د. جمال نصار – الشرق القطرية
الإنسان بطبعه عجول يود لو أدرك كل شيء بسرعة، وقد بيّن الله تعالى هذا الأمر الذي استقر في نفوس بني آدم فقال (وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا( (الإسراء :11). ولما كانت هذه العجلة تُجلب على صاحبها المتاعب وتوقعه في الإشكالات؛ ندب الشرع إلى تربية النفس على التأني في أمور الدنيا، ونقصد بالتأني هنا: عدم العجلة في طلب الأشياء والتمهل في تحصيلها.
وما أجمل الأناة، إنها صفة يحبها الله، قال الرسول، صلى الله عليه وسلم، لأشجِّ عبد القيس: (إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة). ومن صور التأني:
أولًا: التأني في الدعاء: والمقصود به أن يُقدّم المسلم بين يدي دعائه الثناء على الله، والصلاة على نبيه، صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك أرجى لقبول دعائه، أما أن يدخل في الدعاء مباشرة فإنه من العجلة، فقد سمع الرسول، صلى الله عليه وسلم، رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله، ولم يصل على النبي فقال له (عجلت أيها المصلي).
ومن العجلة في الدعاء أن يستبطئ الإجابة، فيترك الدعاء بزعم أنه يدعو ولا يستجاب له، قال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول: قد دعوت ربّي فلم يستجب لي).
ثانيًا: التأني في القضاء والفتوى: فمن التأني المحمود التأني في القضاء بأن يسمع القاضي طرفي النزاع، فيسمع من الثاني كما سمع من الأول؛ فإنه أحرى أن يتبين له القضاء. وكذلك التأني في الفتوى، قال مالك بن أنس: (العَجَلَة في الفتوى نوعٌ مِن الجهل والخُرْق، قال: وكان يُـقَال: التَّأنِّي مِن الله، والعَجَلَة مِن الشَّيطان). وقال ابن مسعود، رضي الله عنه: (إنَّ الذي يُفْتِي النّاس في كُلِّ ما يَسْتَفتونه لمجنونٌ).
ثالثًا: التَّأني عند وصول الأخبار: قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ( (الحجرات: 6)، فالآية دليل على أنه يجب على الإنسان أن يتثبت فيما ينقل من الأخبار ولا سيما مع الهوى والتعصب.
رابعًا: التأني عند الذهاب إلى الصَّلاة: فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: بينما نحن نصلِّي مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة الرِّجال، فلمَّا صلَّى قال (ما شأنكم؟” قالوا: استعجلنا إلى الصَّلاة. قال (فلا تفعلوا إذا أتيتم الصَّلاة فعليكم بالسَّكينة، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا).
خامسًا: التَّأنِّي في طلب العلم: قال تعالى (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ( (القيامة: 16)، قال ابن القيم في هذه الآية: “ومن أسرارها: أنها تضمنت التأني والتثبت في تلقي العلم، وألّا يحمل السامع شدة محبته وحرصه وطلبه على مبادرة المعلم بالأخذ قبل فراغه من كلامه، بل من آداب الرب التي أدّب بها نبيه أمره بترك الاستعجال على تلقي الوحي، بل يصبر إلى أن يفرغ جبريل من قراءته، ثم يقرأه بعد فراغه عليه، فهكذا ينبغي لطالب العلم، ولسامعه أن يصبر على معلمه حتى يقضي كلامه”.
ومن المعينات على التأني: الدُّعاءُ، والنَّظَرُ في عواقِبِ الاستِعجال، قال بعض الحكماء: (إياك والعجلة؛ فإن العرب كانت تكنيها أم الندامة؛ لأن صاحبها يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويعزم قبل أن يفكر، ويقطع قبل أن يقدر، ويحمد قبل أن يجرب، ويذم قبل أن يخبر، ولن يصحب هذه الصفة أحد إلا صحب الندامة، واعتزل السلامة).
وقراءةُ سيرةِ النبي، صلى الله عليه وسلم، حيث نستفيد من سيرته، التأني والصبر على الإيذاء؛ قال خباب بن الأرت، رضي الله عنه: (شكونا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال: كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون).
واستشارةُ أهلِ الصَّلاحِ والخِبرة؛ فإذا أقدم الشخص على أمر يجهله فعليه أن يستشير أهل الصلاح والخبرة، ولا يتعجل في أمره؛ قال تعالى لنبيه، صلى الله عليه وسلم: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران: 159).