لا يمكن تصور محاربة ظاهرة الإرهاب وأفكار العنف في المنطقة العربية وغيرها، من دون إحداث تحولات بنيوية تشمل جميع القطاعات الاستراتيجية؛ ذلك أن تحقيق نهضة شاملة وتنمية مستدامة، تضمن فرص العيش الكريم.
وقد اختلفت التفسيرات والدوافع التي أدت إلى تنامي ظاهرة الإرهاب بين من يؤكد أن حالات التنافس والصراع الدولي ساعدت في تغذية ونمو هذه الظاهرة، وبين من يذهب إلى أن الإرهاب ظاهرة طبيعية يمكن أن تظهر في أي مجتمع متأثرًا بعوامل مختلفة منها: البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والأيديولوجية، ومن ثمَّ لابد من الوقوف عند بعض الحقائق التي تساعد على فهم الظاهرة واستجلاء أسبابها، ومن ثمَّ إيجاد الحلول لها، منها:
أولا: أن الإرهاب ظاهرة عالمية، قديمة/حديثة، لا دين له، ولا وطن وقد تتغير أشكاله وأساليبه بتغير الزمان والمكان، ولكنه يظل -دائمًا- مرتبطًا بالإنسان أيًّا من كان، وأيًّا ما كانت عقيدته أو مِلَّته أو مذهبه الفكري، ومن الخطأ نسبته إلى دين دون آخر.
ثانيا: عدم تحديد مفهوم وحقيقة الإرهاب وأسبابه، يفسح المجال لتوسيع دائرة الاتهام، لكل من يخالف السلطات أو الحكومات والأنظمة، التي لا تحقق العدل والحرية لشعوبها، لتحقيق أغراضها في ظلم الشعوب وقهرها.
ثالثا: مما يزيد الإرهاب استشراءً، ويُعمِّق الخلاف في فهمه، الخلط بين الإرهاب والمقاومة، فكفاح الشعوب من أجل تحرير نفسها من السيطرة، أو التدخل الأجنبي عمل مشروع، لا يمكن وصفه بالإرهاب، بل يجب دعمه والحفاظ عليه.
رابعا: اتهام المسلمين دومًا بأنهم صانعو الإرهاب، يكرِّس مفهومًا خاطئًا عن الدين الإسلامي، ويدفع بعض الأفراد والجماعات لتبني أعمال العنف، لشعورهم بالظلم والاضطهاد، بالرغم من ممارسة بعض أصحاب الديانات الأخرى للعديد من الأعمال الإرهابية.
خامسا: استعمال بعض الأنظمة المستبدة لكلمة “الإرهاب” أصبح الآن عشوائيًّا ويتم دون أي تمحيص أو تقدير لعواقبه؛ فكل من يخالف تلك الأنظمة قد يُتهم بالإرهاب، مما يدفع إلى الإدانة الذاتية دون وعي أو تقدير لتبعات تلك الإدانة من تجريم وابتزاز.
سادسا: على الأرجح لن يستطيع التحالف الدولي الذي شكَّلته وتقوده الولايات المتحدة الأميركية للقضاء على الإرهاب، لأن المعالجات خاطئة، ولا يتم التعامل مع جذور المشكلة، ومن ثمَّ سيؤدي ذلك إلى المساهمة في تفتيت المنطقة العربية، واستنزاف قدراتها وإمكانياتها تحت حجة “محاربة الإرهاب”.
سابعا: لإيجاد حلٍّ لمواجهة ظاهرة الإرهاب، لابد من البحث عن الجذور التي ينمو فيها ويترعرع، من ذلك: القهر والاضطهاد والاستبداد، والقمع، ودعم أنظمة الفساد، وتمتين العلاقة مع أعداء الشعوب وشيطنة المعارضين لتلك الأنظمة ومحاصرتهم، وتدبير الانقلابات على الحكومات الوطنية، وتدبير الفتن بين الشعوب العربية وبين مكونات الشعب الواحد، واحتلال الدول واضطهاد شعوبها. كل هذا لن يولِّد إلا الغضب والكراهية، ويؤسس لبيئة حاضنة للإرهاب يصعُب التعامل معها.
فمنذ أحداث 11 سبتمبر 2001م نالت الحركات المسلحة اهتماما إعلاميا استثنائيا حيث تزخر وسائل الإعلام العالمية بتغطيات كبيرة لأخبار وأحداث تلك الجماعات وخصوصا التي تُنسب إلى منطقة الشرق الأوسط أو العالم الإسلامي.
وقد كانت حركة القاعدة من أكثر الجماعات شهرة، مما حدى ببعض الجماعات المسلحة الأخرى في الدول الإسلامية أو الدول التي يوجد بها أقليات مسلمة بأن تنسب نفسها إلى القاعدة، سواء كان ذلك صحيحًا أو من باب الحصول على الدعاية والشهرة.
ومن تلك الجماعات التي تنتسب إلى القاعدة، تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وغيرها. وقد انبثق عن هذا التنظيم فيما بعد تنظيم داعش المسمى الآن “الدولة الإسلامية” في سوريا والعراق.
ودون الدخول في تفاصيل نشأة هذه الجماعات وهيكلتها، يمكن أن نقف عند أهم الحلول العملية المقترحة لمواجهة تلك الأفكار، وتتلخص في ثلاثية (الوقاية، والتأهيل، والرعاية)، وأهم هذه العناصر، العنصر الأول، وهو عنصر الوقاية، والذي يجب اتخاذ العديد من التدابير الوقائية لتحصين الشباب من الأفكار المتطرفة، من ذلك:
أولا: دعم الجهود التي تقوم بتوعية المجتمع بخطورة الأفكار الشاذة والمنحرفة، وتشجيع ونشر الفكر الوسطي المعتدل ومفاهيم التسامح وتصحيح المفاهيم الخاطئة من خلال التالي:
1- تشجيع إقامة الندوات وإلقاء المحاضرات العامة وعقد المؤتمرات للتوعية والتثقيف، ودعم البرامج الإعلامية التي تهدف إلى توضيح خطورة الفكر المنحرف، ونشر المفاهيم الدينية الصحيحة المعتدلة.
2- تشجيع الجهات المختصة لتأليف الكتب، وإصدار الأشرطة المتخصصة في نشر الفكر الوسطي والرد على الشبهات، والتأكيد على عدم وجود أي تعارض بين الهوية الإسلامية والهوية الوطنية.
3- حث القائمين على مؤسسات التنشئة الاجتماعية (المسجد, المدرسة، الأسرة، الإعلام) بإقامة البرامج المفيدة للمشاركة في مواجهة الفكر المتطرف والتحذير منه وترسيخ قيم التسامح لوقاية الشباب وتحصينهم من التطرف.
4- إصدار الفتاوى لمواجهة الإرهاب والتطرف، والقيام بحملات توعوية مكثفة في المدن والقرى، مع العمل على تطوير الخطاب الدعوي بما يتناسب مع طبيعة المرحلة.
5- تنفيذ برامج لمواجهة التطرف في أوساط الجاليات العربية، وخصوصًا في البلدان التي تكثر فيها الأفكار المتطرفة والمنحرفة عن صحيح الدين.
ثانيا: استخدام الانترنت كوسيلة للتوعية وتحصين الشباب من الأفكار الضالة والرد على دعاوى وشبهات الفئات المنحرفة فكريًا، مع حث جميع أفراد المجتمع للمساهمة في ذلك, ومن أهم الأنشطة والجهود في مجال الإنترنت ووسائل الاتصال الاجتماعي ما يلي:
1- الرصد الدائم للمواقع المتطرفة ووسائل التواصل الاجتماعي، خاصة المواقع الشعبية منها، وتعقّب المشاركين والمحرضين على العنف والناشرين للأفكار المتطرفة على شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وتقديمهم للمحاكمة.
2- حجب مواقع الانترنت المتطرفة من خلال نظام الترشيح، وتثقيف الجمهور بشأن الآثار السلبية لمواقع الانترنت ومنصات التواصل الاجتماعي التي تستخدم لنشر التطرف.
3- التواصل مع الأسر وتشجيعها على ترشيد استخدام أبنائهم وبناتهم للإنترنت، وإنشاء المواقع والقنوات المرئية على شبكات التواصل الاجتماعي لدحض الأفكار المتطرفة والرد على أي فهم خاطئ للإسلام.
4- تشجيع المتطوعين بأوقاتهم وعلمهم من المعتدلين العارفين بالدين الإسلامي لإجراء الحوار مع المتطرفين لدحض أفكارهم في المواقع المتطرفة التي يزورونها خاصة غرف الدردشة والمنتديات العامة وبرامج التواصل الاجتماعي.
وفي الختام أقول: إن قمع الأفكار والشخصيات والمؤسسات المعتدلة والحية في المجتمعات العربية وغيرها، والذي يمكن التفاهم والتواصل معها، يعطي فرصة للمتطرفين والإرهابيين أن ينشطوا ويتلقوا التأييد الشعبي لأفكارهم.