د. كمال أصلان – الشرق القطرية
الشجاعة في معناها العام؛ هي شدة القلب عند البأس، والإقدام على المكاره، والمهالك عند الحاجة إلى ذلك، وثبات الجأش عند المخاوف، والاستهانة بالموت. وهي ملكة بها يقدم على أمور ينبغي أن يقدم عليها كتخليص المظلوم من يد الظالم.
وقد أمر الله، سبحانه وتعالى، المسلمين بالقتال في سبيله، والثبات عليه، والإقدام في الحروب، وعدم الجبن؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (الأنفال: 15 – 16).
وأمر اللهُ المسلمين بالثَّبات في الجهاد فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الأنفال: 45).
وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قُل قدّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان).
وقال أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، لخالد بن الوليد، رضي الله عنه: (احرص على الموت توهب لك الحياة).
وعن أنس، رضي الله عنه، قال: كان النبي، صلى الله عليه وسلم، أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق الناس قِبل الصوت، فاستقبلهم النبي، صلى الله عليه وسلم، قد سبق الناس إلى الصوت! وهو يقول: لن تراعوا، لن تراعوا! وهو على فرس لأبي طلحة عري ما عليه سرج! في عنقه سيف، فقال: لقد وجدته بحرًا، أو إنه لبحر.
ومن فوائد الشجاعة على الفرد والمجتمع:
أولًا: أنها سبب لانشراح الصدر وحصول السعادة: قال ابن القيم، رحمه الله: (فإن الشجاع منشرح الصدر، واسع البطان، متسع القلب، والجبان أضيق الناس صدرًا، وأحصرهم قلبًا، لا فرحة له ولا سرور، ولا لذة له، ولا نعيم إلا من جنس ما للحيوان البهيمي، وأما سرور الروح ولذتها، ونعيمها، وابتهاجها، فمحرم على كل جبان، كما هو محرم على كل بخيل، وعلى كل معرض عن الله سبحانه، غافل عن ذكره، جاهل به، وبأسمائه تعالى، وصفاته ودينه، متعلق القلب بغيره).
ثانيًا: الشجاعة أصل الفضائل، وتحمل صاحبها على عزة النفس وإيثار معالي الأخلاق والشيم: فمن يتصف بالشجاعة يتحلى، أيضًا، بالنجدة، وعِظَم الهمة، والثبات والصبر، والحلم، وعدم الطيش، والشهامة، واحتمال الكد، وكما قال النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).
ثالثًا: الرجل الشجاع يُحسن الظن بالله: قال ابن القيم: (والجبن خلق مذموم عند جميع الخلق، وأهل الجبن هم أهل سوء الظن بالله، وأهل الشجاعة، والجود هم أهل حسن الظن بالله، كما قال بعض الحكماء في وصيته: عليكم بأهل السخاء والشجاعة؛ فإنهم أهل حسن الظن بالله).
رابعًا: لا تتم مصلحة البلاد والسياسة إلا بالشجاعة: قال ابن تيمية: (لا تتم رعاية الخلق، وسياستهم إلا بالجود الذي هو العطاء، والنجدة التي هي الشجاعة، بل لا يصلح الدين والدنيا إلا بذلك؛ ولهذا كان من لا يقوم بهما سلبه الأمر ونقله إلى غيره، كما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (التوبة: 38 – 39).
ومن الوسائل المعينة على اكتساب الشجاعة: اللجوء إلى الله بالدعاء، والإكثار من الذكر، وترسيخ عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر، والتقرب إلى الله، والاستعانة به، وترك العجز، واتخاذ القدوة الحسنة، وعرض مشاهد الشجعان، وذكر قصصهم، وإثارة دوافع التنافس، وتنشئة الأطفال على العزة والكرامة، ومصاحبة الشجعان من الأخيار.