د. جمال نصار – عربي بوست
أدلى وزير المالية المصري محمد معيط بتصريحات يوم الثلاثاء 30 أغسطس/ آب 2022، ولم تكن الأولى من نوعها، وأظن أنها لن تكون الأخيرة، لإحدى القنوات التلفزيونية الموالية للنظام، والتي قال فيها إن المديونية الخارجية لمصر تبلغ 83 مليار دولار، وذلك خلافًا لما هو متداول، وخلافًا، أيضًا، لكافة التقارير السابقة التي تُكذّب هذا الادعاء، وهي محاولة للتدليس على الشعب المصري. واللافت للنظر أنه قال: “إن مصر تعتبر من أفضل دول العالم من حيث العجز في الموازنة”!
أرقام كاشفة وحقائق دامغة
كل البيانات والإحصاءات المحلية والدولية تؤكد زيف ما صرّح به وزير المالية، فبحسب أحدث نشرة إحصائية صادرة عن البنك المركزي المصري التي صدرت في أواخر تموز/ يوليو 2022، فإن الدين العام الخارجي لمصر ارتفع خلال العام المالي الماضي (من يونيو 2021 إلى يونيو 2022) بواقع 19.9 مليار دولار أمريكي، أي بنسبة 14.5% مقارنة بما كان عليه في العام السابق.
أما إجمالي الدين العام المحلي في مصر فلا يزال أكبر من الخارجي حيث يبلغ 4.7 تريليونات جنيهًا مصريًا، وهو ما يعادل 247 مليار دولار أمريكي بأسعار الصرف الحالية، ويمثل الدين المحلي وحده أكثر من 81% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وقد أشارت وكالة “ستاندرد آند بورز” العالمية للتصنيف الائتماني في تقرير لها في شهر نيسان/ أبريل 2022 كشف أن إجمالي الديون السيادية لمصر يتوقع أن تصل مع نهاية العام الحالي 2022 إلى 391.8 مليار دولار أمريكي، بعد أن كانت عند مستوى 184.9 مليار دولار فقط في العام 2017.
كما تبين من التقرير الدولي أن مصر تستحوذ على 0.6% من إجمالي الديون التجارية في العالم، وهي نسبة مرتفعة إذا ما قورنت بالعديد من الدول المماثلة لمصر، أو إذا ما قورنت بالاقتصادات الناشئة، حيث تشكل تركيا مثلاً 0.3% فقط من إجمالي الديون التجارية في العالم، وكذلك باكستان تُشكل النسبة ذاتها.
ويتوقع التقرير أن تقترض مصر 73 مليار دولار أمريكي خلال العام الحالي 2022، كما يقول التقرير إن القروض السيادية الإجمالية لمصر ستبلغ مع نهاية العام الحالي 391.8 مليار دولار، مقارنة مع 348.4 مليارًا مع نهاية العام 2021، أي أن الديون السيادية سوف ترتفع بواقع 43.4 مليار دولار، على الرغم من أن مصر ستقترض 73 مليارًا، وهذا يعني أن نحو 30 مليارًا من الديون الجديدة ستذهب للوفاء بديون سابقة.
وبهذه الأرقام فإن مصر ستصبح أكبر دولة مدينة في منطقة الشرق الأوسط، وسوف تكون أحد أكبر طالبي الديون في العالم، حيث يقول تقرير “ستاندرد آند بورز” إن مصر سوف تقترض هذه المبالغ العملاقة عبر إصدار سندات بقيم كبيرة، وسوف تكون أكبر طالب لهذه الديون في الشرق الأوسط، وأوروبا، وشمال أفريقيا.
وبدأت المؤشرات التحذيرية في الظهور بشأن الديون المصرية، مما زاد مخاوف المستثمرين من أن البلاد قد تتجه نحو التخلف عن السداد، بحسب تقرير لوكالة (بلومبرغ) الأمريكية.
حينما يعتاد المسؤولون على الكذب على شعوبهم
لا شيء في دنيا الناس أفظع سلوكًا، وأكبر خطيئة، من أن يكذب عليك المسؤول الذي تنتظر منه أن يحل مشاكلك، ويوفر لك الحد الأدنى من الحياة الكريمة. لقد انتشر الكذب في أوساط السياسيين والمسؤولين بشكل كبير ولافت، ويستغلون جهل الناس بالحقائق، وانشغالهم بالسعي لتوفير لقمة العيش.
إنهم يكذبون، فيقولون ما لا يفعلون، ويدَّعون ما لا يستطيعون، ويتظاهرون بالقدرة على تحقيق المستحيل، ويمررون هذا الكذب في بياناتهم وتصريحاتهم، بكل لباقة وأحيانًا بخفة دم ممجوجة. وإذا اعترض عليهم مُعترض، استنفروا من أتباعهم من يزكي كذبهم، ويحوِّل سقطتهم إلى إنجاز يصفق له بقية التابعين والموالين.
لقد أصبح الكذب السياسي جزءًا أصيلًا ومتأصلًا في الفعل السياسي، والبنية السياسية للأنظمة الحاكمة أيًا كانت أشكالها (استبدادية، أو ديموقراطية، أو ليبرالية، أو شمولية،)، هذه البلوى التي كانت، ولا تزال، وراء أكبر المصائب والمعاناة التي عرفتها الشعوب عبر التاريخ، وازدادت اليوم بعد أن كثُر المقترفون لهذه الجريمة السياسية من عديمي الضمير الأخلاقي، والذين يروجون لكذبهم بوسائل مختلفة لإيهام الشعوب بأنهم يقولون الحقيقة، ويسعون لقضاء مصالحهم، وهذا ما يخالف الحقيقة والواقع الذي يراه الناس ويلمسونه في غلاء كل شيء.
دور الإعلام في قلب الحقائق
يعدّ الإعلام المؤثر الأول والمباشر في حياة الأفراد والمجتمعات، ويتطلب ذلك من الإعلام الشفافية التامة في نقل المعلومات، والرسالة المرجو وصولها للأفراد بالاعتماد على الوسائل المتوفرة، وكما يتطلب ذلك أن يكون كل ما يتعلق بوسيلة الإعلام المستخدمة واضح المعالم معروفًا لدى الجمهور، ولا يكتنفه الغموض.
والإعلام هو التعبير الموضوعي لعقلية الجماهير ولروحها وميولها واتجاهاتها في نفس الوقت، ولكن هذا التعريف شابهه الكثير من القصور، وذلك لأن الإعلام قد يعبر عن عقلية الجماهير، وقد يعبر عن عقلية السلطة، ولا يلقي بالاً للجماهير، وقد يعبر عن العقلية دون الميول، وقد يعبر عن الميول والشهوات دون العقلية.
غير أننا نجد أن الإعلام العربي في مجمله، والمصري خصوصًا، يلعب دورًا سلبيًا في بنائه للوعي، ونقل الحقائق والترويج للمسؤولين، حتى مع كذبهم، فأصبح التضليل والتحيز في العمل الإعلامي هو الأصل الآن في التعامل مع الأخبار المتعلقة بحياة الناس. ومن ثمَّ نرى أن الإعلام بكل برامجه، ونشراته، وحواراته يصُب في اتجاه واحد فقط، وهو خدمة النظام الحاكم، والترويج لكل ما يقوله بالحق والباطل. وهناك برامج بعينها تمثل الريادة في هذا المجال، وتعتبر الصوت الكاشف لسياسة الحكومة، وخطط النظام، مهما كان ذلك ضد مصلحة الشعب، أو أخذًا من حقة.
هل المواطن يصدق هذا الكذب؟!
في الغالب ينفر كثير من الناس من البرامج الحوارية التي تجرى على الشاشات العربية لأنهم غالبًا لا يثقون بالمتحاورين الذين هم في الغالب من كبار المثقفين والأكاديميين، ناهيكم عن المذيع والإعلامي الذي يسير في فلك السلطة، ويُوجّه الضيف لما يريده. والسبب أن المواطن البسيط لم يعد يثق بهؤلاء جميعًا، الذين يمثلون لسان النظام وسياساته، على اعتبار أن الجميع يلهثون وراء مصالحهم ولديهم الاستعداد للتخلي عن وطنهم مقابل هذه المصالح.
وفي بعض الأحيان يتسلى بعض المشاهدين بمتابعة هذه البرامج لتضييع الوقت ليس إلّا، مع كمون الحقيقة في داخله، ومعرفته أن هذا المسؤول أو ذاك اعتاد الكذب، ولن ينفك عنه، إلا بمغادرة السلطة. وما يمنع المواطن في التحرك والفعل في كثير من الأحيان السطوة الأمنية التي تتحكم في رقاب الناس، وتحاربهم في أرزاقهم.
ولكن بعد وقت ربما يحدث الانفجار الذي لا يُحمد عقباه، نتيجة لتلك السياسات، والممارسات التي تمنع المواطن البسيط من الحصول على مستحقاته، والعيش في أمان وفي حرية، وتجعله دائمًا في عوز واحتياج، ناهيكم عن تدمير مستقبله، ومصادرة حاضره.