د. كمال أصلان – الشرق القطرية
عُقد في الدوحة في الفترة من 30-31 أكتوبر 2024 مؤتمر “الذكرى الثلاثين للسنة الدولية للأسرة”، تحت عنوان: “الأسرة والاتجاهات الكبرى المعاصرة”، وهذا المؤتمر يُعقد مرة كل عقد من الزمان، ويقوم بدور محوري في تطوير السياسات والبرامج التي يمكنها دعم، وتمكين الأسر على نطاق عالمي.
واللافت للنظر في الجلسة الافتتاحية حديث سمو الشيخة موزا بنت ناصر الذي تناولت فيه التحديات التي تواجه الأسرة العربية والعالمية، وشددت على أهمية اللغة العربية كعنصر أساس في الحفاظ على الهوية الثقافية، معبّرة عن قلقها من تزايد الاعتماد على اللغات الأجنبية في الحياة اليومية، مما يهدد مكانة اللغة الأم في وجدان الأجيال الصاعدة.
وأشارت إلى أن الأسرة تُعدّ حجر الأساس في مواجهة التغيرات السريعة والمتزايدة في العالم، خاصة في ظل التحديات الديموغرافية، والتحضر، والتغير المناخي، والتكنولوجيا الحديثة.
وأكدت سموها أن الأسرة ليست فقط مصدرًا عاطفيًا، بل هي القاعدة التي ينطلق منها الأفراد للمساهمة في المجتمع بثقة وثبات، ودعت إلى تكاتف الجهود بين الأسرة، والمؤسسات التعليمية، والإعلامية، والدينية لدعم القيم الأساسية التي تضمن تماسك المجتمع وازدهاره.
وكان لي شرف المشاركة كمتحدث في الدائرة المستديرة التي نظمها مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، مع مجموعة متميزة من المتخصصين في هذا الشأن، وركزت في ورقتي المعنونة (كيفية بناء التماسك داخليًا بين أفراد أسر المغتربين)؛ على أن الاستقرار الأسري هو الذي يمنح أفراد الأسرة الأمان، ويشعرهم بالطمأنينة، ويحمي الأبناء من الانحراف والتشرد والجريمة؛ حيث أثبتت كثير من الدراسات أن التفكك الأسري من أهم الأسباب التي تؤدي إلى جنوح الشباب وانحرافهم، وهو عامل رئيس في انتشار الجريمة، التي تعد عبئًا اقتصاديًا على المجتمعات.
ثم تناولت ثمان استراتيجيات يجب التوافق عليها بين الزوجين أولًا، وأفراد الأسرة جميعًا؛ لتعزيز الترابط الأسري بين أفراد أسر المغتربين، وهي:
تعزيز التواصل الفعّال؛ من خلال تخصيص وقت للأسرة أسبوعيًا، والمتابعة اليومية عبر دردشة بسيطة حول يوم كل فرد، وتشجيع أفراد الأسرة على التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم دون خوف من الانتقاد.
الاهتمام بالتعليم والتطوير الشخصي؛ من خلالتشجيع الأطفال وأفراد الأسرة على تحقيق أهدافهم التعليمية والمهنية، مما يعزز الشعور بالفخر والانتماء، ومتابعة تقدّم الأبناء في مدارسهم، وتقديم الدعم اللازم لهم للتكيف مع بيئة التعليم الجديدة.
تقسيم المسؤوليات بشكل عادل؛ فتوزيع المهام اليومية مثل الطبخ، والتنظيف بين أفراد الأسرة يعزز التعاون، ويخفف العبء عن فرد واحد في الأسرة، وهي (الأم).
تنظيم الوقت والأنشطة الأسرية؛ من خلالتخصيص وقت منتظم للأنشطة المشتركة مثل الرحلات، أو الألعاب الجماعية لتعزيز الألفة، والمتعة بين الأفراد، وإشراك الجميع في القرارات الأسرية، مثل التخطيط لنزهة، أو ترتيب المنزل، مما يعزز الشعور بالمسؤولية.
دعم الصحة النفسية والتكيف مع تحديات الغربة؛ فالغربة قد تخلق شعورًا بالوحدة، لذا من المهم تشجيع الحوار المفتوح حول التحديات النفسية التي قد يواجهها الأفراد، وإذا لزم الأمر، يمكن الاستفادة من خدمات الدعم النفسي المتاحة في مكان الإقامة؛ لتقديم المساعدة في حال ظهور ضغوط نفسية.
الاهتمام بالعلاقات الممتدة؛ من خلال الحفاظ على التواصل المستمر مع الأقارب، والأصدقاء في الوطن الأم عبر المكالمات، والزيارات الدورية لتعزيز الروابط الاجتماعية، ودعم استقرار الأسرة بقدر المستطاع.
الاحتفال بالعادات والقيم المشتركة؛ وذلك بالحفاظ على الروابط الثقافية، والدينية من خلال الاحتفال بالمناسبات الوطنية، والدينية، مما يمنح الأسرة شعورًا بالانتماء إلى جذورها، وإشراك الأطفال في الأنشطة التراثية مثل الطبخ التقليدي، أو المشاركة في الفعاليات الثقافية التي تعكس ثقافة الوطن الأم.
التكيف مع ثقافة المجتمع المضيف؛ وذلك بتشجيع أفراد الأسرة على الاندماج الإيجابي في المجتمع المُضيف من خلال المشاركة في الأنشطة المجتمعية والتعليمية، مما يخفف من الشعور بالعزلة، وتعليم الأطفال الاحترام والتعايش مع الثقافات المختلفة لتعزيز المرونة والانفتاح.
من خلال هذه الاستراتيجيات، يمكن للأسر المغتربة بناء تماسك داخلي قوي يساعدها على التكيف مع ظروف الغربة وتعزيز السعادة والرضا بين أفرادها في بلد الإقامة، وفي كل مكان.