د. جمال نصار – الشرق القطرية
الأخلاق ضرورة فردية، وحاجة اجتماعية، فهي ملاك الفرد الفاضل، وقوام المجتمع الراقي، يبقى ويستقر ما بقيت، ويذهب ويتلاشى إن ذهبت، بل لا حياة له بغيرها. ومن يظن أنه يمكن أن يعيش بدون الالتزام الأخلاقي فهو واهم.
وسوف تظل الأخلاق حاجة أساسية للإنسان، وبدونها يصبح الإنسان مصدر سوءٍ لأخيه الإنسان مما لا يتيسر معه إقامة حياة اجتماعية سليمة، وترجع هذه الحاجة إلى أن غرائز الإنسان متعددة ومتنوعة، مُعقدة غير سهلة، مركبة غير بسيطة فمنها الفردي الذي يدفع إلى الأَثَرة والأنانية والبخل، ومنها الاجتماعي الذي يدعو إلى التعاون والإيثار والكرم، ومنها ما يهبط إلى حضيض المادة، ومنها ما يسمو به إلى أفق الروح؛ ذلك أن الإنسان نفسه مخلوق مركب، في كيانه جزء أرضي وجزء سماوي، هو جسد وروح، شهوة وعقل، وإنسان وحيوان، وملاك وشيطان.
وإذا كان الإنسان على المستوى الفردي في حاجة إلى الأخلاق، فإن المجتمع بكل أطيافه لا يقل عنه في حاجته إليها، فكما أن الفرد يضيره ويفسده أن يكون كاذبًا مرائيًا حسودًا خائنًا ماكرًا ظالمًا، كذلك يفسد المجتمع بشيوع هذه الصفات في أفراده، فالأخلاق هي الدعامة الأولى في بناء كل مجتمع سليم، وهي ضرورة إنسانية لازمة لحياة المجتمع لأنها توضّح أساليب التعامل الاجتماعي مثل: العدالة، والمساواة، والتعاون، والإخلاص، والصدق، والوفاء، والعفة.
ولعلنا لا نكون مبالغين إذا قلنا إن الأخلاق ألزم للإنسانية من العلم، فلا توجد أمة سعيدة مترابطة بدون الأخلاق مهما بلغت من التقدم العلمي، وها هي الحضارة الغربية ركّزت على العلم فقط، وأهملت الأخلاق والقيم، ولذلك فإن أبناءها يعانون كثيرًا من الأمراض النفسية والعصبية، والإحصائيات تشير إلى ارتفاع معدلات الانتحار وخاصة بين الشباب.
فمكارم الأخلاق ضرورة اجتماعية لا يستغني عنها مجتمع من المجتمعات، ومتى فُقدت الأخلاق التي هي الوسيط الذي لا بد منه لانسجام الإنسان مع أخيه الإنسان، تفكك أفراد المجتمع، وتصارعوا، وتناهبوا مصالحهم، ثم أدى بهم ذلك إلى الانهيار ثم الدمار .
ولذلك قال أحمد شوقي:
وإذا أصـيبَ الـقومُ في أخلاقِهمْ فـأقمْ عـليهم مـأتمًا وعـويلاً
وتعتبر الأخلاق غاية من أسمى الغايات الإنسانية، ومن أعظم المقومات للحضارة الإنسانية، لا يمكن الاستغناء عنها لأي نوع من الأنواع البشرية، ولا لأي مجتمع من المجتمعات الإنسانية، من أجل ذلك منذ أول وجود المجتمع الإنساني كانت المهمة الأخلاقية من أحسن المهمات لسائر الأديان والمذاهب .
فإذا كانت الأخلاق ضرورة في نظر المذاهب والفلسفات الأخرى، فهي في نظر الإسلام أكثر ضرورة وأهمية، ولهذا فقد جعلها مناط الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة، فهو يعاقب الناس بالهلاك في الدنيا لفساد أخلاقهم، قال تعالى: (وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَمَّا ظَلَمُوا) (يونس: 13)، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِیُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡم وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ) (هود: 117)، بل إن الإسلام يُخضع الأعمال العلمية للمبادئ الأخلاقية، سواء كان ذلك في مجال البحث، أو في مجال النشر لتوصيله للناس.
ولقد اهتم الإسلام بالأخلاق لأنها أمر لا بد منه لدوام الحياة الاجتماعية وتقدمها من الناحيتين المادية والمعنوية، فالإنسان، بحاجة ماسة إلى نظام خُلقي يحقق حاجته الاجتماعية، ويحول دون ميوله ونزعاته الشريرة، ويوجهه إلى استخدام قواه في مجالات يعود نفعها عليه وعلى غيره.
إن الإسلام يدرك تمام الإدراك ماذا يحدث لو أُهملت المبادئ الأخلاقية في المجتمع، وساد فيه الخيانة والغش، والكذب والسرقة، وسفك الدماء، والتعدي على الحرمات والحقوق بكل أنواعها، وتلاشت المعاني الإنسانية في علاقات الناس، فلا محبة ولا مودة، ولا نزاهة ولا تعاون، ولا تراحم ولا إخلاص.
إنه بلا شك سيكون المجتمع جحيمًا لا يطاق، ولا يمكن للحياة أن تدوم فيه، لأن الإنسان بطبعه محتاج إلى الغير، وبطبعه ينزع إلى التسلط والتجبر والأنانية والانتقام.
والخلاصة أن الأخلاق لها أهمية كبيرة في استقرار المجتمعات وتماسكها، والمحافظة عليها من عبث العابثين، وتشويه المغرضين، فعلينا جميعًا التحلي بالأخلاق الحسنة، وترك الأخلاق المذمومة، في ذواتنا ومؤسساتنا، لأنها سوف تساعدنا على السمو بأنفسنا، والنهضة بمجتمعنا بأكمله.