يسّروا ولا تُعسّروا

التيسير على الناس لا يكون على حساب الدين ومخالفة نصوصه، وإنما التيسير على الناس هو بتطبيق الإسلام؛ لأن الإسلام هو في أصوله وفي أسسه بُني على اليسر

فريق العمل
فريق العمل مايو 16, 2024
محدث 2024/05/16 at 7:21 صباحًا
Screenshot

د. كمال أصلان – الشرق القطرية

الإسلام دينُ اليسر والتيسير، وهو قائم على الرحمة، ورفع المشقة والحرج؛ ابتداءً من العقيدة وانتهاءً بأقل أمور التكاليف من الطاعات والعبادات والمعاملات، قال الله تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج:78)، وقال سبحانه (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة:185).

وقال، صلى الله عليه وسلم: (إن الله لم يبعثني معنتًا، ولا متعنتًا، ولكن بعثني معلمًا ميسرًا). وكان، صلى الله عليه وسلَم، يحبّ التيسير في كل شيء، ويكره التشديد في كل شيء؛ ففي الصحيحين عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، رضي الله عنه، قال: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبا موسى، ومعاذ بن جبل إلى اليمن، ثم قال (يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا)، فديننا دين يسر ولين، دين رحمة ومحبة، ولذلك دخل إلى القلوب، وعشقته الأرواح، وافتدته المهج والنفوس.

وعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول في بيتي هذا (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا، فرفق بهم فارفق به).

بل جاء الترغيب في التيسير على العباد حتى في الطاعات والعبادات: فعن أبي مسعود، رضي الله عنه، قال: قال رجل: يا رسول الله إني لأتأخر عن الصلاة في الفجر مما يطيل بنا فلان فيها، فغضب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما رأيته غضب في موضع كان أشد غضبًا منه يومئذ، ثم قال: (يا أيها الناس، إن منكم منفرين، فمن أمّ الناس فليتجوز، فإن خلفه الضعيف والكبير وذا الحاجة).

وفي الصيام نهى النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الوصال رحمة للمسلمين، فقالوا: إنك تواصل! قال: (إني لست كهيئتكم؛ إني يطعمني ربي ويسقيني).

وفي الحج يسّر أفعال الحج رحمة بأمته؛ فعن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقف في حجة الوداع، فجعلوا يسألونه، فقال رجل: لم أشعر، فحلقت قبل أن أذبح، “قال: اذبح ولا حرج”، فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، “قال: ارم ولا حرج”، فما سُئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا “قال: افعل ولا حرج”.

ومن معالم التيسير ورفع الحرج في المعاملات:

‌أن رغّب الإسلام في التسامح في البيع والشراء، كما قال، صلى الله عليه وسلم: “رحم الله رجلا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى”.

‌وأباح الملكية الفردية وحثّ الإنسان على السعي في الأرض وإعمارها، واستغلال خيراتها، وحرّم الاعتداء عليه، وأن يسلبه أحد ماله.

‌وأباح مع ضمان حرية الدعوة إلى الإسلام، وتحقيق منهج الله في الأرض، وإعلاء كلمة الله أباح مع ذلك تبادل المعارف والخبرات والمعاملات مع المشركين، إذا لم يكن ذلك ناتجًا عن ميل قلبي لهم، قال تعالى: (لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8).

ومن معالم التيسير ورفع الحرج في فقه الأسرة والأحوال الشخصية:

‌أن أباح الإسلام للرجل النظر للمخطوبة قبل أن ينكحها حتى تتم بينهما الألفة مستقبلا، فعن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل)، قال: فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها.

‌وعندما يقع بين الزوجين ما يُنغِّص عليهما حياتهما مما يجعله مصدرًا للشقاء والتعاسة أباح الطلاق وجعله مراحل، وهذا يدل على سماحة الإسلام ويسره.

فالحذر كل الحذر من أن نكون سببًا في تنفير الناس والمشقة عليهم؛ فإن الشرع الشريف قد حذَّر من ذلك أشد التحذير: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (من ضار أضر الله به، ومن شاق شاق الله عليه).

وهذا التيسير على العباد لا يكون على حساب دين الله وشريعته: قال العلامة “الألباني”،رحمه الله: “فيجب أن نعلم أن التيسير على الناس لا يكون على حساب الدين ومخالفة نصوصه، وإنما التيسير على الناس هو بتطبيق الإسلام؛ لأن الإسلام هو في أصوله وفي أسسه بُني على اليسر، فإذا حرَّم الله شيئًا؛ فليس معنى ذلك أنه عَسِر علينا؛ لأنه حينما يحرم علينا أمرًا ما، فذلك لصالحنا في الدنيا قبْل الآخرة”.

شارك هذا المقال