د. كمال أصلان – الشرق القطرية
ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك؛ قول منسوب للإمام الشافعي (204)، ويستخدم لتوصيل فكرة أساسية، وهي أن الشخص هو الأكثر قدرة على تلبية احتياجاته، وحل مشكلاته بنفسه، دون انتظار مساعدة من الآخرين.
فالإنسان هو أقدر من غيره على فهم مشكلاته ومعالجتها، فهو الأعلم بأدق تفاصيل حياته وظروفه، والأكثر حرصًا على مصالحه، ولا يعني ذلك بالضرورة تجاهل مساعدة الآخرين، أو عدم الاستفادة من تجاربهم، بل يشجع المثل على أخذ المبادرة والاعتماد على النفس كخطوة أولى.
والاعتماد على النفس من أهم القيم التي تشكل شخصية الفرد، وتؤهله لمواجهة تحديات الحياة، وتظهر أهمية هذا المفهوم من خلال العديد من الجوانب، منها:
– تعزيز الثقة بالنفس: فعندما يتعلم الإنسان أن يكون معتمدًا على نفسه، يشعر بقدرة أكبر على مواجهة الصعوبات، ويساعد الاعتماد على النفس في بناء شخصية قوية قادرة على تحمل المسؤولية، ويُسهم في تعزيز الثقة بالنفس.
– القدرة على اتخاذ القرارات: فالشخص الذي يعتمد على نفسه يمتلك قدرة أكبر على اتخاذ القرارات المستقلة، فهو لا يحتاج إلى الآخرين لتوجيهه، أو اتخاذ القرارات نيابة عنه، بل يكون قادرًا على تحديد ما هو الأفضل له بناءً على معرفته بظروفه واحتياجاته.
– الاستقلالية وتحقيق الذات: فالاعتماد على النفس يتيح للفرد أن يكون مستقلًا في حياته، قادرًا على تحديد أهدافه والعمل على تحقيقها دون الاتكال على الآخرين، وهذه الاستقلالية هي جزء أساسي من تحقيق الذات والوصول إلى النجاح.
– التعلم من التجارب: فالشخص الذي يعتمد على نفسه، ويأخذ زمام المبادرة في حل مشكلاته، يتعلم الكثير من خلال تجاربه الشخصية، فالتعلم من الأخطاء، وتحمل المسؤولية يسهمان في تنمية مهارات الفرد، ويجعلانه أكثر حكمة وذكاء في التعامل مع المواقف المستقبلية.
ويعتبر الإسلام الاعتماد على النفس قيمة مهمة، وحث على العمل والاجتهاد، فقد قال النبي، صلى الله عليه وسلم: “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز”، هذا الحديث يؤكد على أهمية السعي، والعمل، والاجتهاد في تحقيق ما ينفع الإنسان.
كما أن الإسلام يعتبر العمل وسيلة لتحقيق الرزق والنجاح، وقد دعا القرآن الكريم إلى السعي وعدم الكسل، في قوله تعالى: (فَإِذَا قُضِیَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُوا۟ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ) (الجمعة: 10)
ويمكننا رؤية تطبيقات هذا المثل في حياتنا اليومية، حيث نرى العديد من الأمثلة التي تؤكد على أهمية الاعتماد على النفس، منها:
– في العمل: عندما يعتمد الشخص على مهاراته ويعمل على تطوير نفسه في مجاله، يكون أكثر قدرة على تحقيق النجاح والاستقرار المهني، بدلاً من انتظار أن يتقدم الآخرون له بالفرص، يسعى بنفسه لتطوير قدراته، ويبحث عن فرص جديدة.
– في التعليم: الطلاب الذين يعتمدون على أنفسهم في الدراسة وتحصيل العلم يكونون أكثر نجاحًا من أولئك الذين يعتمدون على الآخرين في الحصول على المعرفة، فالتعلم الذاتي يتيح للفرد فهم الأمور بشكل أفضل، ويجعله قادرًا على حل المشكلات بفاعلية أكبر.
– في العلاقات: من المهم أن يكون الشخص قادرًا على تحقيق سعادته، واستقراره النفسي دون الاتكال الكامل على الآخرين، فالاعتماد المفرط على الآخرين في تلبية الاحتياجات العاطفية يمكن أن يؤدي إلى مشاكل في العلاقات، لذا من الأفضل أن يكون الإنسان مكتفيًا بنفسه وقادرًا على تلبية احتياجاته النفسية.
– في الصحة: العناية بالصحة الشخصية هي مسؤولية كل فرد، فالشخص الذي يعتمد على نفسه في المحافظة على صحته من خلال ممارسة الرياضة وتناول الغذاء الصحي يكون أكثر صحة وقوة من الشخص الذي يهمل صحته ويعتمد على الآخرين في تذكيره بالعادات الصحية.
ولتنمية قيمة الاعتماد على النفس يمكن اتباع بعض الخطوات التي تساعد على تطوير هذه الصفة المهمة، ومنها: تحديد الأهداف الشخصية، والتعلم المستمر، والاستفادة من الأخطاء، وتنمية الثقة بالنفس، والتدرج في تحمل المسؤولية.