د. جمال نصار – الشرق القطرية
حرب الإبادة التي يقوم بها المحتل الغاصب في غزة، لا تُبقي ولا تذر، ولا ترحم الصغير، ولا الكبير، ولا الشيوخ ولا النساء، فالهمجية في القتل هي شعارهم، ومع ذلك يخرج علينا أدعياؤهم الكذبة بتغيير الوقائع وقلب الحقائق، ويزعمون وهو كاذبون أن حماس تقتل الأطفال!
والحقيقة أن أكثر من مليون طفل في قطاع غزة المحاصر يتعرضون للإبادة الجماعية أمام نظر العالم وعلى مسمعه، وما يزيد عن 3600 منهم استشهدوا، حتى الآن، منذ بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزة في السابع من الشهر الجاري، مع بداية طوفان الأقصى.
إن الأطفال في غزة يواجهون ألوانًا عديدة من الموت في كل مكان، وقد حصدت آلة الحرب الصهيونية آلاف الأرواح، وتركت بصماتها شاهدة في حروق شديدة وجراح وبتر لأعضاء كثيرة من تلك الأجسام الغضّة، مستهدفة ضمن ما تقتل وتدمر الجيل الفلسطيني الصاعد المفعم بالنضال والصمود والعزيمة على التحرير.
أما البقية من أطفال القطاع ممن نجوا حتى الآن من آلة القتل الإسرائيلية التي وضعتهم على رأس قائمة أهدافها، فبينهم آلاف الجرحى الذين لا يجدون دواء وأسرّة في المشافي، ولا حتى عائلة تعتني بهم بعد استشهاد ذويهم، إضافة لمئات آلاف المهجرين إلى مراكز الإيواء بحثًا عن أمان لن يجدوه، حيث يلاحق قصف الاحتلال براءتهم من كل الجهات وفي كل مكان فضلاً عن أن الجميع مهدد بالموت جوعًا وعطشًا جراء الحصار الذي يفرضه الاحتلال.
وواضح أن المأساة التي تستهدف الإنسان في غزة، وتركز في جانب أساسي منها على براعم الحياة، في مسعى للقضاء على جيل كامل منهم، حيث اختفت ضحكاتهم وأحلامهم إلى الأبد، وتحولوا إلى جثامين صغيرة في أكفان بيضاء تغص بها المشافي، أو أشلاء يجمعها الأهل والجيران من تحت ركام المنازل أو ساحات المشافي، من المساجد والكنائس ومراكز الإيواء.
ولم يتوقف إجرام الاحتلال عند هذا الحد من الإبادة الجماعية لأهل غزة، بل تعداه إلى استهداف الصحفيين وعائلاتهم، وتم استشهاد عدد من أفراد عائلة مراسل الجزيرة في غزة وائل الدحدوح، بمن فيهم زوجته وابنه وابنته وحفيدته، بقصف إسرائيلي استهدف منزلًا نزحوا إليه، في مخيم النصيرات وسط القطاع، وقال الدحدوح وهو يبكي عائلته: “هذه دموع الإنسانية فقط، لا دموع الجُبن والانهيار، وليخسأ الاحتلال”.
وكان الدحدوح يغطي من مكتب الجزيرة في غزة الغارات الإسرائيلية المتواصلة حين تفاجأ بغارة على المنطقة التي لجأت إليها عائلته في جنوب وادي غزة، وهي ضمن المناطق التي طلب الاحتلال من السكان التوجه إليها.
وبعد أن قام الدحدوح بدفن أفراد عائلته، واصل عمله في نقل الحقيقة في اليوم التالي من قطاع غزة، مما يؤكد أن هؤلاء أبطال من طراز خاص، يحملون أكفانهم على أيدهم في مواجهة محتل غاشم، يستخدم كل آلات الإبادة لمحوهم.
ومع هذا الوضع المأساوي يعمل الصحفيون في قطاع غزة على إيصال الوضع الكارثي الذي يعيشه أهالي القطاع، ويحملون كاميراتهم ويوثقون ما يخلّفه القصف من شهداء وجرحى ودمار وخراب، ويحاولون إيصال ما يستطيعون من مشاهد ليراها العالم.
إن مسلسل استهداف قوات الاحتلال للأطفال والنساء والمدنيين، والصحفيين الذين يؤدون واجباتهم في الميدان لا يزال مستمرًا، طالما أن المجتمع الدولي لا يتحرك في اتجاه إيقاف هذه الحرب البشعة بشكل فوري، وطالما هناك تمييز فجّ بين أطفال غزة، وغيرهم، كأنهم ليسوا من طينة البشر!
وعليه لا بد من تحرك عاجل من الأنظمة العربية لنصرة أهل غزة، والضغط بكل قوة لفتح المعابر بشكل دائم، لإدخال المساعدات الإنسانية، والمياه والوقود، لإنقاذ من تبقى على قيد الحياة، وهذا أقل القليل مما يجب أن يقوموا به.
إن كل من يشارك بالدعم العسكري أو السياسي، أو السكوت عمّا يحدث في غزة، فهم جميعًا شركاء في الجريمة، ولا يمكن تبرأة من لديه القدرة على إيقاف هذه الإبادة، ولا يتحرك بكل أشكال المساعدة.
خالص العزاء لمدير ومراسل قناة الجزيرة في غزة البطل الصامد وائل الدحدوح، وأنزل الله ذويه منازل الشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقًا.