منذ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين في عام 1948 لم يردع هذا الاحتلال الغاشم إلا المقاومة الباسلة سواء في فلسطين، أو التي شاركت في المقاومة من خارج فلسطين. لأن العدو الصهيوني لا يعرف إلا لغة القوة، ولم تُجْد معه أي محاولات أخرى، سواء بالضغط الدبلوماسي، أو مبادرات السلام المختلفة؛ لأنه يعتمد بدرجة كبيرة على الدعم الغربي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، والتاريخ خير شاهد على ذلك في مواقف مختلفة.
وبالنظر إلى دور السلطة الفلسطينية في مراحل مختلفة، نجد أنها في المجمل لا تخدم القضية الفلسطينية كما ينبغي، بل تحافظ بدرجة كبيرة على أمن إسرائيل، والأحداث والمواقف توضح ذلك. ولعل ما عبّر به دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق، في عام 2017 خير دليل على ذلك، حيث قال: “أُشيد بالتنسيق الأمني المستمر بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، فهم ينسجمون على نحو لا يصدق. كانت لي اجتماعات، وكنت في الحقيقة منبهرًا وإلى حدٍ ما متفاجئًا فيها من مدى انسجامهم، فهم يعملون معًا بشكل جميل”.
دور السلطة الفلسطينية في الترتيب الأمني مع إسرائيل
لقد فشلت المؤسسة الأمنية للسلطة الفلسطينية منذ تأسيسها في حماية الفلسطينيين من الاحتلال العسكري الإسرائيلي، وهو المصدر الرئيس لانعدام أمنهم. وبدلًا من تمكين الفلسطينيين من مقاومة هذا الاحتلال، ساهمت السلطة الفلسطينية في تجريم النضال الفلسطيني من أجل الحرية. وبدلاً من الاعتراف بالمقاومة كرد فعل طبيعي على الاضطهاد الذي يمارسه المحتل، تصنِّف السلطةُ الفلسطينية، كما إسرائيل والمجتمع الدولي، المقاومةَ بأنها “تمرد” أو “عدم استقرار”.
وهذا الخطاب، الذي يفضل أمن إسرائيل على حساب الفلسطينيين، يتماهى وخطاب “الحرب على الإرهاب،” ويجرِّم أشكال المقاومة كافة. وتعود هذه الدينامية إلى اتفاقات أوسلو لعام 1993، ولكنها اشتدت في الفترة الأخيرة بتطور السلطة الفلسطينية إلى “دولة” تحركها الجهات المانحة وتتبنى سياسات نفعية.
وتُعد عملية إصلاح قطاع الأمن الموجهة من المانحين المحور الرئيس لمشروع السلطة الفلسطينية لبناء الدولة فيما بعد العام 2007. وقد استحدثت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بعد تعزز فاعليتها بسبب استثمارات المانحين الهائلة فيها وسائل جديدة لحماية المحتل الإسرائيلي، وأوجدت بالتالي مساحات “مؤمَّنة” يستطيع المحتل أن يتحرك بحرية فيها تنفيذًا لمشروعه الاستعماري.
ما كان لهذا التطور أن يُفضي سوى إلى نتيجتين: تعاونٌ أفضل مع سلطة الاحتلال على نحو رسَّخ الوضع الراهن الهدام، وانتهاكٌ أكبر لأمن الفلسطينيين وحقوقهم الوطنية على يد حكومتهم وقوات أمنهم الوطنية.
وإذا أردنا أن ندرك حجم التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل، سنلاحظ أن قطاع الأمن الفلسطيني التابع للسلطة يستأثرُ بنحو نصف موظفي الخدمة المدنية، وأكثر من مليار دولار من موازنة السلطة الفلسطينية، ويتلقى نحو 30% من مجموع المساعدات الدولية المصروفة للفلسطينيين، وتفوق حصة قطاع الأمن من موازنة السلطة الفلسطينية قطاعات التعليم والصحة والزراعة مجتمعة.
ويحقق التعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية أهداف اتفاق أوسلو المتمثلة في إضفاء الطابع المؤسسي على الترتيبات الأمنية، وإطلاق عملية سلام تخضع لرقابة مُحكَمة من القطاع الأمني بهدف تمكين إسرائيل من تحقيق تطلعاتها الاستعمارية بينما تدَّعي سعيها إلى إحلال السلام.
ويتجلى ذلك في اعتقال قوات الأمن الفلسطينية الفلسطينيين للعديد من المشتبه فيهم المطلوبين إسرائيليًا، وهذا حدث مع الكثير من المناضلين الفلسطينيين، ومنهم على سبيل المثال ما حدث مع “باسل العرج”، حيث اعتقلته السلطة الفلسطينية ثم أطلقت سراحه كي تطارده القوات الإسرائيلية وتغتاله في نهاية المطاف، وقمع الاحتجاجات الفلسطينية ضد الجنود الإسرائيليين والمستوطنين، وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، وإدامة الباب الدوار بين السجون الإسرائيلية وسجون السلطة الفلسطينية، والتي يودَع فيها الناشطون الفلسطينيون مرتين بسبب الجريمة نفسها، وعقد اجتماعات وحلقات عمل ودورات تدريبية دورية مشتركة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
إبداعات المقاومة تردع العدو الصهيوني
منذ بداية شهر رمضان، حذّرت فصائل المقاومة الفلسطينية الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، من اللعب بالنار والإقدام على اقتحام المسجد الأقصى وتدنيسه وذبح “القرابين” فيه ضمن ما يسمى “عيد الفصح”، مؤكدةً في بيان لها، أنه “على قيادة العدو أن تتحمل المسؤولية كاملة عن تداعيات هذه الخطوة التهويدية الخطيرة، التي ستكون إن وقعت بداية أيام سوداء للاحتلال ومستوطنيه”.
وهذا ما حدث في رمضان الماضي حينما اندلعت “معركة سيف القدس” بين المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال، حيث كانت حركة حماس قد حذّرت حكومة بنيامين نتنياهو، حينئذ، من استمرار الانتهاكات في القدس، وأعطت الجيش الإسرائيلي مهلة ساعة للخروج من المسجد الأقصى، وحي الشيخ جراح، وإلا سيكون للمقاومة رأي أخر، لردع هذا العدوان.
ومع انتهاء المهلة في تمام الساعة السادسة مساء في يوم 10 مايو/أيار 2021، بدأت المقاومة بإطلاق رشقات صواريخ مكثفة على إسرائيل، لتشن حكومة الاحتلال حربًا جوية على القطاع استشهد فيها نحو 200 فلسطيني، فيما قتل نحو 13 إسرائيليًا في الهجمات الصاروخية للمقاومة التي طالت مناطق جديدة داخل كيان الاحتلال، قبل أن تنتهي الحرب بوساطة مصرية، في 21 من الشهر ذاته.
وقد حذرت المقاومة الفلسطينية في أكثر من بيان وتصريح للعديد من قيادتها استمرار الاحتلال في انتهاكاته للمسجد الأقصى، وفي القلب منها كتائب الشهيد عز الدين القسّام، حيث أعلنت حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، فجر الثلاثاء 19 أبريل/نيسان 2022، إطلاق صواريخ أرض – جو على طائرات إسرائيلية، شنت غارات على قطاع غزة، مما دفعها للانسحاب من أجواء غزة.
وهذا الصاروخ تم تطويره من قبل المقاومة الفلسطينية، ويُسمى “ستريلا-2″، وهو صاروخ قديم صُنع في الاتحاد السوفيتي سابقًا، ويعني باللغة الروسية السهم، وهو خفيف الوزن يحمل على الكتف، ومصمم لاستهداف الطائرات والمروحيات على ارتفاعات منخفضة، مع توجيه بالأشعة تحت الحمراء ورأس حربي شديد الانفجار، ويبلغ مداه الأقصى 3.200 متر بارتفاع يصل إلى 2000 متر، والحد الأقصى لسرعة طيران الصاروخ 385 مترًا في الثانية، ويزن الرأس الحربي للصاروخ 1.15 كغم، وطوله يبلغ 1.44 مترًا، أما قطره فيبلغ 72مم، كما أن وزنه الكلي يبلغ 21.6 كغم.
أقول: إن المقاومة الفلسطينية الباسلة وفي مقدمتها كتائب عز الدين القسام التي راكمت قوتها العسكرية، وطوّرت وضاعفت مقدراتها القتالية، وخاضت معاركها المتوالية الكبرى مع العدو، وخلال أعوام سابقة من انتصارها في معركة حجارة السجيل؛ سطرت ملاحم بطولية خالدة في معركة العصف المأكول، وحد السيف، وسيف القدس، وأكدت فيها عبر معادلاتها الجديدة وقواعد الاشتباك التي فرضتها على العدو أن الدم الفلسطيني خط أحمر، وأنه لا يمكن السكوت على ممارسات إسرائيل في القدس والأقصى، وأن الأرض حق للفلسطينيين، وأثبتت قدرتها الفائقة على إدارة معاركها مع الاحتلال بقوة وحكمة وفهم واقتدار، متيقنة بحتمية النصر، وأنها المؤتمنة على قيادة هذا الشعب حتى تحقيق طموحاته وآماله في الحرية ودحر الاحتلال.
كل التحية والتقدير للمرابطين والمعتكفين في الأقصى، من الرجال والنساء والأطفال، لردع المستوطنين المعتدين على مسرى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكل الإجلال للمقاومة الباسلة التي تحافظ على كرامة الأمة، وتحمي مقدساتها.