هالني المعاملة غير الإنسانية التي يُعامل بها المأسورون والمحبوسون ظلمًا في سجون الجنرال عبد الفتاح السيسي، وما زالوا يعانون، خصوصا ما حدث أخيرًا للعالم والصديق الأستاذ الدكتور صلاح الدين سلطان أستاذ الشريعة الإسلامية في كلية دار العلوم جامعة القاهرة، من ضربه وإهانته، حتى كُسرت أسنانه! أبهذه الطريقة يُعامل العلماء الأتقياء الشرفاء الأوفياء، ألا يفكر السيسي وزبانيته في يوم الحساب، يوم تُرد المظالم، ويحاسب كل إنسان على ما اقترفت يداه؟
أقول: مهما تجبّرتم واعتديتم وقتلتم، فلن تستطيعوا أن تُغيّروا فكرًا، أو تنقلوا حجرًا إلا إذا أراد الله ذلك. فالرجال مواقف وسيرة ناصعة وستبقي تُكتب بمداد من نور على مر التاريخ والعصور مهما قابلوا من تحديات وعقبات.
لقد كان لي شرف معرفة الدكتور صلاح الدين سلطان منذ ثلاثين عامًا تقريبًا، عرفت فيه الهمّة العالية والتفوق الدراسي والتميز في مجاله، والقدوة الحسنة، وتحديه للصعاب. تشعر حينما يُسلِّم عليك، كأنه معك بكُلِّيته، قبل أن تتحدث معه، وتلمس في ابتسامته المعهودة أن العالم الرباني دائمًا بسّام المحيّا، وتجده في مقدمة الصفوف في كل نواحي الخير، منذ نعومة أظفاره. لمست ذلك عن قرب لفترة طويلة منذ أن زرته في قريته “الغوري” التابعة لمدينة بركة السبع بمحافظة المنوفية في مصر عام 1990. فك الله أسره ومن معه.
لقد نشأ صلاح سلطان في أسرة فقيرة، لم تكن ظروفه المادية تساعده على إتمام تعليمه. وعمل في الزراعة وكان يدرس وتفوق على زملائه فدرس اللغة العربية والعلوم الإسلامية وحصل على ليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية سنة 1981 بدرجة ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى من كلية دار العلوم جامعة القاهرة، وهذا من النُدرة حدوثه أن يحصل طالب على تقدير ممتاز في الأعوام الأربعة في هذه الكلية. وفي سنة 1987 حصل على شهادة الماجستير في الشريعة الإسلامية بدرجة امتياز. ثم حصل على شهادة الدكتوراة في الشريعة الإسلامية سنة 1992 بمرتبة الشرف الأولى، ثم درس الحقوق وحصل على شهادة الليسانس في الحقوق والقانون بدرجة جيد من كلية الحقوق جامعة القاهرة سنة 1994، وتدرّج في الدرجات العلمية، حتى وصل إلى درجة أستاذ في الشريعة الإسلامية.
وقد تولى العديد من المناصب منها: المستشار الشرعي للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية ووزارة الشئون الإسلامية بمملكة البحرين، وعميد كلية الدراسات الإسلامية، جامعة مكة المكرمة المفتوحة، وأستاذ الثقافة الإسلامية، جامعة الخليج العربي بالبحرين، ورئيس المركز الأمريكي للأبحاث الإسلامية، كولمبس – أوهايو، ورئيس الجامعة الإسلامية الأمريكية في متشجان، ومدير المركز الإسلامي الكبير في بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، وكان آخر منصب له قبل اعتقاله في سبتمبر 2013، مستشارًا لوزير الأوقاف المصري الدكتور طلعت عفيفي.
وهو عضو في العديد من المؤسسات والهيئات العلمية، منها: عضو مجلس أمناء جامعة مكة المكرمة المفتوحة، وعضو رابطة علماء ألمانيا، وعضو مجمع علماء الهند، وعضو المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، وعضو المجلس الفقهي لأمريكا الشمالية، وعضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. وتربو مؤلفاته على الخمسين، منها: “مشاركة المسلمين في الانتخابات الأمريكية وجوبها وضوابطها الشرعية” و”امتياز المرأة على الرجل في الميراث والنفقة في الشريعة الإسلامية” و”سلطة ولي الأمر في الشريعة الإسلامية”، و”أولاد حارتنا..قراءة نقدية” و”مخاطر العولمة على الأسرة عالميًا وإسلاميًا وعربيًا وسبل الوقاية والعلاج” و”الاجتهاد المقاصدي – ضرورته وضوابطه” و”الأمن الاجتماعي في الإسلام بين الأهمية والمسؤولية” و”مخاطر الأمية على الأمن الاجتماعي ودور الأئمة والمساجد في معالجتها” و”الأزمة العالمية والمضاربة الشرعية بديلًا عن الودائع البنكية والتأمينات التجارية”.
وتُرجمت بعض مؤلفاته إلى الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والهولندية، والأوردية، والفارسية.
الدكتور صلاح الدين سلطان حافظ لكتاب الله وبالقراءات العشر ويتلوه بقلبٍ صادق وبصوتٍ خاشع فتصل المعاني إلى السامع وتجري المدامع وكأن القرآن يتنزّل غضًا طريًا من السماء، وله مقولة يلخص فيها كيفية دراسة القرآن الكريم وهي: “بالقلب تأثرًا وبالعقل تدبرًا وبالنفس تغيرًا”، وهو محبٌ وعاشقٌ لكتاب الله، مصحفه في جيبه في الحل والترحال. ففي إحدى المرات احتجز لساعات في مطار أمريكا من قبل المخابرات ثم جاءه المدير وقال له: بحثنا في ملفاتك ولم نجد شيئًا يدينك ولم نجد أيَّ مأخذ عليك، لكن لدى سؤال شخصي، ولك كامل الحرية إن شئت أن تجيب أو لا تجيب. ما سرُّ السعادة التي لديك فقد كنا نراقبك بالكاميرا طوال الساعات، فلم يبدو عليك أي انزعاج أو توتر بل تقرأ هذا الكتاب الذي معك وتزداد سعادة وسكينة واطمئنانا ماهذا الذي تقرأه؟!
قال: هذا كتاب ربي فيه سر السعادة والسكينة وفيه نظام كامل لحياة البشرية لو عرفته لسعدت به الإنسانية.
وأهداه نسخة منه بالإنجليزية وقال الرجل: أعدك أني سأقرأه. هكذا كان يتحرك الدكتور صلاح بالقرآن.
فلمصلحة مَن يُغيَّب وراء الجدران، ويُعذّب في سجون الجنرال السيسي، وتُحرم الأمة من صدحه بالدعوة والقرآن؟!