د. جمال نصار – عربي21
بعد منافسة شديدة فاز الرئيس أردوغان في الجولة الثانية بنسبة (52.18٪) على منافسه رئيس حزب الشعب الجمهوري (الكمالي العلماني) كمال كليتشدار أوغلو الذي حصل على (47.82٪)، على الرغم من استخدام معارضيه في الداخل والخارج لكل الوسائل، والدعاية المغرضة للتخلص منه، وإزاحته عن حكم تركيا، ولكن إرادة الشعب التركي كانت حاضرة لكي تدعم مسيرة النهضة والتطور، وتقف حجر عثرة ضد المكائد والمؤامرات التي تُحاك لتركيا.
ولم يكن أردوغان الذي جاء من الطبقة المتوسطة البسيطة أن ينسى المظلومين على مدار تاريخه السياسي الذي امتد لأكثر من 50 عامًا، حيث بدأ نشاطه السياسي في سن مبكرة (18 عامًا) بعد انضمامه عام 1972 إلى حزب “السلامة الوطنية” بزعامة معلمه نجم الدين أربكان، وشارك في تأسيس حزب “الرفاه” مع أربكان عام 1983، ليصبح بعدها رئيس فرع “باي أوغلو” في إسطنبول عام 1984، ثم رئيسًا للحزب في مدينة إسطنبول، وعضوًا في اللجنة الإدارية للقرارات المركزية للحزب عام 1985.
وبعد أن لمع نجم أردوغان في الساحة السياسية التركية، رشحه حزب “الرفاه” عندما كان عمره 30 عامًا لعضوية البرلمان في انتخابات 1987، لكن لم يحالفه الحظ، وتمكّن من الفوز برئاسة بلدية إسطنبول عام 1994، والتي مهّدت له الطريق لتولي سدة الحكم في البلاد حتى الآن.
ونجح أردوغان خلال توليه رئاسة بلدية إسطنبول في تحقيق إنجازات زادت من رصيد شعبيته في عموم تركيا، لكنه عُزل من منصبه عام 1998 بتهمة التحريض على الكراهية الدينية، وحُكم عليه بالسجن بالإضافة إلى منعه من الترشح للانتخابات العامة، والعمل في الوظائف الحكومية إثر إلقائه القصيدة الشهيرة:
مساجدنا ثكناتنا
قبابنا خوذاتنا
مآذننا حرابنا
والمؤمنون جنودنا
هذا هو الجيش المقدس
الذي يحرس ديننا
ولا ينسى التاريخ لأردوغان موقفه المشرِّف لنصرة المرأة المسلمة بحجابها، وساندها بكل ما يستطيع حتى تنال حريتها التي مُنعت منها لعشرات السنين، واضطُهدت في الجامعات والمصالح الحكومية، وأُجبرت على خلع حجابها.
هذا هو أردوغان الذي بذل جهده في نصرة قضايا أمته، وخصوصًا قضية فلسطين، حيث غضب من رئيس وزراء الكيان الصهيوني “شمعون بيريز”، في منتدى دافوس في العام 2009، حينما لم تتح له الفرصة لمواجهته بما يفعلونه مع الفلسطينيين من قتلٍ للأطفال والنساء، ثم ترك القاعة وذهب استنكارًا لهذه الأفعال.
وحينما قامت الثورات العربية ضد الفساد والاستبداد ناصرها الطيب، ووقف مع الشعوب العربية لنيل حقوقها، وحريتها، ودعمها في كل مواقفه. وبعد أن انقلبت الأنظمة على الثورات الشعبية، وعادت إلى استبدادها مرة أخرى، فلم يتوان في استنكار ذلك، وكانت له مواقف مشرِّفة لصالح الشعوب العربية.
ولما زاد القهر على معارضي الأنظمة المستبدة، لم تجد لها مكانًا آمنًا إلا في تركيا، فذهب ما يقرب من 4 ملايين سوري إليها بعد أن أنهكتهم الحرب، واستنكر أردوغان كل أفعال بشار الأسد التي دمّرت سوريا، وكان في كل مواقفه داعمًا للشعب السوري.
وعلى نفس المنهج وقف مع المضطهدين في مصر وليبيا واليمن، وكانت له مواقف مشرفة، ولا تزال، ضد ما يحدث في تونس، من انتهاك للحريات، وعودة الاستبداد مرة أخرى.
ولم ينس الرئيس أردوغان امتداده في العالم التركي، فوقف مع المضطهدين من تركستان الشرقية، الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، وآوى عشرات الآلاف منهم في ربوع تركيا، وخصوصًا في إسطنبول.
وقد ذكر لي أحد طلابي من الإيغور في تركستان الشرقية، الذي كان يدرس في جامعة إسطنبول صباح الدين زعيم، أنه كان ضمن الطلاب الذين يدرسون في الأزهر، وحينما طلبت السلطات الصينية تسليمهم من السلطات المصرية، بادر الرئيس أردوغان باستضافة 1000 من هؤلاء الطلاب في الجامعات التركية، ووفّر لهم كل السبل للمعيشة، والحياة الكريمة.
كما كان موقفه من محاولات غزو أرمينيا لأذربيجان تصب في هذا الاتجاه حيث وقف بقوة مع الشعب الأذري، ودعمه بكل ما يستطيع، إلى أن خرجت القوات الأرمينية من أذربيجان.
وهو الذي قال في وقت سابق: “المسلم رجل مهام يتحمل مسؤولية الدفاع عن السلام، والعدل، والطمأنينة لا يليق بالمسلم أن يعتدي على حياة، أو ممتلكات، أو كرامة أي شخص ينتمي للأديان الأخرى، ولا يليق به أيضًا عدم احترامهم، كما أنه لا يليق بالمسلم أن يقف صامتًا أمام الظلم والاضطهاد بغض النظر عن مصدره، ولا يليق بالمسلم أبدًا أن يدير ظهره لأخيه، أو أن يطعنه في ظهره، وإلى جانب تحمل المسؤولية عن أنفسنا وعائلاتنا وجيراننا، نحن نحمل على عاتقنا مسؤولية الملايين من إخوتنا ونحن في تركيا، نتعامل وفق هذا المنطلق مع الأزمات في كافة الأنحاء المختلفة للعالم الإسلامي بدءًا من فلسطين إلى ليبيا، ومن قره باغ إلى سوريا، ونقف صامدين وبحزم في وجه الظالمين، ونأخذ بيد المظلومين مهما كانت هويتهم”.
ومن ثمَّ على الشعب التركي بكل فئاته وأطيافه وتوجهاته السياسية، وأيدولوجياته المتنوعة، الوقوف خلف الرئيس المنتخب بالعمل والاجتهاد، والنصح والتوجيه، مؤيد ومعارض، لكي تستقبل تركيا المئوية الجديدة، وقد نهضت وحققت كل ما تصبو إليه من تقدم، ورقي، وصدارة بين دول العالم.
وأقول: المسألة لم تنتهِ بفوز الرئيس أردوغان لفترة جديدة، ولكنها بداية لعمل شاق يجب أن يسعى من خلاله الرئيس وكل معاونيه وداعميه لمواجهة المشكلة الاقتصادية، وإيجاد الحلول الناجعة لها، ومعالجة مشكلة الاستقطاب السياسي، الذي زاد من حِدة العنصرية في المجتمع التركي، والاستعداد لمئوية المستقبل التي تضع تركيا في مصاف الدول الكبار، كلاعب أساسي في المجتمع الدولي، وكرائد في العالم الإسلامي.
خالص التهاني للشعب التركي، الذي علّم العالم كيف تكون الديمقراطية بحق، سواء من انتخبوا الرئيس أردوغان، أو من كانوا ضده، فالجميع يجب أن يتوحدوا لمواجهة التحديات كأمة تركية واحدة تحت قيادة الرئيس المنتخب الطيب أردوغان، فكما تابعنا وشاهدنا كل التعليقات، والحملات الإعلامية، في الغرب، التي استهدفت تركيا في شخص الرئيس أردوغان، لا ترغب لهذه الدولة أن تنال استقلالها، وحريتها كاملة، بل كانوا يريدون لها أن تعود إلى الوراء، من أجل الهيمنة والسيطرة عليها، ولكنّ الله أخزاهم، وردّ كيدهم في نحورهم.