”[98].
- وقال الإمام أبو يوسف أشهر تلاميذه: “كانوا يقولون: أبو حنيفة زينة الله بالفقه والعلم، والسخاء والبذل، وأخلاق القرآن التي كانت فيه.
- وقال الإمام سفيان الثوري: “ما مقلت عيناي مثل أبي حنيفة”
- وقال يحيى بن سعيد القطان (إمام الجرح والتعديل): “إن أبا حنيفة -والله- لأعلم هذه الأمة بما جاء عن الله ورسوله”[99].
بحث قُدم في المؤتمر الدولي بعنوان “الحنفية والماتريدية”، عقده جامعة قسطمونو – تركيا مايو 2017
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثبت بالمراجع
- القرآن الكريم
- كتب السنة
- صحيح البخاري
- صحيح مسلم
- سنن أبي داود
- سنن النسائي
- مسند أحمد بن حنبل
- موطأ مالك
- الأشعري، أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، عنى بتصحيحه: هلموت ريتر، دار فرانز شتايز، مدينة فيسبادن، ألمانيا، الطبعة: الثالثة،1400هـ -1980م
- ابن تيمية، الفتاوى الكبرى ، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية ، 1416هـ-1995م
- الجصاص، أبو بكر أحمد بن علي الرازي، أحكام القرآن، تحقيق محمد صادق قمحاوي، دار إحياء الكتب العربية – مؤسسة التاريخ العربي،1412ه-1992م
- حسان، د. حسين حامد، نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي، مكتبة المتنبي، القاهرة، 1981م
- الحفناوي، د.محمد إبراهيم، نظرات في أدلة التشريع المختلف عليها، دار البشير، المنصورة، 1986م
- الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد (تاريخ مدينة السلام وأخبار محدثيها وذكر قطانها العلماء من غير أهلها ووارديها)، تحقيق بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 2001م
- خلاف، الشيخ عبد الوهاب، علم أصول الفقه، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، الكويت، الطبعة الثامنة، 1900م
- دراز، د.عبدالله محمد، دستور الأخلاق في القرآن دراسة مقارنةللأخلاق النظرية في القرآن، تعريب وتحقيق عبدالصبور شاهين، مؤسسة الرسالة،بيروت، الطبعة الثامنة، 1412ه-1991م
- الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان، سير أعلام النبلاء، أشرف على التحقيق شعيب الأرنؤوط،
مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الحادية عشر، 1417هـ – 1996م
- الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان، مناقب الإمام أبي حنيفة وصاحبيه أبي يوسف ومحمد بن الحسن، تحقيق محمد زاهد الكوثري، أبو الوفا الأفغاني، حيد آباد، الهند، 1399ه
- ابن رجب، زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين البغدادي، جامع العلوم والحكم، تحقيق شعيب الأرنوؤط، وإبراهيم باجس، مؤسسة الرسالة، الطبعة السابعة، 1422ه-2001م
- ابن رشد، فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، تحقيق د.محمد عمارة، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الثانية، 1983م
- أبو زهرة، الشيخ محمد، أبو حنيفة حياته وعصره وآراؤه الفقهية، دار الفكر العربي، القاهرة، 1991م
- زيدان، د.عبدالكريم، المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، مؤسسة الرسالة، بيروت الطبعة الحادية عشر، 1989م
- السباعي، د.مصطفى، السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة، 1985م
- السرخسي، شمس الدين، المبسوط، دار المعرفة، الطبعة الأولى، بيروت، 1409ه- 1989م
- السلماسي، أبو زكريا يحيى بن إبراهيم، منازل الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، تحقيق محمود بن عبد الرحمن قدح، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1422ه-2002م
- السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الأشباه والنظائر، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1411هـ -1990م
- الشاطبي، الاعتصام، دار البرق للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 1988م
- الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ
- غاوجي، وهبي سليمان، أبو حنيفة النعمان إمام الأئمة الفقهاء، دار القلم، دمشق، الطبعة الخامسة، 1413هـ – 1993م
- الغزالي، أبي حامد، إحياء علوم الدين، دار الغد العربي، القاهرة، الطبعة الثانية، 1987م
- الغزالي، الشيخ محمد، خلق المسلم، دار الكتب الإسلامية، القاهرة، الطبعة التاسعة، 1403ه-1983م
- ابن مفلح، عبد الله محمد المقدسي، الآداب الشرعية والمنح المرعية، تحقيق شعيب الأرناؤوط، عمر القيام، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1419ه-1999م
- ابن القيم الجوزية، إعلام الموقعين عن رب العالمين، دار الحديث، القاهرة، 1987م
- ابن القيم الجوزية، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، تحقيق محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ
- محمود، د.عبدالحليم، الإسلام والعقل، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الثانية، 1985م
- المكي، أبو المؤيد موفق بن أحمد، مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة، الهند، بدون تاريخ
- ابن النديم، أبو الفرج محمد بن إسحاق بن محمد الوراق البغدادي، الفهرست، تحقيق إبراهيم رمضان، دار المعرفة بيروت، الطبعة الثانية 1417هـ – 1997مـ
- نصار، د.جمال، مكانة الأخلاق في الفكر الإسلامي، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، المنصورة، الطبعة الأولى، 2004م
- ابن هشام، سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، تحقيق عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، الطبعة الثالثة،1410ه-1990م
- المزي، جمال الدين أبو الحجاج يوسف، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1983م
- الأفغاني، الشيخ أبو الوفا، شرح كتاب الآثار للإمام محمد، الهند، بدون تاريخ
- الكوثري، محمد زاهد، فقه أهل العراق وحديثهم، نشر وتعليق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة، 1938م
- الحنفي، أبو حفص عمر الغزنوي، الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة، تحقيق محمد زاهد الكوثري، سلسلة مطبوعات أحمد خيري، الطبعة الأولى،1950م
- أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن حبتة الأنصاري، اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى، تحقيق أبو الوفا الأفغاني، لجنة إحياء المعارف النعمانية، حيدر آباد، بدون تاريخ
[1] موطأ الإمام مالك، حديث رقم: 1641
[2] القلم: 4
[3] الانفطار : 13-14
[4] صحيح مسلم، حديث رقم 87
[5] قال الألباني في “السلسلة الصحيحة” 1 / 75: رواه البخاري في “الأدب المفرد” رقم ( 27), وابن سعد في “الطبقات” (1 / 192), والحاكم في “المستدرك” ( 2 / 613 ), وأحمد “في مسنده” (2 / 318), وابن عساكر في ” تاريخ دمشق ” (6 / 267)
[6] الجمعة: 2
[7] القلم:4
[8] رواه مسلم في صحيحه، بَابُ جَامِعِ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَمَنْ نَامَ عَنْهُ أَوْ مَرِضَ، حديث رقم 1282
[9] مسند أحمد بن حنبل، حديث رقم 17373
[10] صحيح البخاري، حديث رقم 3398
[11] رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح
[12] نصار،د.جمال، مكانة الأخلاق في الفكر الإسلامي، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، المنصورة، الطبعة الأولى، 2004، ص27
[13] ابن هشام، سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ص358-359
[14] ابن مفلح، الآداب الشرعية، 2/216
[15] ابن رجب، جامع العلوم والحكم، ص160
[16] أبي حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، 3/70
[17] لقمان: 13
[18] البقرة: 153
[19] نصار، مرجع سابق، ص30
[20] البقرة: 177
[21] رواه مسلم، حديث رقم 2553
[22] العنكبوت: 45
[23] الغزالي، الشيخ محمد، خلق المسلم، ص5
[24] التوبة: 103
[25] البقرة: 183
[26] رواه البخاري، حديث رقم 1804
[27] البقرة: 197
[28] محمود، د.عبدالحليم، الإسلام والعقل، ص138
[29] ابن رشد، فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، تحقيق د.محمد عمارة، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الثانية، 1983، ص30
[30] زيدان، د.عبدالكريم، المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، مؤسسة الرسالة، بيروت الطبعة الحادية عشر، 1989، ص82-83
[31] السيوطي، الأشباه والنظائر، ص48
[32] نصار، مرجع سابق، ص80
[33] ابن القيم الجوزية، إعلام الموقعين عن رب العالمين، دار الحديث، القاهرة، 1987، 3/211
[34] ابن تيمية، الفتاوى الكبرى ، تحقيق: قدم له حسنين محمد مخلوف، دار المعرفة، بيروت، 3/164
[35] ابن القيم، مرجع سابق، ص3/212
[36] البقرة: 8-10
[37] الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ، 2/380
[38] فتح الباري، 3/368، ومسند أحمد، 2/15
[39] إعلام الموقعين، مرجع سابق، 3/150-151
[40] إعلام الموقعين، 3/158
[41] إعلام الموقعين، 3/245
[42] السابق، 3/269
[43] أبو زهرة، الشيخ محمد، أبو حنيفة حياته وعصره وآراؤه الفقهية، دار الفكر العربي، القاهرة، 1991، ص367
[44] إعلام الموقعين، مصدر سابق، 3/294، وما بعدها، 4/1-40
[45] الحاقة: 11
[46] إعلام الموقعين، 3/300
[47] السابق، 3/309-310
[48] خلاف، الشيخ عبد الوهاب، علم أصول الفقه، ص84
[49] حسان، د. حسين حامد، نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي، مكتبة المتنبي، القاهرة، 1981، ص65
[50] الأنعام: 151
[51] دراز، د.عبدالله محمد، دستور الأخلاق في القرآن، ص49 من الهامش، وراجع الحفناوي، د.محمد إبراهيم، نظرات في أدلة التشريع المختلف عليها، دار البشير، المنصورة، 1986، ص35
[52] الشاطبي، الاعتصام، دار البرق للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 1988، 2/361، ونظرية المصلحة في الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ص90
[53] زيدان، المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، مرجع سابق، ص58، وراجع: ابن القيم الجوزية، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، تحقيق محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ، ص14
[54] غاوجي، وهبي سليمان، أبو حنيفة النعمان إمام الأئمة الفقهاء، دار القلم، دمشق، الطبعة الخامسة، 1413هـ – 1993م، ص5
[55] أبو زهرة، مرجع سابق، ص28-29
[56] أبو زهرة، مرجع سابق، ص10
[57] أبو زهرة، ص22
[58] أبو حنيفة النعمان إمام الأئمة الفقهاء، مرجع سابق، ص100
[59] تهذيب الكمال، 13/351
[60] سير أعلام النبلاء، 6/400
[61] أبو حنيفة النعمان إمام الأئمة الفقهاء، مرجع سابق، ص366-367
[62] المكي، الموفق بن أحمد، مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة، 2/ 148
[63] تاريخ بغداد، 13/58
[64] مناقب الموفق، 1/62
[65] أبو زهرة، مرجع سابق، ص29
[66] تاريخ بغداد، 12/360
[67] أبو حنيفة النعمان إمام الأئمة الفقهاء، مرجع سابق، ص94
[68] مناقب الموفق 1/ 28-29، 1/259
[69] مناقب الموفق، 1/152
[70] السابق، 1/155
[71] شرح الآثار للأفغاني، 1/52
[72] أبو زهرة، مرجع سابق، 163-164
[73] أبو حنيفة حياته وعصره، أراؤه وفقهه، مرجع سابق، ص166
[74] ابن النديم، الفهرست، ص285
[75] أبو زهرة، السابق، ص166
[76] فقه أهل العراق وحديثهم، ص 95
[77] السباعي، د.مصطفى، السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، ص38
[78] غاوجي، مرجع سابق، ص142
[79] المناقب للمكي، 2/133
[80] الكردري ج2 ص 108
[81] الحج: 78
[82] المدثر: 4
[83] الغرة المنيفة، ص14
[84] سنن النسائي، رقم الحديث: 2444
[85] الغرة المنيفة، ص172-173
[86] السابق، ص126
[87] البقرة: 232
[88] سنن أبي داود، 6/332، حديث رقم: 2060
[89] صحيح مسلم، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت، حديث رقم: 1419
[90] اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى، ص 175- 176، والمبسوط 5/ 10
[91] الأشعري، مقالات الإسلاميين، 2/125
[92] الجصاص، أحكام القرآن، 1/81
[93] أحكام القرآن، 1/81
[94] المكي، مرجع سابق، 2/171
[95] غاوجي، وهبي سليمان، أبو حنيفة النعمان، ص5
[96] الذهبي، مناقب الإمام أبي حنيفة وصاحبيه، ص30-31
[97] غاوجي، مرجع سابق، ص5
[98] أبو زكريا السلماسي، منازل الأئمة الأربعة، ص174
[99] غاوجي، ص5-6