رمضان والثورة على النفس

د. جمال نصار
د. جمال نصار يونيو 8, 2016
محدث 2022/06/05 at 7:44 صباحًا

لا شك أن شهر رمضان الكريم فرصة لمراجعة النفس في أمور كثيرة، فكل منّا لديه تقصير في جانب هو يعرفه، والبعض لديه خلل في أمور كثيرة. جاء رمضان ليذكرنا بالعودة مرة أخرى إلى الذات، والتوجه كليةَ إلى الله بالصلوات المكتوبة والمحافظة عليها في وقتها، والصيام والقيام، والسنن والنوافل، وقراءة القرآن، وذكر الرحمن، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والصدقة، والمعاملة الحسنة، والدعاء، والقول الجميل، والمسامحة والغفران، والعتق من النيران.

كل هذه الخصال، وغيرها، ما أحوجنا إليها في هذا الشهر الكريم وفي كل شهر، ولكنها فرصة أن نبادر بها ونبدأ في معالجة الخلل والتقصير على جميع المستويات، إنها وقفة واجبة مع النفس، علّها تكون لنا منجاة وعتقًا من النار، وطلب الرحمة والمغفرة من رب العالمين.

إن شهر رمضان المبارك هو شهر لبناء الذات وتغيير النفس، وهذا الأمر مطلوب من الجميع، يستوي في ذلك أهل العلم وغيرهم، مهما يبلغ المرء درجة في هذا الطريق فثمة مجال للرقي والتقدم.

والمسلم في عمره المحدود وأيامه القصيرة في الحياة قد عوضه الله تعالى بمواسم الخير، وأعطاه من شرف الزمان والمكان ما يستطيع به أن يعوض أي تقصير في حياته، إذا وفِّق لاستغلالها والعمل فيها، ومن تلك المواسم شهر رمضان المبارك.

ولهذا الشهر الكريم من الخصائص التي ميزه الله بها دون غيره من الشهور ما يساعد على أن يكون فرصة لزيادة معدلات التغيير والتصحيح في حياة كل فرد، بل في حياة الأمة جمعاء، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وسلسلت الشياطين”.

ويقول أيضًا صلى الله عليه وسلم: “إن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم”. وهذا معناه أن الإنسان لو أهمل بناء نفسه في هذا الشهر المبارك وقصّر حتى مرّ عليه، ولم ينل تلك المغفرة الإلهية التي هي أوسع وأسرع وأعظم فيه منها في سائر الشهور، فإنه يشقى حقًا. لأن بناء الذات واجب عيني في أداء الواجبات وترك المحرمات. فعلى الإنسان أن يحاول في هذا الشهر المبارك أن يعمل حتى يبلغ مرحلة يعتقد فيها أنه تغيّر فعلا وأنه أصبح أحسن وأفضل من السابق.

هكذا هو حال من كان الله تعالى حاضرًا عنده دائمًا، فإن محاسبة النفس لا تغيب عنه ما دام مستيقظًا، وهذا ممكن بترويض النفس بأن يخصص المرء وقتًا من يومه يزيده قليلًا كل يوم، يراجع فيها نفسه وينظر إلى أعماله ونواياه، فكلما رأى خيرًا، طلب من الله الزيادة وسعى في الإكثار منه، وكلما رأى شرًا استغفر الله منه وحاول الإقلاع عنه. وشهر رمضان خير فرصة لهذه التجربة.

وإذا توقفنا مع القرآن وتعرّفنا على أحوال السلف، سنكتشف أننا فعلا نهجر القرآن. فالتعرف على حالهم مدعاة لتدفعنا دفعًا وتحثنا حثنًا إلى مصاحبة القرآن في هذا الشهر الكريم.

فكان بعض الصحابة يختم القرآن كل سبع ليال في التراويح؛ فقد ورد عن عمران بن حدير قال: “كان أبو مجلز يقوم بالحي في رمضان يختم في كل سبع”.

وكان بعض السلف يختم القرآن في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر.

وكان قتادة يختم في كل سبع دائمًا، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر في كل ليلة.

وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع الأعمال وأقبل على قراءة القرآن.

وكان الوليد بن عبد الملك يختم في كل ثلاث، وختم في رمضان سبع عشرة ختمة.

وقال الربيع بن سليمان: كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة وفي كل شهر ثلاثين ختمة.

وكانت الخشية هي الغالبة عليهم في قراءتهم. هذه النماذج لفِعل السلف، قد تعيننا على المداومة في قراءة القرآن.

وكل عام وأنتم إلى الله أقرب وعلى طاعته أدوم.

شارك هذا المقال