الوقت هو الحياة، فإن ضيّعناه فقد نُضيّع حياتنا، وإن استثمرناه بشكل مفيد نبني به حياتنا، وكما يقولون الواجبات أكثر من الأوقات. ومن هنا حضّ الإسلام على المُبادرة بالعمل الصالح وعدم ضياع أي لحظة من لحظات العمر في غير ما يفيد، ومن مظاهر هذا ما جاء في حديث البخاري: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ”، وقد كان السلف رضوان الله عليهم يعرفون قيمة الزمن وأهميته، قال شعبة: “لا تجلســـوا فارغين فإن الموت يطلبكـــم”، وقال الحسن: “ابن آدم إنما أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك”، وقال عمر بن عبدالعزيز: “إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمــل فيهمــا”.
فالحرص على الوقت من شيم الرجال، الذين لا يفرطون في كل دقيقة حتى لا تمضى دون عمل نافع في الدنيا والآخرة. بينما نرى في حياتنا أشخاصًا آخرين يُضيّعون أوقاتهم في غير فائدة، وهؤلاء لا يعرفون قيمةً للوقت أو لحياتهم، فيهدرون أوقاتهم بكل سهولة، والأعجب منهم، من ينفق ماله في إضاعة وقته! ونوع آخر من الناس يقضون أوقاتهم في التفاهات التي ربما لا تفيد، والاستمرار فيها لفترات أزيد من المعقول يعتبر مضيعة للوقت، مثل الجلوس طويلًا في المقاهي وأماكن اللهو، والإسراف في ذلك!
إنني أدهش أيضًا من الشباب خصوصًا، الذين لا يعرفون كيف يستغلون وقتهم في شيء نافع، فيدركهم الملل والضجر، ويخرجون من بيوتهم بلا هدف، يبحثون عن وسيلة يتخلصون بها من ذلك الملل، ويفرحون إذا ما وجدوا شيئًا يقتلون به الوقت! ألا يعلم هؤلاء أن قتل الوقت هو قتل لجزء مُهم في حياتهم، فهؤلاء لا يدركون بعد طعم الحياة الحقيقية، كما لم يدركوا الهدف الذي من أجله خلقهم الله! ومن أمثلة إضاعة الوقت: الأحاديث العادية المملّة، وقد تكون في أمور تافهة لا تفيد قائلها ولا سامعها! أو شخص يُسأل في موضوع ما، فبدلًا من أن يجيب بكلمة، يحوّل الإجابة إلى محاضرة.
الإنسان الحكيم يقيم توازنًا في توزيع وقته، وكما قال سليمان الحكيم “لكل شيء تحت السموات وقت: للكلام وقت، وللصمت وقت”. لذلك فلا يكون اللهو في وقت الاستذكار، ولا قراءة الجرائد في وقت العمل، ولا المزاح في وقت الجدية.. بل يختار الشخص العمل المناسب في الوقت المناسب. وعلى كل شخص أن يراعي العدل في توزيع الوقت على كافة واجباته ومسؤولياته، بحيث لا يهمل أيًا منها بسبب انشغاله بغيرها.
إن التوازن بين وقت التعب ووقت الراحة، أمر مهم في حياة كل إنسان. فلا يتمادى في الراحة بحيث يصل إلى الكسل والخمول. ولا يتمادى في التعب بحيث يصل إلى الإنهاك والإجهاد. فيكون له وقت للتفكير العميق، ووقت للاسترخاء من كدّ الذهن.
ومن عوامل تضيـيع الأوقات عدم وجود أهداف أو خطط وهذا يجعل حياة الإنسان متخبطة لا يعرف لها هدفًا فلا يركّز على أعمال معينة بل يجرّب كل شيء ويعمل كل شيء، والنتيجة أنه لا ينتج أي شيء، وأيضًا التكاسل وتأجيل العمل، وهذا أشد معوقات تنظيم الوقت واستغلاله، وكذلك النسيان وهذا يحدث لأن الشخص لا يدوّن ما يريد إنجازه، فيُضيّع بذلك الكثير من الواجبات، وكثير من الذين يدونون أعمالهم ومواعيدهم نجحوا في تجاوز مشكلة النسيان.
لقد اهتم الإسلام بالوقت، وأقسم الله به في آيات كثيرة، فقال تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خُسر}. والذي يجب أن نعلمه ونعقله أن حياتنا هذه ليست سُدى! وأن الله أَجَلُّ من أن يجعلها كذلك، وإذا انتفعنا بمرور الزمن على خير وجه سجَّلنا لأنفسنا خلودًا في الآخرة ونفعًا في الدنيا. ومن ثمَّ وجب علينا أن نعطي للوقت والزمن حقه من الترتيب والتنظيم حتى ننجز بشكل أفضل وبصورة لائقة. وأختم بقول الشاعر يحيى بن هبيرة:
والوقت أنفس ما عُنيت بحفظه.. وأراه أسهل ما عليك يضيع
ولعل شهر رمضان الكريم فرصة عظيمة لتوظيف واستغلال الوقت. وكل عام وأنتم بخير.