عسكر السودان وحقيقة تسليم السلطة للمدنيين

فريق العمل
فريق العمل أغسطس 3, 2022
محدث 2022/08/03 at 2:53 مساءً

د. جمال نصار – الجزيرة مباشر

العسكر بطبيعته لا يتخلى عن السلطة طواعية، فعلى مدار التاريخ لم نجد إلا النزْر القليل الذي أصرّ على عدم التوغل في العمل السياسي، بعد تسلمه للسلطة. ويحضرني في هذا السياق نموذج محمد نجيب في مصر، وسوار الذهب في السودان.

فمحمد نجيب بعد سيطرة الضباط الأحرار على مقاليد الحكم في العام 1952، على إثْر خلع الملك فاروق عن الحكم، وتولي نجيب مجلس قيادة الثورة، والرئاسة فيما بعد؛ أراد أن يكون هناك سلطة دستورية في البلاد، وألّا يستمر الضباط في العمل السياسي، وكانت لديه رغبة لتسليم الحكم لسلطة مدنية، ولكنه قوبل برفض الضباط الأحرار، وعلى رأسهم عبد الناصر الذي كان نائبًا له، وتم إبعاد الرئيس محمد نجيب، وفرض الإقامة الجبرية عليه لمدة 16 عامًا.

وفي السودان عقب انتفاضة أبريل/نيسان 1985 التي أطاحت بحكم جعفر نميري تولى سوار الذهب رئاسة المجلس العسكري الانتقالي، ورُقِّي لرتبة المشير، وتعهّد بعد تسلمه السلطة بأن يتخلى عنها خلال عام واحد لحكومة منتخبة، وبالفعل بعد عام قام بتسليم السلطة للحكومة الجديدة المنتخبة برئاسة رئيس الوزراء الصادق المهدي.

وعقب ذلك اعتزل العمل السياسي، وترأس منظمة الدعوة الإسلامية التي اتخذت من السودان مقرًا لها، ومن إنجازات تلك المؤسسة بناؤها العديد من المدارس والمستشفيات والعيادات وملاجئ الأيتام.

حقيقة تصريحات البرهان وحميدتي

منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، يشهد السودان احتجاجات شعبية تطالب بعودة الحكم المدني الديمقراطي، وترفض إجراءات رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان الاستثنائية التي يعتبرها الرافضون “انقلابًا عسكريًا”. ومنذ هذا التاريخ إلى الآن حدثت تحولات كثيرة في الداخل السوداني، واستمرت المظاهرات بوتيرة مختلفة، مع سقوط مئات الضحايا، وآلاف من المصابين، وتدهورت الأوضاع الاقتصادية.  

وفي الرابع من يوليو/تموز 2022 أعلن الجنرال عبد الفتاح البرهان انسحاب المكون العسكري من المفاوضات السياسية، لإفساح المجال أمام القوى المدنية للاتفاق على تكوين الحكومة، واستكمال الهياكل الانتقالية.

وقرارات البرهان التي أفصح عنها على نحو مفاجئ أثناء وجود حميدتي في دارفور، أثارت، وقتئذ، كثيرًا من التأويلات بأن حميدتي – الرجل الثاني في مجلس السيادة ورئيس وفد التفاوض مع المكون المدني – ليس راضيًا عن وقف المفاوضات التي كانت قد بدأت برعاية سعودية أميركية.

ولكن حميدتي في بيان له مساء الجمعة 22 تموز/ يوليو 2022، قال عن مجلس السيادة: “قررنا سويًا إتاحة الفرصة لقوى الثورة، والقوى السياسية الوطنية، بأن يتحاوروا ويتوافقوا، دون تدخل منّا في المؤسسة العسكرية”.

ودعا حميدتي كل قوى الثورة، والقوى السياسية الوطنية، للإسراع في الوصول لحلول عاجلة، تؤدي لتشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي، كما دعا من وصفهم بـ”الوطنيين الشرفاء من قوى سياسية وثورية ومجتمعية”، للتكاتف والانتباه للمخاطر التي تواجه البلاد، والوصول لحلول سياسية عاجلة وناجعة، لأزمات الوطن الحالية.

وقال بأنه ورئيس المجلس الفريق عبد الفتاح البرهان، قد قررا بصورة صادقة، ترك أمر الحكم للمدنيين، وأن القوات النظامية، ستتفرغ لأداء مهامها وفق الدستور والقانون.

ردود أفعال القوى السياسية

على المستوى الداخلي تباينت كثيرًا، ردود الأفعال في الأوساط السياسية السودانية، تجاه ما أعلنه حميدتي، بشأن الانسحاب من المشهد السياسي، وتفاوتت الردود بين الترحيب باعتبار خطاب حميدتي يعكس جدية المؤسسة العسكرية في تسليم السلطة للمدنيين، وبين من وصفه بالخديعة والأكذوبة وذر الرماد في العيون ولا يحمل جديدًا.

وقال الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي المعارض كمال عمر إن بيان نائب رئيس مجلس السيادة السوداني يخاطب مطالب القوى السياسية في حكم مدني، ويعيد الجيش لدوره الأساسي في حماية الوطن.

من جانبه قال المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير- مجموعة التوافق الوطني – محمد زكريا في تصريح للجزيرة إن البيان جاء معضدًا لخطاب البرهان، وليؤكد أن المؤسسة العسكرية جادة في تسليمها السلطة للمدنيين، وأنها حريصة على اتفاقية السلام.

بدوره وصف المتحدث باسم الحزب الشيوعي في السودان فتحي الفضل – في تصريح هاتفي للجزيرة- حديث حميدتي بأنه خديعة وذر للرماد في العيون.

أما تجمع المهنيين السودانيين، وهو الفصيل الذي يقود الحراك المناهض للحكم العسكري في الشارع، فقد وصف ما جاء في الخطاب الأخير، لنائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، بأنه محاولة لمغازلة القوى الثورية، وأكاذيب لن تنطلي عليها، مؤكدًا على استمرار حراكه على مستوى الشارع، لإنهاء ” الانقلاب” في السودان.

وأشار على إلى أن الحديث عن الابتعاد عن السلطة ليس سوى أكذوبة، لأن جنرالات الجيش يسيطرون على مفاتيح الدولة والسلطة الحقيقية، وفقًا لتعبيره.

وذكرت قوى الحرية والتغيير، أن “الانقلاب يقود البلاد إلى وضع خطير، يهدد وحدتها واستقرارها”، وأضافت “ستطرح قوى الحرية والتغيير مشروع إعلان دستوري لكل قوى الثورة والقوى المدنية”، وأكدت قيادات بقوى الحرية والتغيير بعد صدور البيان الأول، ردًا على تصريحات حميدتي، على أنه يتعين على المؤسسة العسكرية، أن تتبع القول بالعمل، من خلال خطوات واضحة وملموسة، بشأن إبعاد العسكر عن السياسة، وتسليمهم السلطة للمدنيين.

والواقع السياسي يشير إلى أن البرهان وحميدتي على قناعة بأن الخلافات العاصفة بين المكونات السياسية تصعب الاتفاق على حد أدنى من الثوابت، فضلاً عن التوافق حول حكومة مدنية بهياكل متكاملة، بما يعني استمرار العسكر في السلطة وقتًا طويلاً.

أفق التغيير وإيجاد البديل المناسب

لقد جربت الشعوب العربية الحكم العسكري ما يزيد على أكثر من 60 عامًا، والواقع العربي تحت هذا الحكم معروف للشعوب التي تعاني من ويلات الهيمنة العسكرية على مقاليد الأمور، والأرقام التي تخرج من المؤسسات الدولية عن هذه الحقب، وحال تلك الشعوب مخيف ومرعب ولا يبشر بخير، من حيث ارتفاع الدين الخارجي والداخلي، وارتفاع نسبة الفقر، وتدني المعيشة، والتدهور المستمر في قطاعات حيوية مثل الصحة، والتعليم، والصناعة، والزراعة والمياه، والبطالة، وانتشار الأمراض المزمنة الفتّاكة، وارتفاع نسبة الجريمة، والانفلات الأمني، وتوحش طبقة الرأسماليين وتضخم ثروتهم، وكذلك الهزة المجتمعية التي أصابت أخلاق المجتمع وقيمه بشرخ كبير يحتاج علاجه لوقت طويل.

ومن ثمَّ وجب الإصرار على التحول عن هذا السبيل، إلى طريق الديمقراطية والاختيار الحر، وإعلاء شأن الممارسة الدستورية، وحكم الشعب لنفسه بنفسه عبر صناديق الانتخابات. وهذا بطبيعة الحال يتطلب ظروفًا ملائمة ومناخًا لإتمام المسار الديمقراطي، يتمتع فيها الفرد بكامل حريته.

وتقع المسؤولية على عاتق النخب السياسية والمثقفين في كل بلد، ونخبه الاجتماعية الواعية التي تقوم على هذا البنيان وحفظه من كل الثورات المضادة حتى يستوي على عوده، ويشبّ عن الطوق. وذلك يحتاج إلى بذل الجهود، ورفع الوعي، وتوحيد الصف الوطني على اختلاف مشاربه، والتعاون البنّاء بينهم، وتقديم مصلحة الوطن على كل مصلحة شخصية أو حزبية أو طائفية، والزمن جزء من العلاج.

وفي النهاية هل ينجح تحالف قوى التغيير الجذري، الذي تشكل حديثًا من الحزب الشيوعي السوداني، وتجمّع المهنيين السودانيين، وأُسر الشهداء، ومفصولو الشرطة؛ في التحول من الحكم العسكري إلى الحكم المدني الخالص، أم أن الأمور ستراوح مكانها، وستظل المكونات المدنية على خلاف مستمر، مما يتيح للمكون العسكري الاستمرار في السلطة؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.

شارك هذا المقال