د. جمال نصار – المجتمع الكويتية – 1-1-2023
المثلية الجنسية؛ هي إحدى أشكال الشذوذ الجنسي، والتي تتضمن وجود المشاعر الرومانسية، والانجذاب الجنسي لأفراد من نفس الجنس، والرغبة بممارسة الجنس معهم.
وإباحة الشذوذ الجنسي في العصر الحديث تمَّ التمهيد لها عبر الحملات التي رفعت شعارات تحرير المرأة، ومساواتها بالرجل في جميع الحقوق، ومنها الحقوق الجنسية، والترويج لمفهوم “الجندر”.
والغريب أن معظم منظمات حقوق الإنسان في الغرب تعتبر أن المثلية الجنسية طبيعية جدًا، وغير مَرَضية وهي موجودة في تاريخ البشرية منذ القدم، وهنالك بعض الدول في العالم التي تشرّع زواج المثليين من بعضهم البعض.
وتعتبر منصة “نتفلكس” الراعي الرسمي والعالمي في عصرنا لترويج الشذوذ، فهي تعج بالمسلسلات، والأفلام التي تحتوي على ممارسات شاذة، كالمثلية، والسحاق، والبيدوفيليا (اشتهاء الأطفال جنسيًا)، وكذلك شركة ديزني للأطفال.
موقف الشريعة من الشذوذ الجنسي
من أوائل الذين مارسوا الشذوذ الجنسي قوم لوط، حيث نهاهم عن تلكم العادة السيئة بقوله: (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ) (الشعراء: 165) أي أنكم قوم تتعدون الحلال إلى الحرام، ومن تعدى الحلال إلى الحرام فلا ينتظر من الله، عز وجل، إلا العذاب، (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ) (الشعراء:166) أي: متجاوزون للحد، واقعون فيما حرّم الله، فانتظروا العقوبة من الله.
والشذوذ الجنسي فيه مخالفة صريحة للفطرة السوية التي فطر الله الناس عليها، يقول الله، عز وجل (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَة اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (الروم: 30).
والمتأمل في القرآن الكريم يجد أن عقوبة الشذوذ الجنسي ومخالفة الفطرة قاسية ورادعة، لبيان عِظَم وشناعة الجُرم الذي يرتكبه الشواذ الذين يتركون ما أحلّه الله، عز وجل، من الاستمتاع بالجنس الآخر، ويتجهون للاستمتاع بالجنس نفسه، يقول الله، عز وجل (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ) (هود: 82).
واتفق الفقهاء على أن اللواط (المثلية) مُحرّم، لأنه من أغلظ الفواحش، وقد ذمّه الله تعالى في كتابه الكريم وعاب على فعله، فقال تعالى: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) (الأعراف: 80 – 81)، وقد ذمّه الرسول، صلى الله عليه وسلم، بقوله: (لعن الله من عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط).
والشذوذ فيه تعطيل للمهمة التي خُلق الإنسان من أجلها؛ وهي عبادة الله، عز وجل، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وعمارة الأرض بالتزاوج والتكاثر.
غياب القيم سبب أصيل في رواج المثلية
عندما تغيب القيم الأخلاقية في مجتمع ما من المجتمعات التي يعيش فيها الإنسان؛ سنجد أن هذا المجتمع يعاني معاناة شديدة، لأنه يخالف الفطرة التي فطر الله الناس عليها. فارتكاب الجرائم التي يرتكبها الإنسان نظرًا لضعف الوازع الديني والأخلاقي تصبح طبيعية نتيجة لاكتساب العادات السيئة.
وعلى ذلك، يعتبر الالتزام الأخلاقي عامل أساس في بقاء المجتمعات وتماسكها، ويتمثل ذلك في الإيمان بالله، وهو هدف اجتماعي للمجتمع المسلم يحقق له الأمن والأمان. وعندما لا يوجد الضمير الأخلاقي والوازع الديني لدى الإنسان، فهو يرتكب الجرائم البشعة في حقه وفي حق مجتمعه ومحيطة، وبالتالي يقع في حضيض من الذل والهوان، ويستخف هوانه وذله.
وبدون تنمية الحس الأخلاقي الديني في الحفاظ على القيم وإعادة الاعتبار للمبادئ الإنسانية المشتركة، وإحياء روح التضامن البشري فإن مستقبل الحياة على هذا الكوكب سيكون محفوفًا بكثير من المخاطر (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم: 41)
واقع الشذوذ في العالم العربي
الشعوب العربية، في كثير من الأحيان، تابعة ومغلوبة، والمغلوب مولع دومًا بتقليد غالبه، كما قرر ابن خلدون (808)، وبما أن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية يسعى سعيًا حثيثًا لعولمة نموذجه الثقافي والاجتماعي والاستهلاكي، فقد أتت رياح الشذوذ الجنسي على مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وبرزت أصوات تطالب بحقوق من يسمون “المثليين”، رغم قلتهم النادرة في مجتمعاتنا، إلا أن بعض منظمات المجتمع المدني المنتشرة في ربوع العالم الإسلامي تتحدث وتطالب بحقوقهم، هذه المنظمات التي تلقى تأييدًا ودعمًا من الجهات الغربية في محاولة لنشر الشذوذ في المجتمعات الإسلامية، والترويج له وتعميمه وجعله معيارًا للحرية.
والواقع في مجمله أن المجتمعات العربية والإسلامية تلفظ هذه المطالبات وتستنكرها، لكن الوقاية خير من العلاج، ووأد هذه المطالبات في مهدها، وبيان خطرها دائمًا هو أمر مهم.
وسائل الحماية والمواجهة
أولًا: الاهتمام بتبيين خطر الشذوذ الجنسي على البلدان والمجتمعات، خاصة في المجتمعات الإسلامية والعربية، على مستوى المدرسة، والمسجد، والجامعة، ووسائل الإعلام سواء المرئي، أو المقروء، أو وسائل التواصل الاجتماعي.
ثانيًا: تربية النشء والمجتمع على القيم الإسلامية، لحماية الإنسانية، في ظل انفلات قيمي واسع في شتى بلدان العالم من شأنه أن يوصلها إلى الهاوية، بعكس القيم الإسلامية الثابتة المبثوثة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والتي تحافظ على الفرد والأسرة والمجتمع.
ثالثًا: الرد على الداعين للشذوذ الجنسي بشكل منهجي وعلمي، والتحذير من منظمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام التي تتبنى هذه الدعوات تحت مُسمى حقوق الإنسان والحرية والتقدمية والديمقراطية، وغير ذلك من الشعارات البرّاقة.
رابعًا: حث البرلمانيين في الدول العربية والإسلامية على التقدم بمشاريع قوانين تحاصر الشذوذ الجنسي بمنع كل ما يُشجع عليه، أو يدعو إلى إباحته، أو يناصر ما يُسمى حقوق المثليين، سواء كان الداعي منظمات مجتمع مدني، أو مواقع إلكترونية، أو صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، أو غير ذلك.
خامسًا: بيان مفهوم الحرية الصحيح من وجهة النظر الإسلامية، فلا يوجد عاقل يقول بأن الإنسان حر يفعل ما يشاء، حتى لو عاد بالضرر على الغير، فالجميع متفق على تجريم القتل والسرقة مثلاً لأنها تضر الآخرين، ولم يقل أحد إن هذا ضد الحرية، وكذلك الشذوذ الجنسي يؤدي إلى تدمير المجتمع.
سادسًا: الاهتمام الكبير والتوجيه من جانب المؤسسات الحكومية، والمنظمات الأهلية، والنقابات المهنية، والاختصاصيين في الجانب الشرعي والاجتماعي، والطب النفسي، للبحث عن الأسباب، والعمل على علاج كل حالة بما يناسبها.