قُتل المواطن الأميركي ذات الأصول الأفريقية جورج فلويد (46)، في الخامس والعشرين من مايو/أيار 2020 في مدينة منيابولس في مينيسوتا بالولايات المتحدة الأميركية، وذلك أثناء تثبيته على الأرض لاعتقاله من قبل شرطة المدينة، حيث قام ضابط شرطة منيابولس (ديريك تشوفين) بالضغط على عنق فلويد (بركبته) لمنعه من الحركة أثناء الاعتقال لما يقارب تسع دقائق، وأثناء ذلك قام شرطيان آخران بتقييده، بينما منع رابع المارة والمتفرجين من التدخل، وخلال دقائق بدأ فلويد بالصراخ وبشكل متكرر بقوله: (لا أستطيع التنفس)، وصرخ بعض المارة طالبين من الشرطي التوقف عن ذلك، لكنه استمر في عنفه، مما أدى إلى توقف حركة فلويد، ووقف نبضه.
ومع ذلك لم يُظهر ضباط الشرطة أي محاولة لإسعافه، بل على العكس، استمر بالضغط على عنق فلويد بركبته حتى عندما حاول مسعفو الطوارئ الطبية إسعافه!
والحقيقة أن هذه العنصرية التي تمثلت في تصرف هذا الشرطي، لم تكن الأولى، بل سبقتها العشرات من الحالات في عموم الولايات المتحدة الأميركية في سنوات سابقة، وأظن أنها لن تكون الأخيرة، وخصوصًا مع الطريقة العنصرية التي يمارسها ترامب في إدارته، مما ساعد على انتشار أعمال العنف، وازدياد وتيرة العنصرية بين الأميركيين البيض والسود.
واللافت للنظر أن معظم الشعوب في الدول الغربية خرجت لإدانة هذه العنصرية في أميركا، ولم تدن أو تتحرك الشعوب العربية (باستثناء تونس)، ضد هذه العنصرية، نتيجة للقبضة الأمنية التي تحيط برقاب شعوبها، وحالة العوز والفقر التي أنتجتها الأنظمة المستبدة!
عنصرية الاستبداد في العالم العربي
يعيش العالم العربي منذ عشرات السنين حالة من الاستبداد والغطرسة على يد أنظمة ديكتاتورية جاءت بعيدًا عن رغبة الشعوب، بل فُرضت فرضًا لتكبيل الشعوب، واستنزاف خياراتها لصالح أعدائها.
فنجد في مصر هيمنة العسكر على مقاليد الأمور منذ العام 1952، وازدادت وتيرته مع الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب محمد مرسي، يرحمه الله، الذي قتل في سجنه بشكل متعمد، ولم تنتظر المنظومة العسكرية لكي يكمل الرجل مدته القانونية، بل سارعت مدعومة من دول إقليمية ودولية بزعزعة الاستقرار وتثوير الشارع ضد الرئيس، وتهيئة الظروف للانقلاب العسكري والسطو على السلطة من قبل عبد الفتاح السيسي.
ولم يكتف السيسي بانقلابه على الشرعية الدستورية، بل قام بانتهاك الدستور والقانون مرات عديدة، بسجنه لآلاف المصريين الذين يعارضون سياساته، بل تطور الأمر إلى القتل المتعمد بدم بارد لمئات من الشباب المصري بحجة مواجهة الإرهاب، الذي زرعه في كل ربوع مصر، وزادت ضحاياه في السجون المصرية، وتحول كل معارض له لهدف يمكن التخلص منه، إما بالقتل، أو الإخفاء القسري، أو السجن. مثلما فعل الشرطي العنصري في الولايات المتحدة سواء بسواء!
وفي المملكة العربية السعودية، تم التخلص من كل المصلحين والمعارضين للملك سلمان، وبالأحرى لابنه محمد الذي تعدى كل التقاليد السعودية من أجل أن يصل إلى ولاية العهد، وأصبح الحاكم الفعلي في المملكة الآن. وكانت بداية القصيدة في سبتمبر/ أيلول 2017 حينما قام باعتقال معظم العلماء، والمصلحين، والناشطين، والأكاديميين، والكتاب أمثال: الشيخ سلمان العودة، وعلي العمري، وعوض القرني، ومحمد موسى الشريف، وعلى بادحدح، ومنع العديد من السفر، منهم: محمد العريفي، وعائض القرني.
وطالت الاعتقالات النساء، أيضًا، مع حرمانهن من حقوقهن القانونية، ولم توضح السلطات في المملكة مصير معتقلي الرأي ولم توجّه لهم تهمًا أو محاكمات علنية، لتكون هذه الحملة بداية لما وُصف بالعام الأسوأ في تاريخ حقوق الإنسان بالمملكة، كما طالت الحملة بعض الأمراء لابتزازهم والضغط عليهم.
وآخر هذه المآسي استشهاد العالم الكبير في المملكة أثناء اعتقاله الشيخ عبد الله الحامد (69) في أبريل/ نسيان 2020، صاحب الفكر الإصلاحي، بعد أن عانى لعدة أيام من أزمة صحية حادة نُقل على إثرها للعناية المركزة. وكان قد اعتقل عام 2013، وحُكم عليه بالسجن 11 سنة، لمشاركته في تأسيس جمعية “حسم”، التي كانت تدعو إلى الملكية الدستورية، ولإشراك الشعب في العملية السياسية.
ولم تذهب بعيدًا دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد شهدت هي الأخرى اعتقال المئات من المعارضين لأولاد زايد، من أصحاب الفكر الإصلاحي، بدعوى انتمائهم للإخوان المسلمين.
وتم توثيق لحالات “اختفاء قسري”، ومحاكمة نشطاء حقوقيين لتعبيرهم عن آرائهم، وتعذيب سجناء، وإيقاف أشخاص دون أمر توقيف، وسجنهم في مرافق احتجاز سرية بمعزل عن العالم الخارجي، وكثير من هؤلاء الأفراد تعرّضوا للتعذيب، أو غيره من أشكال سوء المعاملة.
والحقيقة أن محمد بن زايد على وجه الخصوص لا يألو جهدًا في مواجهة تيار الإسلام السياسي في دولته، أو خارج دولته إلا وقام به، سواء بدعم الانقلابات العسكرية، أو سجن الدعاة والمصلحين، أو دعم القلاقل والفتن في بعض الأماكن، بل زادت الأمور عن حدود المتخيل بدعمه للاستيطان اليهودي في فلسطين، والدعوة إلى التطبيع بشكل علني مفضوح!
خطورة العنصرية والاستبداد على الشعوب
تُعتبر العنصرية واحدةً من أسوأ السُلوكيات، والأمراض التي تُمارس في العديد من المُجتمعات، والتي تقوم على استبداد الناس والتعامل معهم بشكل غير إنساني، كما وتقوم على سلب حقوق الأشخاص الذينّ ينتمون إلى عروق وأديان مُعينة، ويُمكن أن تُمارَس العُنصرية أيضًا ضد الأشخاص من ثقافة مُعينة، أو حسب مكان السكن، أو العادات، أو المُعتقدات، أو اللغة وحتى لون البشرة.
كما يستخدم المصطلح للإشارة إلى الممارسات التي يتم من خلالها معاملة مجموعة معينة من البشر بشكل مختلف، ويتم تبرير هذا التمييز بالمعاملة باللجوء إلى التعميمات المبنية على الصور النمطية، وباللجوء إلى تلفيقات علمية، وهي كل شعور بالتفوق، أو سلوك، أو ممارسة، أو سياسة تقوم على الإقصاء، والتهميش، والتمييز بين البشر على أساس اللون، أو الانتماء القومي، أو العرقي.
وتنعكس سلبيات العنصرية على الفرد والمجتمع على حدٍ سواء، فالفرد لبنة المجتمع، إذا صلح حاله صلح المجتمع بأسره، والعكس صحيح، ومن الآثار السلبية للعنصرية:
أنها تولد الحقد والكراهية بين الشخص العنصري والشخص الذي تمارس عليه السلوكيات العنصرية، ويتم رفض الشخص الذي يتعرض للعنصرية في كافة الاجتماعات واللقاءات، وتجعل الفرد الذي يتعرض للعنصرية شخصًا وحيدًا منبوذًا يعيش بعيدًا عن الآخرين، كما تجعل العنصرية المجتمع مفككًا غير مترابط، وتولد النزاعات بين أفراد المجتمع، وتخلق جوًا من الحقد والكراهية بين أبنائها، وتخلق أجواءً يسودها الخوف والكبت وعدم الاستقرار، وقد تعمل على إشعال شرارة الحرب في المجتمع، لتعصب كل طائفة لأفكارها.
والأنظمة الفاسدة المستبدة هي نفسها التي تمثل العنصرية السياسية في شكلها القبيح، لأن المستبد يظن أنه هو الأفضل، والأحسن، والأعلم على كل فئات الشعب، وخصوصًا، إذا كان من فئة العسكريين والجنرالات الذين يستخدمون مقدرات الشعوب من السلاح والجيوش لخدمة أغراضهم.
هذه الأنظمة المستبدة لا هم لها إلا توظيف الإمكانيات والطاقات من أجل الثبات واستمرار وجودها، والمحافظة على بقائها على كرسي الخلود!! وتعمل هذه الأنظمة على خلق كفاءات تخدم طمعها وطغيانها، وأعوان وحاشية تساعد على بقائها وبقاء ملكها وعرشها، والمحافظة والتغطية عليها في سلب شعبها ومصادر وثروات أوطانها.
ومن أجل تحقيق هذه الأنظمة لأغراضها فإنها تنسف جميع الكفاءات الأخرى التي لا تعمل لصالح أطماعها وجبروتها، وتبقي فقط الكفاءات المنتجة لبقاء سلطانها.
وبالتالي تقل فرص العمل وتزداد البطالة والفقر والمرض النفسي والعصبي، فينهار الاقتصاد وتتراكم الديون على الدولة، ويقوم هذا النظام بسداد ديونه من جيوب شعبه، ومن دم الفقراء والمساكين، وتقليص الدعم على القطاعات الصحية والتعليمية والاجتماعية، ويزيد في الأسعار والضرائب، ويبخس حق الوطن والمواطن من أجل زيادة تخدير عقل المواطن المسكين الذي ليس له حول ولا قوة.