د. كمال أصلان – الشرق القطرية
حُسن الظن؛ هو تغليب جانب الخير على جانب الشر، وتجنّب المسارعة بالاتهام دون برهان. قال اللَّه، تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات: 12).
قال ابن حجر الهيتمي: “عقّب تعالى بأمره باجتناب الظن، وعلّل ذلك بأن بعض الظن إثم، وهو ما تخيلت وقوعه من غيرك من غير مستند يقيني لك عليه، وقد صمم عليه قلبك، أو تكلم به لسانك من غير مسوّغ شرعي”.
وكأن الآية الكريمة تنهى عن أن يتلوث الإنسان بالظن السيئ فيقع في الإثم، وتحث على أن يظل الإنسان طاهر القلب، نقي الصدر، بريء الساحة، يطوي فؤاده على حسن الظن بالناس.
وعن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تباغضوا، وكونوا إخوانًا)، قال النووي: المراد: النهي عن ظن السوء.
وقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: “لا يحل لامرئ مسلم سمع من أخيه كلمة أن يظن بها سوءًا، وهو يجد لها في شيء من الخير مصدرًا”، وقال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: “من علم من أخيه مروءة جميلة، فلا يسمعن فيه مقالات الرجال، ومن حسُنت علانيته فنحن لسريرته أرجى”.
ومن صور حسن الظن:
أولًا: حُسن الظن بالله: فعن جابر، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قبل موته بثلاثة أيام يقول: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله، عز وجل)، فإحسان الظن بالله، تبارك وتعالى، واجب، وهو أُنس للعبد في حياته، ومنجى له بعد مماته، قال ابن القيم: “كلما كان العبد حسن الظن بالله، حسن الرجاء له، صادق التوكل عليه؛ فإن الله لا يخيّب أمله فيه البتة؛ فإنه سبحانه لا يخيب أمل آمل، ولا يضيع عمل عامل”.
ثانيًا: حُسن الظن بين الرؤساء والمرؤوسين: فلا ينتظم أمر هذه الأمة إلا بالعلاقة الحسنة بين أفرادها رؤساء ومرؤوسين؛ لذا كان من وصية علي، رضي الله عنه، للأشتر عندما ولاه مصر: “واعلم أنه ليس شيء أدعى إلى حسن ظن وال برعيته من إحسانه إليهم، وتخفيفه المؤونات عنهم، وترك استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم؛ فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك، فإن حسن الظن يقطع عنك نصبًا طويلًا، وإن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده، وإن أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده”.
ثالثًا: حُسن الظن بالإخوان والأصدقاء: فعلى المسلم أن يحسن الظن بإخوانه المسلمين عامة، وبأصدقائه المقربين خاصة، وهذا ما أرشدنا إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبيّن أنه واجب على المسلم تجاه أخيه المسلم، فيجب على المسلم أن يلتمس لإخوانه الأعذار ما استطاع، ويحمل عليها ما يبلغه عنهم من قول، أو فعل، فإذا لم يجد محمل، فليقل: لعل لهم عذرًا لم أعرفه.
رابعًا: حُسن الظن بالسلف وأهل العلم: قال السبكي: “ينبغي لك، أيها المسترشد، أن تسلك سبيل الأدب مع الأئمة الماضين، وألّا تنظر إلى كلام بعضهم في بعض إلا إذا أتى ببرهان واضح، ثم إن قدرت على التأويل، وتحسين الظن فدونك، وإلا فاضرب صفحًا عمّا جرى بينهم؛ فإنك لم تخلق لهذا، فاشتغل بما يعنيك، ودع ما لا يعنيك، ولا يزال طالب العلم عندي نبيلاً حتى يخوض فيما جرى بين السلف الماضين، ويقضي لبعضهم على بعض”.
خامسًا: حُسن الظن بين الزوجين: إن إحسان الظن بين الزوجين من أهم الدعائم التي يُبنى عليها البيت المستقر والمطمئن، وبغير حُسن الظن، فإنالبيوت مهددة بالتصدع والانهيار، فلا بد أن يكون بين الزوجين حسن ظن متبادل، وألّا يتركا للشيطان مجالاً للتلاعب بهما، وقذف الشكوك في قلبيهما؛ لأنه متى ما انفتح باب إساءة الظن بينهما جرّ ذلك إلى ويلات قد تهدد استقرار البيت بأكمله.
اللهم ارزقنا حسن الظن بك، وصدق التوكل عليك، ولذة الافتقار لك.