د. كمال أصلان – الشرق القطرية
السيد الرئيس دونالد ترامب،
تحية طيبة وبعد،
أخاطبكم اليوم بصفتي إنسانًا يرفض الظلم ويسعى لتحقيق العدالة، وأكتب إليكم بشأن القضية الفلسطينية التي لطالما كانت محورًا للصراعات والآلام. إن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني اليوم من تهجير قسري من أرضه، وتدمير منازله، وحرمانه من أبسط حقوقه الإنسانية، هو أمر لا يمكن لأي ضمير حي أن يقبله، أو يتجاهله.
لقد شاهد العالم بأسره كيف تمضي السياسات الإسرائيلية في تنفيذ مشاريع التوسع الاستيطاني غير القانوني، التي لم تؤدِّ إلا إلى مزيد من المعاناة والتصعيد، ومع ذلك، لم يكن للفلسطينيين سوى صوتهم الضعيف في مواجهة آلة الحرب والسياسات المنحازة، التي غالبًا ما تتجاهل حقوقهم المشروعة في وطنهم.
إن استمرار عمليات التهجير في غزة، والضفة الغربية، والقدس الشرقية، وحرمان الفلسطينيين من العيش الكريم، ليس مجرد انتهاك للقانون الدولي، بل هو جريمة أخلاقية وإنسانية تستوجب تحركًا عالميًا لوقفها.
السيد الرئيس،
لقد اتخذت إدارتكم خلال الفترة الأولى لرئاستكم قرارات مصيرية كان لها تأثير عميق على الوضع الفلسطيني، ومنها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بها عاصمة لـ (إسرائيل)، ودعم الاستيطان غير الشرعي، والآن تدفعون بقوة لتهجير الشعب الغزاوي من أرضه بحجج واهية، هذه السياسات عززت من شعور الفلسطينيين بالخذلان، وأدت إلى تقويض فرص السلام العادل.
إن أي حل لا يأخذ في الاعتبار حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، لن يكون سوى وصفة لاستمرار الصراع والمعاناة.
إنني أناشدكم اليوم، بصفتكم شخصية سياسية ذات نفوذ عالمي، أن تعيدوا النظر في السياسات التي ساندت الظلم، وألحقت الأذى بالشعب الفلسطيني، قد يقال إن المصالح السياسية تحكم العلاقات الدولية، لكن في النهاية، تبقى القيم الإنسانية هي المعيار الحقيقي للحكم على السياسات، وإذا كنتم تؤمنون فعلًا بالديمقراطية وحقوق الإنسان، فكيف يمكنكم تبرير تهجير آلاف العائلات من بيوتها التي سكنتها لأجيال؟! وكيف يمكنكم تجاهل الممارسات التي تنتهك كل الأعراف والمواثيق الدولية؟!
وبدلًا من إجبار الفلسطينيين لترك أرضهم التي ولدوا فيها، فالأنسب هو دعوة الإسرائيليين إلى العودة إلى البلدان التي أتوا منها.
السيد الرئيس،
ألا تعلم أن القانون الدولي يعتبر الاحتلال الإسرائيلي غير شرعي وفقًا للعديد من القرارات والمعاهدات الدولية، ومنها:
1. قرار 194 (1948): أكد حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، وهو حق لم يُنفّذ حتى اليوم.
2. قرار 242 (1967): طالب بانسحاب (إسرائيل) من الأراضي المحتلة، وهو ما لم تلتزم به (إسرائيل).
3. اتفاقية جنيف الرابعة (1949): تحظر التهجير القسري والاستيطان في الأراضي المحتلة، وهو ما تواصل (إسرائيل) انتهاكه عبر بناء المستوطنات.
ووفقًا للقانون الدولي، فإن للفلسطينيين الحق في تقرير المصير، والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال، وتنص الأمم المتحدة على أن الاحتلال العسكري يجب أن يكون مؤقتًا، وأن أي تغييرات ديموغرافية قسرية تُعتبر جرائم حرب.
السيد الرئيس،
إن التاريخ لا يرحم، وسيحكم على من وقف مع العدالة ومن دعم الظلم، إن دعمكم المطلق لـ (إسرائيل) دون النظر إلى الجانب الآخر من المعادلة لم يجلب السلام، بل أدى إلى مزيد من العنف والتوتر، فالسلام الحقيقي لا يتحقق بالانحياز لطرف واحد، بل بالعدل والمساواة وإعطاء كل ذي حق حقه.
إن الفلسطينيين ليسوا أرقامًا في نشرات الأخبار، بل هم بشر لهم آمالهم وأحلامهم، وأطفالهم الذين يستحقون العيش بأمان، وشبابهم الذين يستحقون الفرصة لحياة كريمة، ما يحدث لهم اليوم هو نكبة جديدة، تضاف إلى تاريخ طويل من التهجير والظلم، وإن لم يتحرك العالم لإيقاف هذا النزيف المستمر، فسيكون الجميع مسؤولًا أمام ضمائرهم، وأمام التاريخ.
السيد الرئيس،
أدعوكم لأن تستغلوا تأثيركم العالمي في الضغط من أجل وقف عمليات التهجير القسري، والاعتراف بحق الفلسطينيين في وطنهم، والعمل على تحقيق سلام عادل لا يقوم على القوة والاحتلال، بل على العدالة والاحترام المتبادل.
إن السلام الحقيقي لا يمكن فرضه بالقوة، بل يتحقق بإرادة الشعوب، وبقرار سياسي أخلاقي وشجاع.
آمل أن يكون لديكم الشجاعة الكافية لمراجعة سياساتكم تجاه القضية الفلسطينية، وأن تعيدوا النظر في مواقفكم بما يتفق مع مبادئ العدالة والإنصاف، لأن الحق لا يسقط بالتقادم، والشعوب لا تنسى من وقف معها ومن خذلها.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.