ظهر فيروس كورونا الجديد “كوفيد 19” لأول مرة في ديسمبر/كانون الأول 2019، في سوق للمأكولات البحرية بمدينة ووهان (وسط الصين)، ويبلغ تعداد سكانها 11 مليون نسمة.
أسرة فيروسات كورونا
وأسرة الفيروسات التي ينتمي إليها هذا الفيروس تدعى أسرة فيروسات كورونا، التي تسببت سلالات أخرى منها في انتشار وبائي (سارس)، الذي فتك بـ 9 في المئة من الذين أصيبوا به، و(ميرس) الذي فتك بـ 35 في المئة، ويمثل هذا الفيروس سلالة جديدة لم يسبق تحديدها لدى البشر.
وفيروس كورونا الجديد يعيش في أمعاء الخفافيش، ينتقل عن طريق إفرازاته، كالبراز والبول، والهواء، تستنشقه الحيوانات الأخرى، أو الإنسان فينتقل بسهولة إليهم. وخلال الانتقال من الوطواط إلى الإنسان يتكاثر الفيروس ويتحول، ويصبح قادرًا على الانتقال إلى البشر الآخرين. ويمكن للفيروس العيش في الإنسان، وأن ينتقل من شخص إلى آخر.
وبالتالي فإن الفيروس ينتقل من خزانه الأساسي إلى خزان آخر، ثم من إنسان إلى إنسان. وعملية انتقال الفيروس من الخفاش إلى الإنسان نادرة، لكنها عندما تحصل فإن جسم الإنسان غير مؤهل للدفاع عن نفسه.
وقد أفاد تقرير نشره موقع “بلومبيرغ” الأميركي أن فيروس كورونا قد يكون هو “وباء إكس” الغامض الذي يحذر خبراء الصحة منه، والذي قد يسبب وفاة حوالي ثمانين مليون شخص.
موقف الإسلام من الوباء والعدوى
الوباء عدو للإنسان يجب أن تتضافر جهود البشر جميعًا لوضع حد له، ومواجهته بكل السبل العلمية المتاحة، حتى لا ينتشر وينتقل من مكان لآخر.
والإسلام ينطلق في مسألة العلاج والتداوي بصورة عامة من منطلق أن الحفاظ على النفس والبدن والعقل والفكر من الضروريات الأساسية التي جاءت الشريعة لأجل الحفاظ عليها، وحمايتها وتنميتها.
ويبين الإسلام للبشرية جميعًا بأن لكل داء دواء، ولكل مرض شفاء علمه من علمه، وجهله من جهله، يختلف ذلك حسب العصور والأزمان، وتطور الأدوية والعلاج والوسائل الطبية، حيث يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (إن الله لم ينزل داءً، أو لم يخلق داءً، إلاّ أنزل، أو خلق له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله إلاّ السام، قالوا: يا رسول الله، وما السام ؟ قال: الموت).
وهذ الحديث الصحيح يعطي أملاً، لكل مريض حيث قضى بأنه لكل داء دواء، ولكل مرض شفاء، وبذلك لا يفقد الأمل مهما كان مرضه خطيرًا على عكس ما هو الحال اليوم حيث تصنف بعض الأمراض على أنه لا شفاء لها.
ومنهج الإسلام منهج قائم على التزاوج بين الطب الروحي والنفسي والطب المادي، وليس على الجانب المادي فقط، أو الجانب الروحي فقط، وهكذا الإسلام في كل شيء حيث يجمع بين الدين والدنيا، وبين المادة والروح.
ومن القواعد المهمة التي حثّ عليها الإسلام أنه إذا وقع الوباء بأرض أنتم فيها فلا تخرجوا منها فرارًا منه، وإذا وقع بأرض ولستم بها فلا تهبطوا عليها.
ويستفاد من كل ما سبق أن الإنسان، حيثما كان، إذا شك بإصابته بأي مرض معدٍ، ومنه الزكام في حالة كورونا، يجب أن يتجنب المجامع والجوامع واللقاءات العامة، لئلا ينشر العدوى بين الناس، ويجب أن يمتنع عن ركوب الحافلات العامة، والذهاب إلى المطاعم والأسواق، والمدارس والأماكن العامة من النوادي والمحاضرات والحدائق.
سبل الوقاية من الأوبئة من منظور الإسلام
لقد اهتم الإسلام بالنفس البشرية، وجعل الحفاظ عليها من مقاصد الشريعة الكلية، وجعل قتلها، أو تعريضها للهلاك، والخطر من الكبائر، مع الأخذ بجميع الأسباب المتاحة لدفع المرض، مع الحيطة والحذر والوقاية قبل الوقوع والإصابة، ثم الأخذ بجميع الأسباب المتاحة للعلاج والشفاء.
ويجب على المريض أن يسعى جاهدًا للعلاج إن كان ذلك ممكنًا، ويكون آثمًا إذا تركه، وعليه كذلك أن يبذل كل جهده لعدم انتشار مرضه وتعديته إلى غيره، من خلال عدم الاختلاط، وعدم الخروج إلّا للضرورة، وذلك لأن إيذاءه للآخر محرّم، وإضراره بالآخر ممنوع شرعًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار).
وقد جعل الإسلام النظافة والمحافظة عليها من مظاهر الإيمان ومن شروط أداء مناسك الإسلام؛ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الطهور شطر الإيمان)، وجعل الوضوء من شروط صحة الصلاة، وفرض الغسل من الجنابة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يُبْقي من درنه شيئًا؟).
وامتدت هذه الطهارة لتشمل الفم؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ). وقال ابن عباس رضي الله عنه: “لقد كنَّا نُؤْمَرُ بالسواك، حتى ظننَّا أن سينزل به قرآن”.
إذن الوضوء والاغتسال والسواك من وسائل الوقاية من الأدران والأوبئة.
وحدد الإسلام سننًا للفطرة، ينبغي على المسلم والمسلمة الحرص عليها؛ ففي الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي عليه السلام قال: (خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وقلم الظفر، ونتف الآباط)
والمتأمل في هذه السنن يدرك دورها في وقاية الإنسان من الأمراض وحمايته، فضلًا عمّا فيها من جمال الظاهر.
وقد حدد الإسلام لأتباعه الطيبات من الطعام والمأكولات فأحلّها لهم، وحرّم عليهم الخبائث، كما قال عزل وجل: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) (الأعراف: 157).
وحتى فيما أحله الله تعالى من الأكل والشرب وضع له ضوابط بحيث لا يؤدي إلى الضرر؛ فمن هدي الإسلام الاقتصاد في الأكل والشرب، قال صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ آدمي وعاء شرًا من بطن بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفَسه).
كما أمرهم بالحفاظ على نظافة الأطعمة والأشربة، فقال صلى الله عليه وسلم: (غطوا الإناء وأوكوا السقاء وأغلقوا الباب، وأطفئوا السراج؛ فإن الشيطان لا يحل سقاء، ولا يفتح بابًا، ولا يكشف إناء).
كذلك حرص الإسلام على نظافة ثوب الإنسان، وجعله العلماء من شروط صحة الصلاة، ويكفي أن من أوائل الآيات القرآنية التي نزلت قوله تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (المدثر: 4 – 5).
ومن ذلك أيضًا تنظيم الإسلام للعلاقات الاجتماعية في صورة تحقق أمن المجتمع وسلامة أفراده؛ فحرّم الزنا واللواط اللذين هما سبب كثير من الأمراض (مثل الإيدز)، وحتى في دائرة الحلال جعل هناك ضوابط في العلاقة الزوجية بمن يضمن سلامة الزوجين؛ فنهى عن إتيان المرأة في دبرها، وكذلك إتيانها في وقت المحيض.
ولتكن الحيطة والحذر في أمر الأطفال أشد، فالطفل في بنيته أكثر هشاشة وضعفًا، وأسرع في استقبال العدوى، وأقل حيلة في الاحتياط، أو في العناية بأمر نفسه وأمر غيره.
وحيثما أقام الإنسان في أرض الله الواسعة يجب أن يلتزم بدقة بالتعليمات الصحية والإدارية التي يصدرها المعنيون في البلدة التي يعيش فيها، ويعتبر التقيد بهذه التعليمات نوعًا من الالتزام الأخلاقي والديني العام.
إضافة إلى التمسك بالأدعية الواقية من الضرر وسوء المنقلب الواردة في أحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، صباحًا ومساءً.
أسأل الله أن يرفع غضبه ومقته عن الناس جميعًا، ويقي المسلمين في كل مكان من كل سوء وضرر.