د. كمال أصلان
شهر رمضان هو موسم الطاعات والبركات، حيث تُفتح أبواب الرحمة وتُغلق أبواب النيران، قال تعالى: (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلصِّیَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183).
ولكي نستفيد من هذا الشهر الكريم بأقصى درجة، لا بد من الاستعداد الجيد له، سواء من الناحية الروحية، أو النفسية، أو الجسدية، أو الاجتماعية، ومن الطرق الفعّالة للاستعداد لهذا الشهر الكريم بشكل يضمن تحقيق الفائدة العظمى منه:
أولًا: الاستعداد الروحي؛ بالتوبة وتجديد النية، فرمضان فرصة عظيمة للتوبة والرجوع إلى الله، لذا من المهم أن يبدأ المسلم بالاستغفار عن الذنوب والمعاصي، وتجديد النية للاستفادة من الشهر الكريم، والمداومة على الطاعات بأداء الصلوات في وقتها، والإكثار من النوافل، خاصة صلاة الليل، وقراءة القرآن الكريم يوميًا، وتعويد النفس على الذكر والدعاء بتخصيص وقت يومي للذكر والتسبيح والاستغفار، مما يساعد في تعزيز الارتباط الروحي بالله.
ثانيًا: الاستعداد النفسي؛ بتهيئة القلب لاستقبال رمضان، فيجب أن يكون القلب مستعدًا لاستقبال رمضان بالشوق والفرح، لأنه شهر مليء بالنفحات الإيمانية، وذلك بالتفكر في فضل رمضان وأهميته، ومشاهدة المحاضرات والدروس التي تتحدث عن روحانيات رمضان، وقراءة قصص السلف الصالح وكيف كانوا يستعدون لهذا الشهر، ووضع أهداف واضحة لكي يكون رمضان أكثر إنتاجية، مثل: ختم القرآن مرة أو أكثر، والمحافظة على صلاة التراويح يوميًا، والتصدق يوميًا ولو بمبلغ بسيط، وترك عادة سيئة واستبدالها بعادة حسنة.
ثالثًا: الاستعداد الجسدي؛ بتنظيم أوقات النوم، فالكثيرون يواجهون مشكلة اضطراب النوم في رمضان، لذا من الأفضل البدء في تعديل مواعيد النوم تدريجيًا قبل رمضان، بحيث يعتاد الجسم على الاستيقاظ المبكر للسحور وصلاة الفجر، وتقليل تناول المنبهات، مثل: القهوة والشاي لأنهما قد يسببان صداعًا وإرهاقًا في الأيام الأولى من رمضان، لذلك يُفضل تقليل استهلاكها تدريجيًا قبل رمضان، واتباع نظام غذائي متوازن، بتناول وجبات متوازنة غنية بالفيتامينات والمعادن، وشرب كميات كافية من الماء، يساعد الجسم على التكيف مع الصيام بشكل أفضل.
رابعًا: الاستعداد الاجتماعي؛ بإصلاح العلاقات، فرمضان هو شهر التسامح، لذا من الأفضل المسارعة في إصلاح العلاقات، سواء مع الأهل أو الأصدقاء، وإزالة أي خلافات قائمة، والتخطيط للإفطارات العائلية مع الأهل والأصدقاء لتعزيز الروابط الاجتماعية والاستفادة من أجواء رمضان الروحانية، وتجهيز الصدقات والزكاة، لأن رمضان شهر الجود والكرم، فمن الجيد تجهيز مبالغ مالية أو مواد غذائية للتصدق بها خلال الشهر، والبحث عن الأسر المحتاجة لمساعدتها.
خامسًا: الاستعداد العملي؛ بتحضير قائمة بالعبادات والأعمال الصالحة، من خلال كتابة خطة تتضمن قائمة بالأعمال التي يمكن الالتزام بها يوميًا في رمضان، مثل: عدد الأجزاء التي سيتم قراءتها من القرآن يوميًا، والأوقات التي سيتم تخصيصها للأذكار والدعاء، وتوزيع الصدقات وأعمال الخير، وتجهيز المنزل لاستقبال رمضان، بتنظيفه وترتيبه، وتخصيص ركن للصلاة وقراءة القرآن، وتزيين المنزل بأجواء رمضانية لإضفاء البهجة على العائلة، وشراء الاحتياجات المنزلية مسبقًا، لتجنب الانشغال بالتسوق خلال الشهر الكريم، ويُفضل شراء المواد الغذائية والاحتياجات الضرورية مسبقًا، مما يوفر الوقت للعبادة.
إن الاستعداد الجيد لرمضان يمكن أن يجعل هذا الشهر أكثر بركة وفائدة، من خلال التخطيط المسبق والتركيز على الجوانب الروحية، والنفسية، والجسدية، والاجتماعية، ويمكن أن يكون رمضان تجربة مميزة تترك أثرًا إيجابيًا في حياة المسلم طوال العام.
فلنبدأ من الآن بالتجهيز لهذا الشهر الكريم ليكون فرصة حقيقية للتقرب من الله، وتحقيق أقصى استفادة منه، يقول الله، عز وجل: (وَمَا تَفۡعَلُوا۟ مِنۡ خَیۡرࣲ یَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَتَزَوَّدُوا۟ فَإِنَّ خَیۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ یَـٰۤأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ) (البقرة: 197).