د. جمال نصار – الشرق القطرية
الرضا هو سرور القلب بالقضاء، والرضى بما أنتَ فيه من السراء والضراء، وبما قسمه الله لك.
ومن رضي بالله تعالى ربًا؛ وَجَدَ حلاوةً في الرضا بالقضاء والقدر، ومَنْ رضي بالإسلام دينًا؛ وَجَدَ حلاوةً في اتباع الشريعة، والعملِ بها، والتحاكمِ إليها، ومَنْ رضي بالنبي صلى الله عليه وسلم رسولاً؛ وَجَدَ حلاوةً في اتباع سنته، والتزام هديه.
والرضا هو الوقوف الصادق مع مراد الله، من غير تردد في ذلك ولا معارضة، فيقف العبد حيثما وقفه ربه لا يطلب تقدمًا ولا تأخرًا، وهذا يكون فيما يقفه فيه من مراده سبحانه الكوني الذي لا يتعلق بأمر ولا نهي، وأما إذا وقفه في مراد ديني فكماله بطلب التقدم فيه دائمًا.
والقناعة من أسباب سعادة الإنسان في هذه الدنيا، فمتى تحققت له بعثت في نفسه السكينة والراحة، وقد رغّب القرآن الكريم فيها، ومِن ذلك، قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل: 97). روي عن علي بن أبي طالب، ومحمد بن كعب، والحسن البصري في تفسير الحياة الطيبة: أنها القناعة.
ومن أعظم نماذج الرضا بالقضاء: لَمَّا رَحَل إبراهيم، عليه السلام، بزوجه هاجر وولده إسماعيل إلى مكة المُقفرةِ من الماء والزرع، الخالية من الأحياء، ثم تركهما، وتوجَّه نحو الشام تعلَّقت به، ونادته من ورائه: (يَا إِبْرَاهِيمُ! إلى مَنْ تَتْرُكُنَا؟ قال: إلى اللَّهِ، قالت: رَضِيتُ بِاللَّهِ) رواه البخاري.
وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، قنوعًا زاهدًا، فكان من أبعد الناس عن ملذات الدنيا، وأرغبهم إلى الآخرة، وقد خيّره ربه جلَّ وعلا بين الدنيا، وأن يعيش فيها ما شاء، وبين الآخرة، فاختار الآخرة وما عند الله، وخيَّره أن يكون ملِكًا نبيًّا أو عبدًا نبيًّا، فاختار أن يكون عبدًا نبيًّا.
وعن عائشة، رضي الله عنها، زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، قالت: “لقد مات رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وما شبع من خبزٍ وزيت، في يوم واحد، مرتين”.
وكان السلف، رضي الله عنهم، يتواصون بالرضا وتربية النفس عليه، لعلمهم بعلو منزلته، فهذا عمر الفاروق، رضي الله عنه، يكتب إلى أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، فيقول: “أما بعد، فإن الخير كله في الرضا، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر”.
وكان من وصايا لقمان، عليه السلام، لولده: “أوصيك بخصال تقربك من الله وتباعدك من سخطه: أن تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وأن ترضى بقدر الله فيما أحببت وكرهت”.
ومن فضائل الرضا: أنه سببٌ لمغفرة الذنوب: كما جاء في الحديث: “من قال حين يسمع المؤذن: رضيت بالله ربا، وبمحمد رسولا، وبالإسلام دينًا؛ غُفر له ذنبه”، والرضا سببٌ لوجوب الجنة لصاحبه: عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: (يا أبا سعيد! من رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا؛ وجبت له الجنة)، والراضي بقضاء الله أغنى الناس: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتق المحارم؛ تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك؛ تكن أغنى الناس)، والراضي يتذوق طعم الإيمان: لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: (ذاق طعم الإيمان؛ من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا) رواه مسلم.
ومن الأسباب المعينة على اكتساب الرضا والقناعة: الاطلاع على سيرة السلف الصالح، وزهدهم وقناعتهم، والاقتداء بهم، والإلحاح في الدعاء بأن يرزقه الله القناعة، كما فعل ذلك الرسول، صلى الله عليه وسلم، وتعويد النفس على القناعة، والبعد عن الحرص والطمع، والاقتصاد في الإنفاق، وعدم الإسراف والتبذير، والاعتقاد بأن الله سبحانه جعل التفاوت في الأرزاق بين الناس لحكمة يعلمها، وأن يعلم أنَّ في القناعة عزة للنفس، وفي الطمع ذل ومهانة.
إنَّ من وطَّن نفسه على الرضا عاش في الدنيا حياة طيبة، ولم تعرف الهموم والأكدار إلى قلبه سبيلاً، فقد رضي الله عنه، ورضي هو عن الله. نسأل الله أن يرزقنا الرضا والقناعة بما قسمه لنا، وأن يجعلنا من الشاكرين لنعمه التي لا تُعدّ ولا تُحصى.