دُعيت إلى ورشة عمل مغلقة في مدينة اسطنبول أقامها أحد المراكز البحثية، للنقاش حول الشأن المصري، وكان عنوان الورشة: “مصر إلى أين؟ الأوضاع الداخلية والبيئة الخارجية وسيناريوهات المستقبل”، وبدأت بمداخلة أساسية للأستاذ الدكتور سيف الدين عبد الفتاح تحدث فيها عن رؤيته للانتخابات الرئاسية المصرية القادمة والسيناريوهات المحتملة.
وفي مداخلتي كان شغلي الشاغل أن أقوم بعملية جرد حساب سريعة عن دور المعارضة بشكل عام في المشهد السياسي المصري، وخصوصًا معارضو الخارج، وقلت لن أتحدث عن كمّ التدهور الذي وصلت إليه مصر على يد الجنرال عبد الفتاح السيسي في جميع الميادين، فقد جاء تعبيرًا حقيقيًا عن الثورة المضادة بكل آلياتها وعنفوانها، وآل على نفسه أن يقضي على كل من يعارضه سواء بالقتل أو السجن، أو الإبعاد أو تشويه الصورة من خلال آلة إعلامية تُشيطن كل شيء، وتقلب الحقائق وتزوّر التاريخ، ناهيكم عن تكميم الأفواه وسلب الحريات، ووضع اقتصادي مزري وصل إلى حافة الانهيار، برغم كل المساعدات الخارجية التي تُقدّم للنظام المصري!
ولن أتحدث أيضًا عن عشرات الآلاف الذين يعانون في السجون المصرية دون أدني حق من حقوق الإنسانية، ناهيكم عن معاناة الأهالي في الوصول إلى رؤية ذويهم، وانتشار ظاهرة الاختفاء القسري، وتلفيق التهم جزافًا لمئات الشباب بحجج واهية، وتدمير سيناء على أهلها، ونشر الإرهاب في ربوع مصر، بممارسات فاشية، وتضييق أمني غير مسبوق!
ولن أنشغل – أيضًا – بالحالة الضبابية التي أحدثها الفريق أحمد شفيق في المشهد السياسي المصري، ببيانه الذي شغل الرأي العام حول ترشحه للرئاسة، ثم تراجعه مرة أخرى، لأنني لم ولن أتوقع منه غير ذلك، لأن ما بُني على باطل فهو باطل.
وما أعنيه في هذا الصدد الحديث عن دور المعارضة، وخصوصًا في الخارج، لأن الداخل مُكبّل ومُقيّد، فبعد أكثر من أربع سنوات على الانقلاب العسكري على المسار الديمقراطي في الثالث من يوليو 2013، وصلت المعارضة إلى حالة هي الأخرى مزرية قد تسرّ العدو، ولكنها لن تسرّ القريب أو الحبيب.
وأعتقد أن المعارضة المصرية في الخارج بكل أطيافها وأصنافها تشهد، في الغالب، ضعفًا عامًا أصاب مفاصلها وأعضائها وشلّ حركتها، ولم تعد قادرة على أداء الدور المنوط بها، وتمثل ذلك في التالي:
أولًا: غياب الرؤية الجامعة؛ التي يتوافق عليها الجميع، وكل من ينادي بإزاحة النظام الاستبدادي الذي جثم على صدر مصر لعشرات السنين، ويزداد كبرًا واستعلاءً، طالما الأمور تسير بنفس الوتيرة، وهذا التفكك الملحوظ.
أقول: إلى متى يستمر غياب الرؤية التي يقتنع بها الداخل قبل الخارج؟
وما هي الأجندة التي يجب التحرك من خلالها على عدة مسارات لإزاحة هذا النظام؟
وما هي البدائل المطروحة التي تقنع عموم الناس بجدوى هذه المعارضة؟
وما هو العائد الذي يلمسه الناس من تحركاتها؟
فالمشهد مضطرب ويفتقد إلى المشروع، وإلى الرؤية الواضحة، وما هو مطروح أرى أنه جهد متواضع لما يجب أن يكون.
أقول بقدر غياب هذه الرؤية وعدم الاجتماع عليها، بقدر تغطرس النظام الاستبدادي وانتفاشه، وسطوته وتمكُّنه من مجريات الأمور في الداخل والخارج، وخصوصًا أنه يجد له أعوانًا على المستوى الإقليمي والدولي.
ثانيًا: عدم الوعي بطبيعة التحديات التي تواجهها المنطقة العربية، وفي القلب منها مصر؛ فنجد أن العديد من المعارضين، إلا من رحم، منشغل بقضايا فرعية، لا يمكن أن تفيد بشكل من الأشكال في حلحلة نظام مستبد يجد من يعاونه ويسانده، فلم يعد هناك من يُشخِّص الواقع، ولا من يستشرف المستقبل، بشكل يتلاءم مع قدر وعِظم التحديات التي تواجه المنطقة، من السعي الحثيث لتقسيمها، وإضعافها لكي تكون لقمة سائغة للعدو الصهيوني.
ثالثًا: حالة التشهي إلى التفكك والانقسام؛ فالغالب في السياق العام أنه حينما يتشكل تكتل أو مجموعة للتقارب فيما بينها، تجد من يخرج ليشتت الجهود ويصرف الأنظار إلى قضايا فرعية، وأمور هامشية، ناهيكم عن الاتهامات المتبادلة التي لا يراعى فيها أحيانًا الخصوصية، وينقلب الأمر من السعي للتحرك نحو تجميع الجهود وتوحيدها إلى التخوين والاتهام بالعمالة. والمشكلة الجوهرية أن من يتهم فلان أو يُخوِّن علان، يعتقد أنه على كامل الصواب، وغيره على باطل على الدوام، طالما أنه بعيد عن الصورة ولم يشارك أو يُدعى!
إذن ما السبيل لحل مُعضلة المعارضة المصرية؟
بالرغم من كل السلبيات التي ذكرتها فيما سبق، إلا أنه يجب أن يكون هناك أمل للحل، وأفق لتوحيد تلك المعارضة، والسعي بكل السبل للم شمل المعارضة المصرية، لأن التحديات كبيرة، وخطورتها ستؤدي إلى عواقب وخيمة على الجميع، ومن ثمَّ وجب أن يكون هناك إجماع على محاور ثلاث، كما عبّر عنها الزميل الأستاذ الدكتور سامي العريان:
– إجماع الرؤية، التي يسعى إلى وضعها الجميع دون استثناءٍ لأحد.
– إجماع الإرادة، بمعنى أن تكون إرادة الجميع معقودة على فعل متفق عليه يكون له أثر واضح.
– إجماع العمل، بمعنى العمل الجاد، وترك الكلام فيما لا طائل منه وتوجيه الجهود للعمل المفيد.
وبعد وضوح الرؤية المتفق عليها، وبذل كل الجهود المختلفة لتحقيقها وجب السعي في عدة مسارات، لكي ترى هذه الرؤية النور وتُلامس الواقع، من ذلك:
- إيجاد مسارات سياسية على المستوى الدولي والإقليمي لشرح الواقع الأليم في مصر، وأنه سيؤثر على مجمل الأحداث في المنطقة، وعلى مصالح تلك الدول، إذا صار بهذه الطريقة تحت حكم العسكر.
- بذل كل الجهود على الجانب الحقوقي والإنساني من خلال المنظمات والهيئات المعنية، لشرح المعاناة التي يعيشها المعتقلون في السجون المصرية، مع غياب الحد الأدنى من هذه الحقوق الإنسانية لهم ولذويهم.
- إيقاف سيل الشتائم والتخوين، ورأب الصدع بين الفرقاء، وبذل الجهد في تقريب وجهات النظر، لخطورة المرحلة التي تستدعي تعاون كل الجهود وعدم تشتيتها، وإنكار الذات حتى تلتئم الجراح.
فالأمل في النهاية معقود على تقارب وجهات النظر، والاتفاق على المشتركات وهي كثيرة، فالتحديات واحدة والهمّ كبير، وبإخلاص الجهود وتقاربها، وبذل الجهد فيما هو مفيد، وترك القضايا الفرعية، والاهتمام بالأمور الكلية، والسعي إلى وحدة الصف، ربما يكون ذلك مدخلاً لتوحيد معارضة لها شكل ورؤية جامعة، تُقنع جموع الناس التي تنتظر التغيير وتسعى إليه. فإرشاد الشعوب وتوعيتها، وخدمتها في ذات الوقت، مسألة غاية في الأهمية وتحتاج إلى كل الجهود.
وكما قال الشاعر أحمد شوقي: إن المصائب يجمعن المصابينا.