الدوحة في 01 أبريل /قنا/ نظمت مكتبة كتارا للرواية العربية، مساء اليوم، ضمن فعالية /ليالي رمضانية في الأدب والثقافة/، محاضرة بعنوان /الأخلاق بين الإسلام والمذاهب والأديان القديمة/ للباحث الأكاديمي، الدكتور جمال نصار أستاذ فلسفة الأخلاق في العديد من الجامعات التركية.
وانطلق الدكتور جمال نصار في محاضرته بتعريف الخلق في اللغة، منوها بأن أول صراع في الكون بين قابيل وهابيل، كان في أصله صراعا أخلاقيا، لافتا في الوقت نفسه، إلى أن القرآن الكريم اهتم بالأخلاق بشكل كبير مقارنة بالعبادات، حيث ورد في الذكر الحكيم 1504 آيات تتحدث عن الأخلاق بكل فروعها، في حين أن العبادات لم ترد إلا في 130 آية، بما يبين أهمية الأخلاق التي نعيش ونحيا بها.
وأعرب نصار عن أسفه لما آل إليه الواقع اليوم، وغياب الأخلاق عن كثير من مجالات الحياة، مشيرا إلى أن هذا البعد عن الأخلاق خلف العديد من المظاهر على مستويات عدة.. في الجانب الاقتصادي نجد الغش، الربا، الاحتكار والاستغلال، وفي الجانب الاجتماعي: التفكك الأسري، الانحراف والجفوة الاجتماعية بين أفراد المجتمع، وفي الجانب السياسي، انتشار الفساد السياسي والرشوة والنفاق والخداع، وفي الجانب الفكري، تفشي قرصنة المجهودات الفكرية وتبنيها مع سياسات التجهيل وترويج النماذج الفكرية الفاسدة، وفي الجانب الإعلامي: الانحراف الأخلاقي وانتشار المشاهد الخادشة للحياء والتضليل الإعلامي والترويج للكذب. ثم في الجانب التربوي، في الغالب نجد أن مؤسسات التكوين مثل المدارس والكليات تسلم لخريجيها شهادات فارغة من المحتوى الأخلاقي.
إلى ذلك، أوضح الدكتور جمال نصار مؤلف كتاب يحمل عنوان المحاضرة /الأخلاق بين الإسلام والمذاهب والأديان القديمة/، أن للجانب الأخلاقي في الإسلام أهمية كبيرة ليست لغيره، مستشهدا بعدد من الأحاديث النبوية، ومن ذلك الحديث الذي جمع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم كل البر في كلمة واحدة، فقال: (البر حسن الخلق)، كما جعل الخلق الحسن معيار حبه صلى الله عليه وسلم (إن من أحبكم إلي أحسنكم خلقا).. كما أن الله عز وجل مدح نبيه صلى الله عليه وسلم بحسن خلقه فقال تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم)، منبها إلى أن هذه العناية العظمى بالأخلاق في الإسلام، لفتت نظر كثير من الكتاب حتى غير المسلمين، وجعلتهم يسمونه بدين الأخلاق.
وشدد على أن الأخلاق هي رافعة المجتمع، فحين تكون الأخلاق موجودة في سلوكيات أي مجتمع من المجتمعات، فهذا يعني أن هذا المجتمع متحضر متمدن يسعى للتقدم والرفعة بين الأمم، كما أن الأخلاق هي معيار بقاء الأمم والحضارات.
وأجمل الدكتور جمال نصار أسباب الأزمة الأخلاقية التي نعيشها في: التشويه العقدي، والاعوجاج الفكري ثم التلوث القيمي، حيث ضعف التدين في نفوس المسلمين والتصور الخاطئ لشرائع الإسلام وأحكامه وروحه، وغياب القدوة الصالحة في كثير من المجالات، وطغيان الجانب المادي، والاهتمام بالأعمال الدنيوية فقط في العلاقات والأعمال وقلة البرامج التوعوية والأنشطة التي تُعنى بالجانب الأخلاقي وقلة التربية الخلقية في مناهج التعليم على كافة المستويات وعدم سن أنظمة وقوانين تحافظ على المبادئ والقيم الأخلاقية العامة، وتُوقع العقوبات المناسبة على مرتكبي الجرائم الأخلاقية المتجددة.
ومن أجل تصحيح اتجاه البوصلة مرة أخرى، دعا نصار إلى إيلاء الأخلاق عناية كبيرة في حياتنا، لكي ننهض مرة أخرى، ونسعى أن نكون في الوضع الذي يليق بالأمة الإسلامية التي صدّرت الحضارة للعالم كله، حينما كانت في كامل قوتها.
وفي ذات السياق، تطرق الدكتور جمال نصار إلى بعض وسائل تقويم الأخلاق من بينها: العلم والمعرفة، وأن يربطَ الشخص بين ما تعلَّمه من أنواع الأخلاق، وبين الإيمانِ بالله وتقواه، الاهتمام بتقويةِ معاني العقيدة الإسلامية في النفس، مخالفة الأخلاق السيئة التي يُراد التخلُّص منها، مخالطةُ المؤمنين ذوي الأخلاق الحسنة ومجالستهم، والسماع منهم، اتِّخاذ القدوة الحسنة، تركُ البيئة الفاسدة، والفرار منها كما يفرُّ المرء من المكان الموبوء.
وكان ضيف مكتبة كتارا للرواية العربية، قد تطرق في بداية محاضرته إلى الأخلاق في حضارات ما قبل الإسلام، مشيرا إلى أن الأخلاق كانت محط اهتمام جميع الفلسفات القديمة بداية من الحضارة المصرية القديمة، مرورًا بالحضارة الهندية، والفارسية، والصينية، وانتهاء باليونانية، لمحاولة تحديد أفضل طريقة ليعيش الناس وفقها، مبينا مثالب عدد منها، والتي دفعت العديد من الأقوام في الدخول إلى الإسلام لما رأوه من طبقية وتفريق بين الناس، وانتشار العديد من الرذائل بسبب هذه الطبقية المقيتة، والتي ولّدت الحقد لدى بعض هذه الطبقات، مما شجعهم فيما بعد للدخول إلى الإسلام، حيث وجدوا فيه العدالة والاحترام.