د. كمال أصلان – الشرق القطرية
شهد العالم تغيرات جذرية في العقود الأخيرة، حيث تعرضت الأسرة لتحديات كبيرة بسبب التأثيرات الغربية، التي أدت إلى تحولات عميقة في البنية الأسرية والقيم الاجتماعية.
ففي حين كانت الأسرة التقليدية قائمة على الزواج بين الرجل والمرأة، والاعتماد المتبادل بين أفراد الأسرة، شهدت المجتمعات الغربية تحولات كبيرة نتيجة الثورة الصناعية، والتحولات الفكرية، والاجتماعية، وبدأت الأفكار الفردانية بالانتشار، حيث أصبح التركيز على الفرد وحقوقه أكثر من التركيز على الأسرة كمؤسسة جماعية.
والفكر الفرداني هو أحد أعمدة الثقافة الغربية الحديثة، حيث يركز هذا الفكر على حقوق الفرد وحرياته، دون اعتبار كافٍ للتوازن الذي توفره الأسرة. وبدأ هذا الاتجاه بالظهور منذ عصر التنوير، وتعزز مع الحركات النسوية، التي سعت لتحرير المرأة من أدوارها التقليدية في الأسرة. وعلى الرغم من المكاسب المهمة التي حققتها المرأة، إلا أن التركيز المفرط على الاستقلال الفردي أدى إلى إضعاف الروابط الأسرية.
وفي ستينيات القرن العشرين كانت الثورة الجنسية نقطة تحول كبيرة في تفكيك الأسرة التقليدية، حيث شجعت هذه الثورة على الحرية الجنسية خارج إطار الزواج، مما أدى إلى انتشار العلاقات غير الشرعية، وزيادة معدلات الطلاق، وانخفاض الالتزام بالزواج كعقد اجتماعي. علاوة على ذلك، ساهمت الثورة الجنسية في تغيير النظرة إلى الأسرة، حيث أصبح يُنظر إليها على أنها قيد على الحريات الفردية.
كما لعبت وسائل الإعلام الغربية دورًا كبيرًا في نشر أفكار تتعارض مع القيم الأسرية التقليدية، فالأفلام والمسلسلات تُظهر الأسرة التقليدية في كثير من الأحيان ككيان قمعي، بينما تُبرز الأفراد المستقلين الذين يتحدون الأعراف الاجتماعية كأبطال. علاوة على ذلك، يتم الترويج لنماذج أسرية غير تقليدية كأمر طبيعي أو حتى مثالي، مما أدى إلى زعزعة مفهوم الأسرة لدى الأجيال الصاعدة.
وساهمت القوانين والتشريعات الغربية، أيضًا، في تفكيك الأسرة، على سبيل المثال، قوانين الطلاق أصبحت أكثر سهولة، مما أدى إلى زيادة معدلات الطلاق بشكل كبير. إضافة إلى ذلك، تم تقنين المثلية الجنسية، والزواج المثلي في العديد من الدول الغربية، مما أدى إلى تغييرات كبيرة في بنية الأسرة التقليدية.
كذلك النظام التعليمي الغربي ساهم في تشكيل عقول الأجيال الجديدة وفقًا لأفكار بعيدة عن القيم الأسرية التقليدية، حيث يتم تعليم الأطفال في سن مبكرة مفاهيم تتعلق بالجندر والهوية الجنسية التي تتناقض مع القيم الأسرية المحافظة. هذا أدى إلى نشوء أجيال غير متصالحة مع فكرة الأسرة التقليدية.
كل ذلك كان له تأثيرات سلبية أدت إلى تدمير الأسرة، منها:
- تدهور العلاقات الإنسانية؛ فمع تراجع دور الأسرة، ازدادت حالات العزلة الاجتماعية والوحدة، فالأسرة كانت دائمًا مصدرًا للدعم العاطفي والاجتماعي، ومع غياب هذا الدعم، أصبحت المجتمعات تعاني من تفشي مشكلات مثل الاكتئاب والقلق.
- زيادة معدلات الجريمة والانحراف؛ حيث أثبتت الأبحاث أن الأطفال الذين ينشأون في أسر مفككة أكثر عرضة للجنوح والجريمة. فالأسرة توفر بيئة آمنة وموجهة لتربية الأطفال، ومع غياب هذا الدور، يواجه الأطفال صعوبات في التأقلم مع المجتمع.
- انهيار القيم الأخلاقية؛ فالقيم الأخلاقية كانت تُنقل عبر الأجيال من خلال الأسرة. ومع تراجع دور الأسرة، أصبحت الأجيال الجديدة أكثر عرضة للتأثيرات السلبية من وسائل الإعلام والثقافة الشعبية.
- أزمة الهوية؛ فتدمير الأسرة أدى إلى خلق أجيال تعاني من أزمة هوية. والأسرة كانت دائمًا مصدرًا للانتماء والهوية، ومع غياب هذا المصدر، يشعر الأفراد بالضياع.
وقد ظهرت مقاومة ومحاولات للحفاظ على الأسرة؛ منها:
1. الحركات المحافظة في العديد من الدول لمواجهة التأثيرات الغربية على الأسرة، هذه الحركات تسعى للحفاظ على القيم التقليدية وتعزيز دور الأسرة.
2. التعليم والإعلام؛ فالعديد من المجتمعات بدأت تستخدم التعليم والإعلام لنشر الوعي بأهمية الأسرة ودورها في بناء المجتمع، والتركيز على القيم الأسرية أصبح جزءًا من السياسات التعليمية في بعض الدول.
3. العودة إلى الدين؛ لأن الدين كان دائمًا مصدرًا للقيم والأخلاق، والعديد من الأفراد والجماعات يجدون في العودة إلى الدين وسيلة لحماية الأسرة من التدمير.