أكتب هذه الرسالة إلى الجنرال السيسي الذي انقلب على رئيسه المنتخب ديمقراطيًا بحجج واهية، وأسانيد باطلة، وغيّر ملامح مصر بشكل لم يسبق له مثيل، وقام بأعمال لم تشهدها المنطقة العربية من قبل، حتى من سبقه من العسكر بداية من عبد الناصر إلى مبارك، لم يجرؤوا على القيام بهذه الأفعال التي يمارسها، وكان آخرها ما تعتصر له القلوب، وتدمى له العيون؛ من أحكام الإعدام المتوالية لخمسة عشر شابًا، في الفترة الأخيرة، لم يكن لهم أدنى ارتباط أو معرفة بالقضايا المُلفقة لهم، إلا أنهم اعترضوا على سياساته الظالمة، وممارساته المستبدة!
يا سيسي لقد تآمرت على ثورة الشباب الطاهر، وقُمت من اللحظة الأولى بمحاولات عديدة لإجهاضها، بأفعال مُدبّرة، في أحداث ماسبيرو التي قُتل فيها العشرات من أبناء مصر، وكذلك في شارع محمد محمود، ومحاولاتك المكشوفة فيما سُمي بموقعة الجمل، وكنت تريد من كل هذه الأحداث، وغيرها تغيير المشهد، والعودة مرة أخرى إلى نقطة الصفر.
ولكن بإصرار الشباب وتضحياتهم تم إفشال كل محاولاتك التي قمت بها مع أجهزتك المخابراتية بدعم إقليمي وتآمر دولي، وكان لصمود الشباب حتى الحادي عشر من فبراير 2011، وإصرارهم على خلع مبارك من السلطة، مؤشرات مهمة لإجهاض كل تخطيطاتك التي أعدت لها سلفًا لدحر الثورة المصرية في مهدها.
يا سيسي لقد قتلت خلقًا كثيرًا بالآلاف في 36 مذبحة في ربوع مصر، من أجل التمكين للثورة المضادة، وعودة النظام القديم بكل عنفوانه وجبروته، وبوجوه أكثر وقاحة وأقل خبرة، وظهر ذلك جليًا في مجزرتي رابعة العدوية والنهضة، وغيرهما.
وربما تحقق لك ما أردت وخطّطت له، واستخدمت لتحقيق ذلك كل الوسائل القذرة التي لم تشهدها مصر من قبل.
يا سيسي حديثي لك في هذه الرسالة لن يكون على ما قمت به من تغيير لعقيدة الجيش والشرطة، وتوجيه مهمتهما لدحر المصريين وإذلالهم وقتل شبابهم، بدلًا من حماية الدولة من التآمر الخارجي، والتدخلات الإقليمية والدولية، ولن يكون أيضًا عمّا قمت به من تسييس لمرفق العدالة المُتمثل في القضاء؛ الذي أصبح مطيّة لك لتحقيق أغراضك، ومواجهة معارضيك، ولن يكون حديثي عن الحالة الاقتصادية المزرية التي وصلت إليها مصر، وسببت العديد من المعاناة على كاهل الأسرة المصرية، ولن يكون عن إهدار مقدرات مصر من أراضيها في تيران وصنافير، لمصلحة الكيان الصهيوني، أو مياه النيل الذي أوشك على الجفاف، وكذلك ثروات مصر من الغاز في شرق البحر المتوسط الذي سلّمته طواعية لقبرص واليونان نكاية في تركيا.
يا سيسي حديثي لك سينصبُّ فقط على جزء من جرائمك التي تمارسها في حق مصر كلها، وهي سفك دماء المصريين بغير حق، وإصرارك على إهدار الثروة الحقيقية لمصر، المتمثلة في شبابها الواعي الذي لم يألوا جهدًا في مواجهة ظلمك بكل الطرق السلمية.
ولكن للأسف تغتر بقوتك التي سلَبْتها من الشعب المصري، وتتباهى بأنظمة إقليمية تدعمك لمصلحتها، ومجتمع دولي غير عادل، لتحقيق حلم (إسرائيل) في السيطرة على المنطقة العربية برمتها من خلال التطبيع الوقح الظاهر للعيان، ويهرول له أنظمة باعت ضمائرها قبل أن تبيع شعوبها!
هل تظن أن دعم بعض علماء السلطة لك، الذين لا يخافون في الله لومة لائم، ويبررون لك كل أفعالك، وقتلك للشباب بدم بارد، وإعدام العشرات منهم، والحكم على المئات بأحكام باطلة، وسجن عشرات الآلاف ظلمًا وعدوانًا؛ سينجيّك من عذاب الله يوم القيامة! تأكد أن كل هذه الدماء التي سالت على أرض مصر ستكون لعنة عليك، وعلى كل من يعاونك في الدنيا قبل الآخرة.
ألم تسمع قول الله تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيما) (النساء: 93).
مصير السيسي ونهايته مثل كل الظالمين
يا سيسي لا يغرنّك إمهال الله لك، وتأخيره لعقابك وإهلاكك أنت، وكل من يعاونك من الظالمين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته”، ثم قرأ: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ (هود: 102).
أقول لك يا سيسي: إن من أشد أنواع الظلم تسلّط الظلمة على رعيتهم كما تسلّط “فرعون” على قومه وقال: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) (غافر: 29)، واليوم أنت تظلم، وتتسلط، وتستبد وتطغى، وتسفك الدماء، وتهدم البيوت على أهلها في سيناء، خدمة لإسرائيل!
أذكرك بأن من الظلمة، أيضًا، الذين مروا في التاريخ “قارون” الذي بغى على قومه لمّا آتاه الله من الكنوز ما تنوء بثقله العصبة أولي القوة، كما بغى عليهم بجبروت الخبرة كما ظن، والذكاء والعلم الذي عنده فماذا كانت النتيجة؟ (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ) (القصص: 81)، و”أبرهة” صاحب الفيل الذي بنى كنيسة بصنعاء ليصرف الناس للحج إليها، ويجعل العرب يأتونها بدلاً من الكعبة ماذا كانت عاقبته؟ صرف الله عنها الناس وهيّأ من يوقد فيها حريقًا ويلطخها بالنجاسة، فأراد أن يأتي البيت ويهدمه حجرًا حجرًا، فماذا فعل الله به؟ أرسل طيرًا أبابيل جماعات جماعات تحمل الحجارة وترمي أبرهة وجنوده بها، حتى رجع صنعاء وهو مثل فرخ الطائر فمات هناك وقد هلك أكثر جيشه وانتهى.
يا سيسي سنن الله تعالى في عباده لا تتبدل ولا تتغير، فلا يردَّها قوي مهما بلغت قوته، ولا تتعجل لمستعجل حتى تبلغ أجلها الذي ضربه الله تعالى لها (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا) (الأحزاب: 62).
ومن سنن الله تعالى في عباده سوق الظالمين إلى مهالكهم، بما كسبت أيديهم، وهي سنة في الظالمين ثابتة لا تتغير ولا تتخلف، سواء أكان ظلمهم لأنفسهم، أم كان لغيرهم، وسواء أكان ظلمهم لمجرد العبث، أم كان ظلمهم لمصالح يظنونها؛ لأن تحريم الظلم مطلق محكم لا يجري عليه أي استثناء، فلا يباح الظلم أبدًا، فلا مصلحة تبيحه، ولا ضرورة مهما عظمت ترّخص فيه؛ وذلك ليُقطع الطريق على الظلمة فلا يسوغون ظلمهم، ولا يعتذرون باضطرارهم إليه، أو تحقيق المصالح به.
وعقوبة الظالم لا تتخلف أبدًا؛ فهي عقوبة تصيبه في الدنيا أو في الآخرة، أو فيهما جميعًا، وكل الأمم التي عُذبت وأهلكت علق هلاكها بظلمها، وهي أمم كثيرة كما دل على ذلك القرآن (وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا إِلَّا أَن قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ) (الأعراف:4-5).
لو قلبنا في صفحات التاريخ سنجد الكثير من الظلمة المستبدين، والحكام الجبّارين الذين نالوا من قلب الأمة وعقلها وهم: الشباب والعلماء والدعاة المخلصين ليطفئوا نور الحق، وكان أن أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، وجعلهم عبرة لمن يعتبر.
أقول لك يا سيسي لقد بلغ ظلمك مداه، ومع ذلك تريد أن تستمر في غيّك وجبروته باستمرار حكمك، لفترات أخرى، ويهلل لك المطبلون، والمنافقون، والمستفيدون، وعلماء السوء، وكل هؤلاء، والله لن ينفعوك يوم القيامة، يقول تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) (الكهف: 49).
وأخيرَا لن تستطيع حجب الحقيقة، مهما بلغت من الكذب والتضليل، ومهما دعمك أصحاب الضمائر الخَرِبة في الداخل، وعملاء الغرب في الخارج، من أنظمة متواطئة خائنة لشعوبها، باعت دينها بدنيا غيرها، وسيذكرك التاريخ بكل سوء، نتيجة لأفعالك الإجرامية، وظلمك الذي عمّ أرجاء مصر.
واعلم أن الجزاء سيكون من جنس العمل.