د.كمال أصلان – الشرق القطرية
أحداث غزة بكل تفاصيلها، ومآسيها تجعلنا نستحضر قول الله عز وجل: (سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد: 24). وإن كان الحديث في مضمون الآية مرتبط بالنعيم الأبدي في الآخرة ، إلا أن له ظلال في واقع الشعب الغزّاوي الصامد الصابر.
والصبر من أعظم صفات المؤمنين التي ورد ذكرها في القرآن الكريم مرارًا، وهو ليس مجرد تحمل للشدائد، بل هو موقف إيماني يُظهر مدى ثقة العبد بربه، والصابرون هم أولئك الذين يدركون أن هذه الدنيا دار ابتلاء، وأن الجزاء الحق يأتي في الآخرة، والصبر لا يعني فقط احتمال الألم أو الظلم، بل يتجلى في الصمود، والثبات على القيم والمبادئ، والتمسك بالحق في مواجهة الباطل.
وعندما نتحدث عن الصبر، فإن أهل غزة يمثلون نموذجًا حيًا لهذه الفضيلة العظيمة، فقطاع غزة، تلك الأرض الصغيرة المحاصرة منذ سنوات طويلة، شهدت ولا تزال تشهد صنوفًا من العدوان والحصار والتدمير، ولكن أهلها ظلوا صابرين، صامدين، محتسبين، حامدين لله، عز وجل، على كل حال.
أهل غزة واجهوا مكر اليهود، ومن عاونهم بقلوب ثابتة، وأرواح معبأة بالإيمان، ولم يكن صبرهم مجرد استسلام للواقع، بل كان صبرًا إيجابيًا، مصحوبًا بالعمل والجهاد والمقاومة. لقد أدرك أهل غزة أن الصبر ليس فقط انتظارًا للخلاص، بل هو الإيمان بأن الله معهم، وأن نصره آتٍ لا محالة.
وإلى جانب صبر أهل غزة، كانت المقاومة الفلسطينية العامل الأساس في التصدي لعدوان الاحتلال، والمقاومة ليست مجرد فعل عسكري، بل هي تعبير عن إرادة شعب لا يرضى بالذل، ولا يساوم على حقوقه. وقد استطاعت بعزمها وشجاعتها، أن تحقق إنجازات كبيرة، وأن تبعث برسالة واضحة للعالم: أن الحق يُنتزع بالقوة، وأن الشعوب التي تؤمن بحقها قادرة على صنع المعجزات.
والتحام المقاومة مع الشعب الغزّي كان سببًا رئيسيًا في صد المؤامرات، فحين يرى العدو صمود أهل غزة، يدرك أنه أمام شعب لا يمكن كسره، هذا الصمود لم يكن ليتحقق إلا بفضل الله أولاً، ثم بفضل التضحيات الجسام التي قدّمها المقاومون، والالتفاف الشعبي حولهم.
والاحتلال الإسرائيلي يعتمد سياسة المكر والخداع منذ نشأته، فقد حاولوا القضاء على عزيمة أهل غزة بأساليب متعددة: الحصار الاقتصادي، والعدوان العسكري، والقصف العشوائي، والتضييق على كل مقومات الحياة؛ لكنهم فشلوا في تحقيق أهدافهم لأنهم لم يدركوا قوة الإيمان والصبر.
إضافة إلى ذلك، كان هناك من يعاون الاحتلال من أطراف دولية وإقليمية، ممن يسعون لتصفية القضية الفلسطينية، لكن الله، عز وجل، أحبط كيدهم، وجعل مؤامراتهم ترتد عليهم. فقد ورد في كتاب الله: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (سورة آل عمران: 54)، وهذا ما نراه بوضوح في غزة؛ فكل محاولة للعدو لفرض سيطرته التامة تواجه بإرادة أقوى من الحديد.
إن صبر أهل غزة وتضحياتهم لم تذهب سدى، بل كانت سببًا في نصر الله لهم، ففي أصعب اللحظات، كانت يد الله واضحة في حماية هذا الشعب الصامد، سواء من خلال التصدي للعدوان العسكري، أو من خلال فشل محاولات الاحتلال لزرع اليأس والانقسام بين أبناء الشعب الفلسطيني.
النصر في غزة هو دليل على أن المعركة ليست فقط معركة أسلحة، بل هي معركة إرادات، والإرادة التي تستمد قوتها من الإيمان بالله لا يمكن أن تُهزم، فقد قال الله تعالى: (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: 7)، وأهل غزة، بصبرهم وإيمانهم، استحقوا هذا النصر.
اللهم اجعلنا من الصابرين المحتسبين، وامنح أهلنا في غزة مزيدًا من الصبر والثبات، وانصرهم على عدوهم يا قوي يا متين.