العفة وضبط النفس من سمات الشخصية السوية

فريق العمل
فريق العمل سبتمبر 2, 2022
محدث 2022/09/02 at 8:49 صباحًا

د. جمال نصار – المجتمع الكويتية

العفة: هي كف النفس عمّا لا يحل، وضبطها عن الشهوات، فهي حالة متوسطة بين الفجور الذي هو إفراط في الشهوة، والجمود الذي هو تفريط فيها، أو هي اعتدال الميل إلى اللذة، وخضوعها لحكم العقل.

والعفة شرط في كل فضيلة، فلولاها لصارت الفطنة. مكرًا ودهاء، والشجاعة تجاوزًا للهدف، والعدالة نوعًا من الظلم، إنها تنظم الشهوات وتخضعها لحكم العقل.

والقرآن الكريم يدفع المؤمنين إلى امتثال خُلق العفة، يقول تعالى: (وَلَا تَقۡرَبُوا۟ ٱلزِّنَىٰۤ إِنَّهُۥ كَانَ فَـٰحِشَةً وَسَاۤءَ سَبِیلًا) (الإسراء: 32)، وقال: (قُل لِّلۡمُؤۡمِنِینَ یَغُضُّوا۟ مِنۡ أَبۡصَـٰرِهِمۡ وَیَحۡفَظُوا۟ فُرُوجَهُمۡۚ ذَ ٰ⁠لِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِیرُۢ بِمَا یَصۡنَعُونَ وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَـٰتِ یَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَـٰرِهِنَّ وَیَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا یُبۡدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَاۖ) (النور: 30 – 31).

وهكذا نجد أن القرآن الكريم يحث أتباعه على تجنب الزنا والفاحشة، وحفظ الفرج، وغض البصر عن النظرة الحرام، ويُحرِّم كل اتصال جنسي بين الرجل والرجل، والمرأة والمرأة بأي طريق كان، فالإسلام يحرم المثلية تحريمًا مطلقًا.

وحرّم الإسلام الزواج من فئات معينة من الأقارب، قال تعالى: (حُرِّمَتۡ عَلَیۡكُمۡ أُمَّهَـٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ وَأَخَوَ ٰ⁠تُكُمۡ وَعَمَّـٰتُكُمۡ وَخَـٰلَـٰتُكُمۡ وَبَنَاتُ ٱلۡأَخِ وَبَنَاتُ ٱلۡأُخۡتِ وَأُمَّهَـٰتُكُمُ ٱلَّـٰتِیۤ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَ ٰ⁠تُكُم مِّنَ ٱلرَّضَـٰعَةِ وَأُمَّهَـٰتُ نِسَاۤىِٕكُمۡ وَرَبَـٰۤىِٕبُكُمُ ٱلَّـٰتِی فِی حُجُورِكُم مِّن نِّسَاۤىِٕكُمُ ٱلَّـٰتِی دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمۡ تَكُونُوا۟ دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ وَحَلَـٰۤىِٕلُ أَبۡنَاۤىِٕكُمُ ٱلَّذِینَ مِنۡ أَصۡلَـٰبِكُمۡ وَأَن تَجۡمَعُوا۟ بَیۡنَ ٱلۡأُخۡتَیۡنِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِیمًا) (النساء: 23).

فيما عدا هذه القيود والنظم أباح الإسلام الإشباع الجنسي عن طريق الزواج الشرعي، ولم يقيده بأية قيود أخرى، يقول عز وجل: (فَٱنكِحُوا۟ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَاۤءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَۖ) (النساء: 3).

ويصف المؤمنين بقوله: (وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَـٰفِظُونَ إِلَّا عَلَىٰۤ أَزۡوَ ٰ⁠جِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَیۡرُ مَلُومِینَ فَمَنِ ٱبۡتَغَىٰ وَرَاۤءَ ذَ ٰ⁠لِكَ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ) (المؤمنون: 5 – 7).

ويقول النبي، صلى الله عليه وسلم، (يا مَعْشَرَ الشَّبابِ مَنِ اسْتَطاعَ مِنْكُمُ الباءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ فإنَّه له وِجاءٌ).

والعفة الإسلامية ليست مشروطة بالامتناع عن اللذات، كما هي العفة الأرسطية، ولكنها مشروطة بالامتناع عن اللذات الجنسية المحرمة فقط.

والإسلام لم يجعل الزواج أبديًا كالمسيحية، بل أباح الطلاق إذا وقع النفور بين الزوجين، وعند عجز الزوج، أو مرضه، أو إعساره، أو غيبته، وأباح للزوج الطلاق، والتزوج بأكثر من واحدة على أن يعدل بينهن، وبهذا فتحت الشريعة للمحصن كل أبواب الحلال، وأغلقت دونه باب الحرام.

عقوبة الإسلام لمقترف الزنا

بعد كل هذه الكفالات للعفة يصبح من المنطقي إيقاع عقوبة رادعة بالزناة، وخاصة المحصنين منهم؛ وهذا هو بالتدقيق ما تفعله الشريعة الإسلامية بهم، فالمحصن يرجم حتى الموت، وغير المحصن يجلد مائة جلدة، يقول عز وجل: (ٱلزَّانِیَةُ وَٱلزَّانِی فَٱجۡلِدُوا۟ كُلَّ وَ ٰ⁠حِدٍ مِّنۡهُمَا مِا۟ئَةَ جَلۡدَةٍ) (النور: 2).

فالزنا اعتداء فاحش على الآخرين، وليس مجرد رذيلة، ولهذا شدد الإسلام على القذف، أو الاتهام الباطل بالزنا، فجعل عقوبة القذف ثمانين جلدة[1]، يقول تعالى: (وَٱلَّذِینَ یَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ ثُمَّ لَمۡ یَأۡتُوا۟ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَاۤءَ فَٱجۡلِدُوهُمۡ ثَمَـٰنِینَ جَلۡدَةً وَلَا تَقۡبَلُوا۟ لَهُمۡ شَهَـٰدَةً أَبَدًاۚ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ) (النور: 4).

فالزنا يلحق أضرارًا عديدة وخطيرة بالآخرين، فالزوج حين يزني ينكث عهدًا، يتضمنه عقد الزواج، وهو عهد خطير؛ لأن موضوعه العرض لا المال، أو أي عرض آخر محدود القيمة.

ولذلك نجد أن الإسلام أوْلى خُلق العفة أهمية كبيرة، وأن الله في عون من يريد العفاف، يقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: (ثلاثةٌ حقٌّ على اللهِ عونهم: المجاهدُ في سبيلِ اللهِ، والْمُكاتَبُ الذي يريدُ الأداءَ، والناكحُ الذي يُرِيدُ العفافَ).

من صور العفة

أولًا: العفة عمّا في أيدي الناس: وهي أنيعفّ الإنسان عمّا لدى الناس، ويترك مسألتهم، فعن ثوبان، رضي الله عنه، قال: رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يكفلُ لِي أنْ لا يَسْألَ الناسَ شيئًا وأتكفلُ له بالجنَّةِ فقال ثوبانُ أنا فكان لا يسألُ أحدًا شيئًا).

ثانيًا: العفة عمّا حرّم الله: وهي أن يعف الإنسان عن المحرمات والفواحش، ومن أبرز الأمثلة على ذلك عِفّة نبي الله يوسف، عليه السلام، حيث وُجدت دواعي الفتنة، ولم يستسلم أمام التهديدات والإغراءات، قال تعالى: (وَلَقَدۡ هَمَّتۡ بِهِۦۖ وَهَمَّ بِهَا لَوۡلَاۤ أَن رَّءَا بُرۡهَـٰنَ رَبِّهِۦۚ كَذَ ٰ⁠لِكَ لِنَصۡرِفَ عَنۡهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلۡفَحۡشَاۤءَۚ إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُخۡلَصِینَ) (يوسف: 24).

ثالثًا: كف اللسان عن الأعراض: فيجب على المسلم كفّ لسانه عن أعراض الناس، وألّا يقول إلا طيبًا، فعن عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما، عن النبي، صلى الله عليه وسلم: (المُسلمُ مَن سلِمَ المُسلمونَ مِن لِسانِه ويدِه، والمُهاجِرُ مَن هجَرَ ما نَهى اللهُ عنه).

أنواع ضبط النفس

لا يقتضي ضبط النفس القضاء على الرغبات والشهوات، وإنما يقتضي تهذيبها واعتدالها وجعلها خاضعة لحكم العقل، ففي القضاء على الشهوات القضاء على الشخص وعلى النوع، وفي اعتدالها سعادتهما جميعًا.

ومن أهم أنواع ضبط النفس: 

أولًا: ضبط النفس عند الغضب: فمذموم أن يكون الإنسان سريع الغضب، يخرج عن عقله للكلمة الصغيرة والسبب الحقير، ولذلك قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (ليسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّدِيدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ).

وليس الغضب خطأ دائمًا، فهناك حالات يمدح فيها، وخصوصًا عند انتهاك حرمات الله تعالى، ولذلك يقول الإمام الشافعي، رضي الله عنه “من استُغضب فلم يغضب فهو حمار، ومن استُرضي فلم يرض فهو شيطان”.

ثانيًا: ضبط النفس عن الاسترسال في الانقباض والسخط: لأن ذلك يكدر صفو الحياة، ويرى بعض الناس أنه لا أحد أسوأ منه بسبب المعاناة التي يعانيها، وهذا يعتبر من الساخطين المتشائمين، ويظهر أن أمثال هؤلاء قد قصرت مشاعرهم عن إدراك ما في العالم من ملذات، فمثلهم كمثل أعمى الألوان الذي يدرك بعضها دون بعض، وأن الدنيا فيها المسرات كما فيها المؤلمات.

إن السعادة أو الشعور بالألم تعتمد على أنفسنا أكثر مما تعتمد على الظروف الخارجية، ومن ثمّ يجب على الإنسان أن يعلم أن الحياة فيها السيء والحسن.

ثالثًا: ضبط النفس عن الاسترسال في الشهوات الجسمية: فهي شر ما يقع فيه الإنسان ويفسد عليه حياته، ويضعف روحانياته، ويقلل من حريته ويسوقه إلى أسوأ حياة، وطريق الاحتياط لذلك عدم التعرض للمغريات، فلا يجالس المستهترين الذين لا يتحرجون من قول الهجر والحض عليه، ولا يقرأ الروايات المثيرة، ولا يغشى أماكن اللهو، ويجب أن يصحب من قويت شخصيتهم، ونظف لسانهم، وطهرت روحهم.

رابعًا: ضبط الفكر: فلا يتركه يهيم في كل واد، ويتجول في كل مجال، فالفكر إذا حام حول الشرور يوشك أن يقع فيها.

وعلى الجملة فضابط نفسه كراكب الفرس الذلول، يقصد حيث أراد، فيوجهها كما يشاء، ومن لم يضبط نفسه كراكب الصعبة، لا يسيرها كما يهوى، ولا يصل إلى غرضه بالسير كما تهوى.

وفي ضبط النفس حفظ الصحة، وطمأنينة العقل، والسعادة، والحرية، وسلطان كسلطان القائد على جنده، أو الربان الماهر على سفينته.


 

شارك هذا المقال