د. جمال نصار – الشرق القطرية
قامت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) صباح السبت الموافق 7 – 10 – 2023، بالرد على الاعتداءات الأخيرة التي قام بها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، والأقصى الشريف، وحصيلة هذا الهجوم، حتى الآن، ما يقرب من 1000 قتيل، وأكثر من 2200 مصاب، وأكثر من 750 في عِداد المفقودين، وأسر عدد كبير من الجنود الإسرائيليين، واقتحام العديد من المستوطنات، في حين تسلل مقاومو كتائب القسام إلى إسرائيل برًا وبحرًا وجوًا، وفق هيئة البث الإسرائيلية.
ومثّلت دعوة قائد كتائب القسام (أبو عبيدة محمد الضيف) تغيرًا كبيرًا في أسلوب وطريقة المواجهة مع العدو، وكانت تصريحاته القوية حافزًا للمقاومين بشن هجمات نوعية وجديدة في الداخل الإسرائيلي.
وحسب تصريح أبو عبيدة؛ أن المقاومة قصفت إسرائيل في الدقائق العشرين الأولى بنحو خمسة آلاف صاروخ، و150 صاروخًا على تل أبيب مساء السبت، وهذا يشير، كما عبّر الخبير العسكري والاستراتيجي فايز الدويري، إلى أن هناك تطورًا نوعيًا في أداء المقاومة قياسًا إلى الحروب والعمليات السابقة ضد إسرائيل، وقال بأن من يقودون العمل العسكري من جانب المقاومة الفلسطينية أصبحوا أكثر نضجًا مقارنة بالحروب السابقة، حيث باتوا يوظفون الإمكانيات بالاتجاه الصحيح، خاصة بعد نجاح الهجمات في شل الحركة بمطار بن غوريون الدولي.
وعلّق رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، على هجمات المقاومة المستمرة، قائلا: “نحن في حالة حرب، وأن حماس شنت هجومًا قاتلاً مفاجئًا ضد دولة إسرائيل ومواطنيها”.
وتعكس التصريحات الصادرة عن سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وعناوين الصحف الإسرائيلية بأن حالة من الارتباك تشي بأن “طوفان” القسّام قد أخذ الإسرائيليين على حين غرة.
وعلى الجانب الآخر نجد أن المجتمع الدولي في الغرب دائمًا ما يستنكر تدخل المقاومة الفلسطينية في الدفاع عن الشعب الفلسطيني، والمقدسات في الأقصى، وينسون أو يتناسون أن فلسطين محتلة، طبقًا لنصوص الأمم المتحدة، وأنه من حق الفلسطينيين الدفاع عن حقهم بكل الطرق المشروعة.
أقول هذه اللغة لن تُفيد، ولن تُغير الواقع، بأن (إسرائيل) تحتل أرض ودولة عربية، ويجب التفكير في حلول جذرية لحل القضية الفلسطينية، وعدم الكيل بمكيالين. فنجد أنه حينما تشن قوات الاحتلال الإسرائيلي هجمات على الشعب الفلسطيني، يخفت صوت المجتمع الدولي، ولا يتحرك بالشكل المطلوب لإنقاذ المدنيين من الأطفال والنساء، أما إذا ردّت المقاومة بكل أشكالها على ممارسات الاحتلال واعتداءاته المتكررة، فالجميع يوجه اللوم للجانب الفلسطيني، ويقفون صفًا واحدًا بجانب الاحتلال الإسرائيلي.
فالحصار الظالم المفروض على الشعب الفلسطيني في غزة منذ فترة طويلة لن يجدي شيئًا، فعدالة القضية الفلسطينية، والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة القابلة للحياة حق طبيعي للفلسطينيين.
وعلى المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية بإلزام الاحتلال الإسرائيلي باحترام قرارات الشرعية الدولية، وحماية الفلسطينيين، وإنهاء احتلال كافة الأراضي الفلسطينية، ووقف السياسات الاستيطانية، ورفع الحصار الجائر عن قطاع غزة، وحلّ مشكلة اللاجئين بشكل عادل، وإنهاء حالة الإفلات من العقاب وضمان مساءلة جميع المسؤولين الإسرائيليين عن الانتهاكات التي ارتُكبت بحق أبناء الشعب الفلسطيني.
والشعوب العربية والإسلامية عليها الدور الأكبر لنصرة القضية الفلسطينية، ودعمها بكل الوسائل المادية والمعنوية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، كما على المؤسسات، والهيئات، والدول الداعمة لحق الشعب الفلسطيني في العيش الكريم، أن تواصل دعمها لهذا الشعب الذي يعاني منذ عشرات السنين.
وعلى الفصائل الفلسطينية أن توحِّد صفوفها، وأول خطوة تتمثل في تجاوز الخلافات بين حركتي فتح وحماس، وجميع الفصائل الفلسطينية، ولا بد من الاتفاق على صيغة موحدة للتعامل مع العدو الصهيوني لإرجاع الحقوق المسلوبة، من منطلق القوة لا الضعف والاستسلام.
وعلى السلطة الفلسطينية أن تراجع سياستها في التعامل مع الاحتلال، فلا يمكن أن تبقى متمسكة بالتنسيق الأمني مع إسرائيل امتثالًا لاتفاقية أوسلو، فلم تعد تجدي نفعًا، بعد أن حدثت تغيرات كبيرة في المنطقة، ولا بد من إعادة النظر في التركيبة السياسية الفلسطينية، ومشاركة كل الفصائل في القرار السياسي، والاتفاق على المستطاع من التوقعات والأهداف، لتحقيق الدولة الفلسطينية المنشودة.
لعل هذه المعركة تكون، بحول الله، بداية لتحرير فلسطين الذي حان وقته، ونهاية مؤكدة للمطبعين الذين ارتموا في أحضان الصهاينة، فما قام به أبطال المقاومة الباسلة أعاد الثقة في النفوس، وأحيا الأمة بعد موات، وبث فينا الروح بعد غياب. ولينصرن الله من ينصره.