لا يزال العالم يعيش تداعيات انتشار فيروس كورونا على عدة مستويات (صحية، واقتصادية، وسياسية، واجتماعية، وبيئية، وتعليمية)، ولم يكن أكثر المتشائمين في العالم ليضع سيناريو أسوأ مما آلت إليه الأمور حتى الآن؛ فالدول ظهرت شبه عاجزة، بما فيها الدول الكبرى مثل: أميركا، وبريطانيا، والصين، وفرنسا، وألمانيا، وفي حيرة من أمرها، وباحثة عن إجابات وإجراءات تساعدها في التخفيف من تبعات هذه الجائحة.
تداعيات دولية
ففي المجال الصحي لم تصمد الدول في مواجهة هذه الجائحة بالشكل المطلوب، ومنها دول كبرى، كان يُعتقد أنها على مستوى فائق من الرعاية الصحية، ولكن سرعة انتشار الفيروس، وازدياد أعداد المصابين والوفيات، لم يمكِّن تلك الدول من المواجهة المناسبة، فما بالكم بالدول الهشّة والضعيفة، وخصوصًا التي لا تُولي أهمية كبيرة للرعاية الصحية، والأبحاث المخبرية، بسبب عدم توفير الإمكانيات لمواجهة هذه الجائحة، وصرف معظم الميزانيات في التسليح وخلافه!
وربما تقل نسبة الإصابة والتعافي في الدول التي تراعي الاحتياطات الصحية، والتباعد الاحترازي، مع التدرج في النزول لسوق العمل بشكل مدروس، وتقييم الأداء من حين لآخر، أما الدول التي تشهد حالة من الفوضى الصحية في مواجهة الفيروس، فربما تشهد انهيارات، وتفكك اجتماعي لا تحمد عقباه.
وفي المجال الاقتصادي؛ حدث انكماش غير مسبوق لدي كل الدول على مستوى العالم، تفاوتت نسبتها حسب جاهزية كل دولة وقوة اقتصادها، كما زادت نسبة البطالة بشكل كبير، وخصوصًا في الدول ذات الاقتصاد الهش، غير المتنوع.
ويخشى المستثمرون من أن يؤدي تفشي وباء كورونا إلى تدمير النمو الاقتصادي، وألا تكون الإجراءات الحكومية كافية لوقف التراجع، واستجابة لهذا الوضع، قررت البنوك المركزية في العديد من الدول خفض أسعار الفائدة.
ويتفق الجميع أن وقع التأثير الاقتصادي سيكون شديدًا وملموسًا على المدى القريب. لكن السؤال الأكثر إثارة للجدل الذي يطرحه الاقتصاديون: ما الذي سيحدث للاقتصاد العالمي على المدى المتوسط إلى البعيد؟ هل سنمر بركود يتبعه انتعاش مفاجئ بمجرد احتواء الفيروس، كما يتوقع الكثيرون؟ أم أننا سنشهد انتعاشًا بوتيرة تصاعدية أبطأ؟ هذه بلا ريب أسئلة معقدة ذات أبعاد متعددة، ولا يمكن التكهن بإجابات محددة لأن التغيرات غير متوقعة.
وفي المجال السياسي؛ نجد حالة من الارتباك الواضح على المستوى الدولي، وبروز ظاهرة الأنانية لكل دولة، وعدم التفكير بشكل جمعي بين الدول، وخصوصًا الدول الكبرى، للحد من انتشار الفيروس، أو التفكير بشكل جدي في التوصل لمصل مؤثر لمواجهة هذه الجائحة.
ومع ازدياد حالة الاستبداد والفساد، وخصوصًا في الدول التي تُحكم بأنظمة ديكتاتورية، وظهر ذلك جليًا في المنطقة العربية، فبدلًا من أن تتعاون تلك الأنظمة وتتصالح مع شعوبها، تقوم بزيادة وتيرة التضييق على المخالفين لسياساتها، واللجوء دائمًا إلى الشماعة المستهلكة، بأن هؤلاء أعداء الوطن!
وقد عبّر رئيس معهد بروكينغز “جون ألين” عن اعتقاده “أن التاريخ، كما هو معهود دائمًا، سيكتبه المنتصرون خلال أزمة فيروس كورونا”، وذكر أن هذه الأزمة “تنذر بإعادة ترتيب بنية القوى الدولية بطرق لا يمكننا أن نتخيلها، وأن فيروس كورونا سيواصل تأثيره السلبي على النشاط الاقتصادي، وسيرفع من حجم الخلافات بين الدول”.
وفي المجال الاجتماعي؛ غالبًا انتشار الأوبئة، يؤدي إلى تهديد الروابط الاجتماعية، ويطلق العنان لشكل خفي من حرب أهلية يكون فيها كل واحد حذرًا من جاره، نتيجة للاحترازات المفروضة في كل مجتمع، ولن يُستثنى مجتمع من المجتمعات من هذه التأثيرات، ولكن ربما تتفاوت نسبتها من مكان لآخر حسب إجراءات الحماية الاجتماعية التي تتخذها كل دولة على حدة.
وبحسب ما ورد في تقارير منظمة اليونسكو، فإن غياب المساواة يؤدي لتضرر فئات بعينها أكثر من الأخرى مثل العاطلين، وعمال اليومية، والنساء، واللاجئين، وذوي الاحتياجات الخاصة، وكبار السن، والمرضى، بالإضافة لمن يعيشون تحت الاحتلال، أو في مناطق الحروب، أو في دول تشهد انهيارًا اقتصاديًا، أو قلاقل سياسية.
لهذه الأسباب يُتوقع أن يكون تأثير فيروس كورونا أكثر حدة وخطورة في “الجنوب العالمي” حيث تعاني المجتمعات من أعلى مستويات اللامساواة وعدم الاستقرار.
ويمكن الوصول لتصور مبدئي لهذا التحول من خلال طرح بعض الأسئلة منها:
ماذا عن ملايين اللاجئين الذين يعيشون في مخيمات في عدة دول عربية؟ كيف يؤثر العزل على عمال اليومية؟ كيف يؤثر انتشار الفيروس على الأمان الوظيفي في المنطقة العربية ذات المعدلات الأعلى عالميًا في بطالة الشباب؟ ما أثر العزل على النساء والأطفال الذين يعانون من العنف المنزلي؟ ماذا عن المشردين؟ وماذا عن الفئات التي لا يتوفر لها رعاية صحية مجانية خاصة في الدول التي تمت فيها خصخصة قطاع الصحة، والتي حلّت فيها شركات التأمين محل النظام الصحي؟
ما مصير من يعيشون تحت الاحتلال مثل في فلسطين؟ أو من يعيشون في مناطق نزاع مثل سوريا وليبيا واليمن؟ كيف يؤثر الوباء على الأنظمة التعليمية، وما نتائج التحول المفاجئ للتعلم عن بعد؟ كيف يؤثر كل ما سبق على اللامساواة في المجتمعات؟ هل تساهم الأعمال الخيرية، أو تبرعات الأغنياء في تخفيف وطأة غياب المساواة؟
كل هذه الأسئلة وغيرها إن لم يتم التفكير في حلها بشكل علمي وعملي، فستواجه دول العالم العديد من المخاطر التي لا يمكن تخطيها لعشرات السنين، وخصوصًا الدول الأكثر ضعفًا وفقرًا، ناهيكم عن الدول المستبدة التي تحكم شعوبها بالحديد والنار.
هل الإعلام يتعمّد تضخيم الجائحة؟!
لقد مرّ العالم في التاريخ القديم والحديث بالعشرات من الجوائح التي أدت إلى خسائر فادحة في الأرواح تُقدّر بالملايين في أماكن عديدة من العالم، ولم نشهد كل هذا التهويل الإعلامي، الذي نلاحظه في كل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية!
والسؤال الجوهري الذي يطرح نفسه؛ هل تستحق جائحة كورونا كل هذا الصخب والضّجة الإعلامية، وكل هذه الإجراءات غير المسبوقة في تاريخ البشرية؟ وهل يا ترى الإجراءات التي اتخذتها الدول، وعلى رأسها العزل والتباعد الاحترازي، وتوقيف معظم النشاطات كانت فعلاً ناجعة وضرورية ومطلوبة، أم أن هناك من يحرك العالم ويدير اللعبة لأغراضه الخاصة؟!
لقد تحولت وسائل الإعلام في العالم أجمع إلى أبواق تتبارى في تقديم الأخبار العاجلة حول عدد الإصابات بالفيروس وعدد الوفيات، ولم تخل أي قناة أو صحيفة أو موقع على الانترنت، إلا وتتبارى في تقديم الأخبار العاجلة باللون الأحمر، فهل غربلت وسائل الإعلام هذه الأرقام التي تعلنها؟ وهل حللتها وشككت فيها؟ لتصل إلى الحقيقة، أم أننا يجب أن نقبل هذه الأرقام، والإحصائيات كما هي دون تمحيص؟!
واللافت للنظر في إحصائية قامت بها منظمة الصحة العالمية في أيار (مايو) 2020 تشير إلى أن عدد سكان العالم 7 مليار و783 مليونًا، ومواليد هذا العام 48 مليونًا، ووفيات كورونا 255 ألفًا، والوفيات العادية 20 مليونًا و 165 ألفًا، ووفيات بسبب تلوث المياه 300 ألف، ووفيات بسبب الكحوليات 2 مليون، والوفيات بسبب مرض السرطان 2 مليون و816 ألفًا، ووفيات بسبب التدخين 2 مليون، ووفيات حوادث السيارات 500 ألف، ووفيات بسبب الانتحار 400 ألف، والوفيات بسبب مرض الإيدز 600 ألف، و وفيات الأطفال أقل من 5 سنوات 2 مليون و 606 ألف، والوفيات بسبب الانفلونزا 650 ألفًا، ووفيات الأمراض المعدية 4 مليون ونص.
ومن ثم نجد أن الوفيات بسب فيروس كورونا أقل بكثير من الأمراض الأخرى، فلماذا تم افتعال كل هذه الضجة الدولية حول “فايروس كورونا”؟! هل بهدف السيطرة على العالم وعلى النظام العالمي بطرق جديدة؟! ربما..