د. كمال أصلان – الشرق القطرية
تُعدُّ عودة سوريا إلى السوريين حلمًا طال انتظاره بعد سنوات من الصراع، والدمار الذي خلّفه حكم بشار الأسد، فمنذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، شهدت البلاد معاناة عميقة نتيجة القمع الوحشي للنظام، والتدخلات الخارجية، والصراعات المسلحة التي أرهقت الشعب السوري، ودمّرت البنية التحتية للبلاد. ومع خلع بشار الأسد، تفتح سوريا صفحة جديدة تُتيح للسوريين استعادة وطنهم، والعمل على بناء مستقبل أكثر إشراقًا. لكن هذه المرحلة تفرض تحديات كبيرة، وتستلزم دورًا محوريًا من كل الأطراف لتحقيق المصالحة الوطنية، وإعادة الإعمار.
مرحلة ما بعد خلع النظام: تحديات الحاضر وآمال المستقبل
بعد خلع بشار الأسد، ستواجه سوريا جملة من التحديات التي تتطلب جهودًا جماعية من الشعب السوري، والمجتمع الدولي، منها:
1. تحقيق الاستقرار السياسي: من خلال تأسيس حكومة انتقالية تُمثّل كافة أطياف الشعب السوري، بعيدًا عن النزاعات الطائفية، أو الأيديولوجية. ويجب أن تكون هذه الحكومة قادرة على إدارة المرحلة الانتقالية بفعالية، من خلال وضع دستور جديد يضمن الحريات، والعدالة، والمساواة.
2. إعادة الإعمار الاقتصادي والبنية التحتية: فالحرب تركت دمارًا هائلًا في المدن السورية، ويحتاج السوريون إلى خطط إعادة إعمار طويلة الأمد تشمل تأهيل المدن، وبناء المرافق العامة، واستعادة الخدمات الأساسية؛ مثل: الصحة والتعليم. ويمكن أن يكون للمجتمع الدولي دور كبير في توفير الدعم المالي، والخبرات الفنية لتحقيق ذلك.
3. مواجهة الانقسامات الاجتماعية: فالحرب لم تكن فقط صراعًا سياسيًا، بل عمّقت الانقسامات الاجتماعية والطائفية بين السوريين، ويجب أن تسود جهود المصالحة الوطنية على أي اعتبار آخر، من خلال حوارات شاملة، وبرامج دعم نفسي، ومجتمعي للمتضررين.
4. عودة اللاجئين والنازحين: فأكثر من نصف الشعب السوري أصبح نازحًا أو لاجئًا، ومن ثمّ عودة هؤلاء إلى ديارهم تتطلب توفير الأمن والخدمات الأساسية، إضافة إلى ضمان حقوقهم في المشاركة في إعادة بناء سوريا الجديدة.
5. التعامل مع المجموعات المسلحة والمناطق الخارجة عن السيطرة: فوجود الميليشيات المسلحة، والجماعات المتطرفة يمثل تحديًا أمنيًا كبيرًا. لذا، ينبغي العمل على تفكيك هذه الجماعات، ودمج الأفراد الراغبين في العودة إلى الحياة المدنية في برامج تأهيل اجتماعي، واقتصادي.
الدور المطلوب من السوريين في المرحلة القادمة
1. تعزيز الوحدة الوطنية: تحتاج سوريا الجديدة إلى طي صفحة الماضي المظلم، والابتعاد عن النزاعات الطائفية والعرقية. السوريون مطالبون بالعمل سويًا كمواطنين تجمعهم رؤية واحدة لمستقبل وطنهم.
2. دعم الديمقراطية وسيادة القانون: الديمقراطية هي الأساس الذي يمكن أن تُبنى عليه دولة سورية حديثة، ويتطلب ذلك احترام حقوق الإنسان، وإجراء انتخابات نزيهة، وإرساء نظام قضائي عادل.
3. إعادة بناء المجتمع المدني: فالمنظمات غير الحكومية والجمعيات الأهلية لها دور مهم في تقديم المساعدات، وتعزيز الحوار المجتمعي، ودعم مشاريع التنمية المستدامة.
4. الاستثمار في التعليم والتنمية البشرية: فالتعليم هو مفتاح بناء الأجيال القادمة، ومن ثمّ يجب التركيز على إصلاح النظام التعليمي ليواكب التحديات الجديدة، مع توفير فرص تدريب، وتأهيل للشباب السوري لدخول سوق العمل، والمساهمة في بناء الوطن.
5. تعزيز دور المرأة والشباب: المرأة والشباب يمثلان شريحة كبيرة ومهمة في المجتمع السوري، فيجب إشراكهم في الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية لتحقيق التنمية الشاملة.
إن إعادة بناء سوريا لا تقع على عاتق السوريين وحدهم؛ فالمجتمع الدولي يتحمل مسؤولية كبيرة في تقديم الدعم اللازم للبلاد، يشمل ذلك: تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة للمتضررين، ودعم عمليات المصالحة الوطنية والحوار السياسي، وتوفير التمويل والخبرات لإعادة الإعمار، ومساعدة سوريا في التخلص من النفوذ الأجنبي والتدخلات العسكرية الخارجية.
أقول: إن عودة سوريا إلى السوريين بعد خلع بشار الأسد تمثل فرصة فريدة لإعادة بناء وطن يقوم على أسس العدالة، والحرية، والديمقراطية. ورغم التحديات الكبيرة، فإن إرادة الشعب السوري، وقدرته على الصمود تشكل الركيزة الأساسية لتحقيق هذا الهدف، ويتطلب النجاح تعاون الجميع، من الداخل والخارج، لتحقيق الحلم السوري بوطن آمن، ومستقر يليق بتضحيات أبنائه.