الإيجابية في حياة المسلم

فريق العمل
فريق العمل أكتوبر 14, 2024
محدث 2024/10/14 at 8:11 صباحًا

د. كمال أصلان – الشرق القطرية

تحدثت في مقال سابق عن موقف المسلم في المحن، وذكرت أنه يجب عليه أن يتسم بالصبر، والاحتساب، والرضا والتوكل على الله أثناء المحن. وهذا لا يعني، بطبيعة الحال، أن يكون الإنسان سلبيًا، بل مع ذلك عليه أن يتسم بالإيجابية في حياته، وبذل الوسع لمواجهة المحن والتحديات.

إن المسلم حين يواجه الصعاب والمحن، سواء كانت على المستوى الفردي، أو المجتمعي، يُدرك أن هذه التحديات ليست إلا اختبارات من الله، ووسائل للتزكية، والارتقاء الروحي، والنفسي. والمسلم الإيجابي يرى في كل محنة فرصة للتعلم والنمو، وفي كل تحدٍ فرصة لتحقيق مزيد من النجاح والاقتراب من الله، قال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) (البقرة: 286)، وهذا يجعل المسلم مطمئنًا بأنه مهما كانت التحديات التي يواجهها، فإنه قادر على مواجهتها والنجاح فيها، طالما يعتمد على الله، ويتوكل عليه.

والرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، كان نموذجًا للإيجابية، والتفاؤل حتى في أصعب المواقف، فقد كان يبث في نفوس أصحابه الأمل حتى في اللحظات التي قد تبدو للبعض مستحيلة، ففي غزوة الخندق، حين اجتمعت قريش، وأحزابها على المدينة، وظن البعض أن الأمر انتهى، كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، يبشر بفتح بلاد الشام، وفارس، واليمن. فالتفاؤل هو جزء من الإيمان بالله وبوعده، وهو ما يساعد المسلم على الاستمرار في العطاء، والعمل حتى في أصعب الظروف.

والإيجابية تتطلب من المسلم أن يسعى دائمًا لتطوير نفسه، وهذا لا يعني فقط في الجانب الديني، بل في كل جوانب الحياة، فالمسلم يجب أن يكون شخصًا متعلمًا، مثقفًا، طموحًا، يسعى دائمًا لتحسين ظروفه، وتطوير مهاراته، وقدراته، فالإسلام يشجع على طلب العلم، والسعي وراء المعرفة، بل يعتبر ذلك عبادة قال، صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة). فالتعلم وتطوير الذات هما أدوات المسلم للتغلب على التحديات وخلق فرص جديدة في الحياة.

والإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، كما قال ابن خلدون، ولا يستطيع العيش بمفرده، لذلك فإن العلاقات الاجتماعية الجيدة، والمثمرة تلعب دورًا مهمًا في دعم الإيجابية لدى المسلم، ومن العوامل المساعدة على ذلك: الأسرة، والأصدقاء، والزملاء هم جميعًا شبكة دعم يمكن أن تلهم الشخص، وتمنحه القوة للمضي قدمًا في مواجهة تحديات الحياة.

وقد حرص الإسلام على تعزيز هذه الروابط من خلال الحث على التواصل، والزيارة، والتعاون في الخير. قال عليه الصلاة والسلام: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، فالمسلم الإيجابي هو الذي يدعم الآخرين، ويستمد الدعم منهم، فيكون قوة إيجابية في مجتمعه.

ومن أهم مصادر الإيجابية في حياة المسلم العطاء للآخرين، والشعور بأن الإنسان يساهم في تحسين حياة من حوله، وذلك يمنحه شعورًا عميقًا بالرضا، والسعادة. قال صلى الله عليه وسلم: (خير الناس أنفعهم للناس). وهكذا يترك المسلم الأثر الإيجابي في مجتمعه، سواء كان ذلك من خلال الأعمال الخيرية، أو تقديم النصيحة، أو حتى الابتسامة الصادقة.

الإيجابية في حياة المسلم، إذن، ليست مجرد شعور عابر، أو لحظة تفاؤل مؤقتة، بل هي نهج حياة يرتبط بالإيمان بالله والتوكل عليه، والصبر، والتفاؤل، والعمل الجاد، وتطوير الذات، والعلاقات الاجتماعية المثمرة، والروحانية العميقة. ومن خلال هذه القيم، يستطيع المسلم مواجهة تحديات الحياة بثقة وإصرار، وتحقيق النجاح في الدنيا والآخرة.

ومن الأبيات الملهمة في ذلك، قول الشاعر:

أيـهـا الـشـاكـي ومـا بـك داءُ      كـن جـمـيـلاً تـر الوجـودَ جـميـلًا

إنَّ مـا تـخـشـاه لـيـس بـدائـمٍ      هـكـذا تـمـضي الليـالي فـُصولًا

شارك هذا المقال