د. كمال أصلان – الشرق القطرية
ذكر الله تعالى الصبر والصابرين في القرآن الكريم في نيف وسبعين موضعًا، وأضاف أكثر الدرجات والخيرات إلى الصبر، وجعلها ثمرة له، فقال عز وجل: (وَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ أَىِٕمَّةً یَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا لَمَّا صَبَرُوا)، وقال تعالى: (وَلَنَجۡزِیَنَّ ٱلَّذِینَ صَبَرُوۤا۟ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ)، وقوله تبارك وتعالى: (إِنَّمَا یُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَیۡرِ حِسَاب).
وأعلى درجات الصبر هو الرضا المطلق، والاطمئنان الكامل بقدر الله، أما أن يتلقى العبد البلاء بالجزع والكفر والاعتراض على قضاء الله وقدره، ثم بعد ذلك يقول أنا صابر، فهذا ليس صبرًا يثيب الله عليه أهل البلاء.
والصبر وسيلة طيبة يستعان بها على الخير (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱسۡتَعِینُوا۟ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِینَ).
وعن أنس، رضي الله عنه، قال: مرّ النبي، صلى الله عليه وسلم، على امرأة تبكي عند قبر، فقال: اتقي الله واصبري، فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها إنه النبي، صلى الله عليه وسلم، فأتت النبي، صلى الله عليه وسلم، فلم تجد عنده بوّابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى).
وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: (يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة).
والصبر يمكننا من النهوض بأعباء الفضائل الأخرى التي تتطلب احتمال المشاق، فالثبات يوم الزحف يتطلب الصبر على الرباط، وبر الوالدين يحتاج إلى الصبر على احتمال رعايتهما، وكفالة اليتيم تحتاج إلى الصبر على النهوض بمطالبه حتى يلي شؤون نفسه، والحج والصيام، والتعليم والعمل كل ذلك يحتاج إلى الصبر كشرط للنجاح فيه.
وفي حالات الحرمان من المواهب الجسدية، أو من الولد والمال، يكون الصبر الفضيلة التي يعتصم بها المسلم ضد مزالق السخط، والطريق الذي يصون دينه، وهدوءه النفسي.
وليس معنى هذا أن الصبر يوجب على المسلم الاستسلام، فالمسلم إذا استطاع أن يعمل شيئًا لدفع البلاء يفعل، وإنما يكون الصبر على ألم ليس إلى العبد إزالته.
والصبر له أقسام، ذكرها أبو الحسن الماوردي (450ه) في ستة أقسام:
الأول: الصبر على امتثال ما أمر الله تعالى به، والانتهاء عمّا نهى الله عنه، لأنه به تخلص الطاعة، وبه يصح الدين، وتؤدى الفرائض ويستحق الثواب.
الثاني: الصبر على ما تقتضيه أوقاته من رزية قد أجهده الحزن عليها، أو حادثة قد كدّه الهم بها، فإن الصبر عليها يعقبه الراحة، ويكسبه المثوبة عنها.
الثالث: الصبرعلى ما فات إدراكه من رغبة مرجوة، وأعوز نيله من مسرّة مأمولة، فإن الصبر عنها يعقب السلو منها، والأسف بعد اليأس خرق.
الرابع: الصبر فيما يخشى حدوثه من رهبة يخافها، أو يحذر حلوله من نكبة يخشاها، فلا يتعجل همّ ما لم يأت، فإن أكثر الهموم كاذبة، وإن الأغلب من الهمّ مدفوع.
الخامس: الصبر فيما يتوقعه من رغبة يرجوها، وينتظر من نعمة يأملها، فإنه إن أدهشه التوقع لها، وأذهله التطلع إليها انسدت عليه سبل المطالب، واستفزه تسويل المطامع، فكان أبعد لرجائه، وأعظم لبلائه
السادس: الصبر على ما نزل من مكروه، أو حلّ من أمر مخوف، فبالصبر في هذا تنفتح وجوه الآراء، وتستدفع مكائد الأعداء، فإن من قلّ صبره عزب رأيه، واشتد جزعه، فصار صريع همومه، وفريسة غمومه.
والمرء محتاج إلى الصبر في كل الأحوال؛ فهو يحتاج إليه في السراء، كما يحتاج إليه في الضراء. بل هو إليه في السراء أحوج، فالرجل كل الرجل من يصبر على العافية.
وكما قال الشاعر: الصبرُ أفضلُ شيءٍ تستعينُ به على الزمانِ إِذا ما مسَّكَ الضررُ.