د. جمال نصار – الشرق القطرية
عبارة “حلّصونا من حماس”، أصبحت متداولة لدى العديد من الأنظمة العربية، حتى السلطة الفلسطينية نفسها تدعم هذا العمل، في الخفاء والعلن، طبقًا لبعض التقارير التي نُشرت في العديد من الصحف الغربية، والصحف العبرية.
وللأسف يدّعون أن هذا التوجه يصُب في مصلحة الأمن القومي الخاص ببلدانهم، وهم يعلمون يقينًا أن المسالة غير ذلك، وأن حماس هي قيمة وقامة، ولها أهمية كُبرى في صد الهجوم الإسرائيلي الشرس على تلك الدول، لأن السياسة التي بُنيت عليها العقيدة الصهيونية، هي الهيمنة على المنطقة العربية (من النيل إلى الفرات)، ولعل هذا يظهر جليًا في تصريحات بعض قادتهم، للسيطرة والهيمنة على مقدرات الأمة العربية.
إذن لا بد أن نعي جيدًا أن حماس تقوم بما يجب أن تقوم به الجيوش العربية، ومِنْ ثمّ على الجميع أن يدعموا حماس وفصائل المقاومة كلها، لأنها تمثل سدًّا منيعًا في مواجهه العدوان الإسرائيلي على فلسطين بشكل عام، وعلى غزة بشكل خاص، وأول من يجب أن يساهم ويساعد ويدعم حماس وقوى المقاومة هي بلدان الطوق التي تحيط بفلسطين، لأنها أول من سيكون ضحية لهذه المؤامرة التي تحاك للمنطقة برمتها.
فالشعب الفلسطيني في مجمله، وقِواه المقاوِمة يقومون بما يجب أن تقوم به هذه الدول ويُضحّون بالنفس، وكل ما يملكون، هذه التضحيات الهائلة تطول الرجال والنساء، حتى الأطفال يُقدمون أرواحهم لنصرة قضيتهم، كل ذلك من أجل حماية المقدسات الإسلامية، ومن أجل تحرير الأرض من العدو المغتصب بدون وجه حق.
يا من ترون في حماس العدو اللّدود، الذي يهدد عروشكم، استيقظوا قبل فوات الأوان، فحماس حركة تحرر وطني لإنقاذ شعبها من براثن الاحتلال، الذي أثبت للعالم كله مدى جبروته وإجرامه، وعدم احترامه للأعراف والقوانين الدولية، بل يتعمّد بكل صلافة ووحشية الضرب بعُرض الحائط كل المواثيق الدولية. وللأسف الولايات المتحدة الأميركية تدعم هذا العدو سياسيًا في كل خطواته، وتمده بالسلاح المتطور والمال، وكان آخرها استخدام حق الفيتو في مجلس الأمن ضد وقف النزيف الدائم في غزة!
والأدهى من كل ذلك أننا نجد بعض الدول العربية تُسخِّر كل ما تملك للانصياع للعدو الصهيوني، وتلبية رغباته، وتحقيق آماله، ولعل عجلة التطبيع قبل طوفان الأقصى كانت تسير بالشكل الذي يريدون، ولكنّ الله خذلهم، وكشفهم أمام العالم، وأمام شعوبهم.
تخيلوا معي لو تمّ التخلص من حماس، وكل قوى المقاومة، لا قدّر الله، ماذا سيكون وضع فلسطين، والمنطقة العربية، ومن يحمي المقدسات الإسلامية في القدس وغيرها؟! مع العلم أن هذا هو دور الجيوش العربية في الأساس، بنص الدساتير التي كُتبت، وقوانين الجامعة العربية التي لا يظهر لها أي أثر إلا الشجب والاستنكار فقط!
إن سعي أميركا والكيان الصهيوني للقضاء على حماس كما يدّعون من خلال حربهم على قطاع غزة، وباقي الأراضي الفلسطينية لا يُجدي، ولن يُكتب له النجاح، لأن حماس أولًا فكرة قبل أن تكون مقاومة عسكرية، فالفكرة الأصيلة التي تقوم عليها هي تحرير الأرض من المغتصب بكل الوسائل السياسية والعسكرية، ولها أنصار ينتشرون في كل أنحاء العالم، ومن ثمّ لا يمكن القضاء عليها كما يزعم هؤلاء!
ووفق صحيفة “نيويورك تايمز”، “لا يمكن تفكيك حماس كما تدّعي الاستراتيجية الإسرائيلية لأن “حماس” تُمثل فكرة سياسية ودينية لا يمكن تفكيكها، وهي منظمة ازدهرت بفضل سمعتها بين الفلسطينيين باعتبارها تتبنى الكفاح المسلح ضد إسرائيل”.
وفي تصريح منسوب إلى “لينا الخطيب”، مديرة معهد الشرق الأوسط في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، “حتى لو هُزمت “حماس” عسكريًا، فلا يمكن القضاء عليها، لأن القول إن وجود “حماس”، أو شرعيتها مرتبط بنجاحها العسكري هو أمر زائف، لهذا يمكن هزيمتها عسكريًا لكنها تبقى ذات أهمية سياسية حيث يمكنها تقديم أي دفاع على أنه استشهاد بطولي من أجل تحرير الشعب الفلسطيني”.
أعلم أن انتصار المقاومة بأي شكل من الأشكال سيُحرج الأنظمة المستبدة التي تستمد شرعيتها من الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، ومن ثمّ يسيرون في فلكها، وينساقون لطلباتها في التطبيع مع هذا الكيان المغتصب، كما أن هذا الانتصار سيقلب الشعوب على تلك الأنظمة التي صرفت المليارات تلو الأخرى على التسليح العسكري دون جدوى، مع العلم أن المقاومة في طوفان الأقصى حققت ما لم تحققه جيوش نظامية لديها إمكانيات كبيرة.